إيلاف من القاهرة: تسعى هذه الدراسة "تناقضات الخطاب.. صورة المرأة في الأعمال الدرامية المنشورة في الصحف المصرية في الفترة من 1923 وحتى 1952" &لأستاذ علوم المسرح الكاتب د.نبيل بهجت للتعرف على صورة المرأة في الأعمال الدرامية التي نشرت في الصحف المصرية ما بين عامي 1923 / 1952 حيث شهدت تلك الفترة صدور أول دستور أقر الحقوق والواجبات للمصريين وامتد اختيار عينة الدراسة حتى ثورة 1952 التي أحدثت تغيراً واضحاً في نمط الحياة وصورة المصري بشكل عام.

وتحاول أيضاَ إلقاء الضوء على تلك الأعمال الدرامية التي لم تلق اهتماماً من الدارسين والباحثين لصعوبة الحصول عليها.

واعتمد د.بهجت على المنهج التحليلي للوصول إلى الصورة التي طرحتها تلك الأعمال عن المرأة وشكل الخطاب الذي رسم ملامح صورتها في محاولةٍ للوقوف على مدى استجابة هذه الأعمال لخطاب تحرير المرأة من عدمه ومعرفة موقف هذه الأعمال وكتابها من الصورة النمطية للمرأة آنذاك، وما هي وجهات النظر التي شكلت صورة المرأة في هذه الأعمال.

كما ألقي الضوء على نماذج لكتاب أمثال: توفيق الحكيم، وعبد العزيز البشرى، وزكي طليمات، وأحمد رشدي صالح، وسعد مكاوي، وحسين مؤنس، وسعيد عبده، وأحمد محفوظ، وأمين يوسف غراب، ويوسف جوهر، وإسماعيل الحبروك، ومحمد عبد القادر المازني، وسيد بدير، وإبراهيم الورداني، وأنور عبد الملك، ومحمد خورشيد، ووليم باسيلي وغيرهم.
&
وتناول عددا من المحاور هي: الموروث وأثره في بناء صورة المرأة حيث اعتمدت بعض النصوص على الموروث الديني والشعبي والأدبي كركيزة لها ، وتناولت الدراسة أيضاً جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة ، وصورة المرأة العصرية ، ومفهوم المرأة الجسد وكذلك المضمر والمعلن في بناء صورة المرأة وجاءت الخاتمة لتقدم ما وصل إليه الباحث من نتائج.

ورأى د.بهجت أن عددا كبيرا من الكتاب اهتموا بنشر أعمالهم الدرامية والقصصية في الصحف والدوريات المصرية مما أدى إلى انتشارها وذيوعها في تلك الفترة وأصبحت لوناً أدبياً مألوفاً آنذاك وتنوعت هذه الأعمال بين الحواريات والأشكال المسرحية.

واستخدمت الحواريات كوسيلة للنقد الاجتماعي والسياسي في بداية القرن الماضي ولم تحتو الحواريات على إرشادات أو وصفٍ لمنظر ما، بل كانت حواراً مباشراً بين شخصين، ولم يكن لهذه الحواريات عناوين جانبية أو فرعية، وبطبيعة الحال خلت هذه الحواريات من كافة أشكال الصراع واكتفت بكونها ساحة لعرض الآراء ومعجم الحياة الشعبية ومفرداتها المختلفة، وبجوار تلك الأبواب الثابتة أخذت تظهر بعض الأعمال المسرحية القصيرة شيئاً فشيئاً إلى أن اختفت الحواريات الثابتة من الصحف، واستقرت الأعمال المسرحية مكانها، وغالباً ما كان للأعمال المسرحية عنواناً رئيسياً يشير إلى موضوع العمل وآخر فرعي معني بتصنيف العمل والملاحظ أن الكتَّاب اختلفوا حول تصنيف هذه الأعمال.

وأضاف أنه بالرغم من أن معظم تلك الأعمال لم يكتب للمسرح وإنما للنشر في الصحف إلا أنه التزم ذات المفاهيم والمصطلحات المسرحية، مما يجعلنا نقر أنها لون من الأعمال الدرامية التي التمست من الصحف مسرحاً لعرضها، معتمدة على مخيلة القارئ لخلقها وتجسيدها.

وأكد د.بهجت أن العنوان الرئيسي ارتبط بموضوع العمل بشكل مباشر وصاحب أغلب الأعمال رسما لأحد المشاهد، ويبدأ العمل غالباً بوصف المنظر من خلال إرشاد وينتهي بعضها بكلمة "ستار" في محاولة لمسرحة العمل، وتميزت هذه الأعمال بالتكثيف وكذلك الانتقال السريع للأحداث وصولاً للنهايات، واعتمدت على الشخصيات التي كانت تستدعى من مخزون الدراما وغيرها من الشخصيات النمطية، وكانت الرسائل الواضحة والمبَاشرة والخطابية والاعتماد على الأحكام الأخلاقية أبرز ما يشكل النص لإقناع القراء بوجهة نظر المؤلف.

وقال "تركت الموروثات بتجلياتها المختلفة آثاراً واضحة في بناء صورة المرأة في الأعمال الدرامية المنشورة في الصحف المصرية بين عامي 1923 و 1952وتنوع تأثيرها ما بين القصص الديني والتراث الشعبي سواء كان مكتوباً مثل ألف ليلة وليلة أو شفاهياً مثل الأمثال وغيرها، كما كان للتراث الأدبي واستدعاء صور محددة للمرأة نصيباً من هذا الاهتمام. وكان لقصة آدم وحواء حضوراً واضحاً ولم يختلف موقف الكاتبةعن المنطق الذكوري في استدعاء القصة وحملت المرأة مسئولية الخطأ ، ومن ثم برر ذلك وضعها داخل السياق الاجتماعي.

ولفت د.بهجت أن توفيق الحكيم طور صورة المرأة في استدعائه لشخصية شهرزاد عن تلك التي التزمتها الليالي وتجاوزها لتصل إلى مستوى التغيير الإيجابي وامتد تأثيرها لحياة الناس وشكل نظام الحكم، فلم تحمي شهرزاد نفسها وجنسها فحسب، بل طورت الرؤية العامة للحياة.

وأوضح أن بعض الأعمال الدرامية المنشورة في الصحف اعتمدت على التصورات السائدة في البيئات الشعبية عن المرأة كما استفادت بعض الأعمال المنشورة في الصحف من التراث الأدبي في رسم صورة المرأة. ومن جانب آخر رفضت معظم الأعمال التي تناولت بناء العلاقة بين الرجل والمرأة الزواج دون تعارف كامل بين الزوجين، وانحازت بشدة لموقف قاسم أمين واستلهمت بعض الأعمال أحداثها مما كتبه.

وكشف د.بهجت أن بيئة الحياة الزوجية كانت مادة خصبة لتصوير العلاقة بين الرجل والمرأة وقدمت الزوجة كنموذج سلبي ومعيق للحياة وسببٍ في شقاء الرجل، ولم تساهم تلك الأعمال في رسم صورة إيجابية لمؤسسة الحياة الزوجية، وإنما عمقت التصورات السلبية عنها، كذلك جاء نموذج الأم والحماة بذات التصورات النمطية والسلطوية أحيانا.
وأضاف أن هذه النصوص لم تحتفل بنموذج المرأة العاملة وانحازت للموقف المحافظ بأن المرأة لا يلزم أن تتعدى وظيفتها ، فالمنزل هو المكان الأمثل لعمل المرأة &، كما نلاحظ اختيار الكتاب لنوعية محددة من المهن انحيازا للرأي القائل بعدم قدرة المرأة &على مزاولة جميع المهن. ومن جانب آخر اعتمدت هذه النصوص الثنائيات المتقابلة للتأكيد على القيمة وهو ما نراه أيضاً في في تقديم الفتاة اللعوب في مقابل المرأة الأسرة في عدد من النصوص كذلك أكدت بعض النصوص علي فكرة وراثة الأخلاق.

ورأى د.بهجت أن عددا من الكتاب استمدوا الأفكار المشكلة لصورة المرأة العصرية أو الحديثة من كتابي قاسم أمين تحرير المرأة والمرأة الجديدة، وناقشوا قضايا الحجاب والاختلاط وغيرها من الأفكار إلا أن الصورة العامة التي قدمتها تلك الأعمال لدعاة المدنية وللمرأة الحديثة لم تتسم بالإيجابية وناقشت هذه الاعمال الموقف من تحرير المرأة والتزمت الرأي المحافظ الذي طرحه طلعت حرب في كتابه في معظم القضايا عدا مسألة الاختلاط من أجل الزواج لما سيعود بالنفع علي الرجل.

ولاحظ أنه تم تغيب النموذج الفاعل فلم تظهر المرأة خارج مؤسسة الأسرة والزواج حيث لم نشاهدها تقتحم مجالات العمل المختلفة لتدافع عن حقوقها المتنوعة وحصرت همومها في مسألة الزواج وآليات الاختيار الحر المؤسس على معرفة متكاملة بالطرف الآخر كسلوك للالفتاة العصريةية.

وخلص د.بهجت إلى أن هذه الأعمال اهتمت بجسد المرأة وناقش بعضاً منها الضوابط الاجتماعية التي يجب أن تلتزم بها المرأة تجاه جسدها ، واستمدت مفاهيم الشرف والفضيلة من موقف الشخصيات تجاه جسدها ولم يختلف في ذلك الموقف باختلاف نوع المؤلف وإنما التزمت معظم الأعمال التصور الذكوري المنطلق من أن جسد المرأة هو المعادل الموضوعي للشرف وقدمت بعض الأعمال المرأة كجسد خالص من خلال التركيز على صفاتها الجسدية، وجاءت النهايات المأساوية لبعض الأعمال كعقاب للتفريط في الجسد، كما هيمنت شروط الوعي الذكوري إذ تم التركيز على قضايا بعينها وتهميش قضايا أخرى وإغفال بعض الموضوعات، فكان الاختلاط من أجل الزواج موضوعاً متكرراً في العديد من الأعمال لما يحققه من مصلحة للرجل وتم تجاهل بعض الموضوعات مثل حق المرأة في العمل بأن تكون طبيبة ومهندسة ولم تطرح الأعمال مناقشات حول تغيير الممارسات الاجتماعية ضد المرأة أو رفع سن الزواج وغيرها من القضايا التي تتعلق بحقوق المرأة كذلك تم تهميش معالجة الدور السياسي للمرأة وكذلك تم تغيب النموذج الفاعل للمرأة داخل المجتمع، فلم نرها حتى على مستوى العمل التطوعي ركزت تلك الأعمال على الموضوعات المقبولة من الرجل واتفقت رؤية المرأة الكاتبة مع الرجل فيما طرحته من قضايا.