نورة البدوي/ مسقط

تواصل الجمعية العمانية للسينما و المسرح نشاطها الأسبوعي المعروف بالأربعاء السينمائي، ليتم يوم الأربعاء الموافق لـ 20 نوفمبر 2019 مع الساعة السابعة مساءا عرض فيلم نور للمخرج اللبناني السينمائي خليل زعرور.
يتناول &مخرجنا من خلال فيلمه الروائي الطويل نور صرخة فزع لزواج القاصرات في مجتمع ما تزال ملامحه غير واضحة ممزقا بين ما ورثه من تقاليد و أفكار بالية و بين ما يفكر فيه من مصالح مادية ليلقي بذلك الضوء في عمق ما يعانيه الهامش اللبناني.
و لئن كان العنوان الكبير لهذا الفيلم هو زواج القاصرات فإننا نجد في طياته مجموعة من القصص و الحكايات ما جعلنا في دائرة متفرعة &من علاقة الشخصيات ببعضها من حضور رجل الدين و مصطلح العائلة و الأمومة و مسألة الطبقية كل هذه الدوائر نسجت خيوط الحكاية الكبرى، زواج القاصرات.
حكاية نسجها خليل زعرور بشفافية و وضوح لمعاناة فتاة قاصر نور التي تبلغ من العمر 15 سنة أجبرت على الزواج تنفيذا لرغبة عائلتها برجل مغترب ( يؤدي دوره المخرج خليل زعرور) يكبرها في السن و كانت حجتهم في هذا الارتباط انه يصب في مصلحتها لان العريس ميسور و بمثابة نصيب لا يمكن تفويته بلغة والدة نور " جوليا قصار".
ينطلق الفيلم بمشهد الأم و هي تقول لابنتها نور ماما "بدي حكيلك افتاحيلي و تطرق عليها الباب"، و هو مشهد &مأخوذ من وسط الفيلم حيث الحبكة الدرامية جعله مخرجنا كنقطة بداية لتقوم الكاميرا بفتح الباب لنا أمام عالم نور الحقيقي صحبة أترابها.
يكون المكان في فضاء أرحب و أوسع ليردد صدى ضحكاتهم و هم يتسابقون على درجاتهم ترافق هذا المشهد موسيقى حالمة كحلم الفضاء الطبيعة و حلم هؤلاء المراهقين، لا تكون الموسيقى مصاحبة فقط &للمشهد بل أضافت بعدا علائقيا بين الطبيعة و نور و أترابها و هم &في أرجائها يمارسون ألعابهم و مقاليبهم و يتشاركون الطعام البيض المطهو مع النقانق .
ترافق هذه المشاهد كثير من لحظات الصمت و كأن زعرور كان يتعمد ذلك ليفتح المجال أمام كما من الصور المتتالية لهؤلاء الأصدقاء و المؤثثة على الفعل و الحركة و النشاط و الرومانسية الملائمة لأعمارهم.
أهم اللقطات التي اعتمدها مخرجنا لنقل هذه المشهدية المبهجة في حياة نور هي اللقطات العامة التي وضعتنا أمام &ثيمات لفضاء الطبيعة و اللقطات الضيقة &التي كانت مركزة على تفاصيل الوجه البشوش و المبتسم لنور.
يقطع زعرور كل هذه التفاصيل الحالمة لنور بتقدم شاب ثري لزواجها و موافقة عائلتها الأم و ابنها الذي لم ينفك يوم يوما على اهانة نور أو تهديدها بالضرب أما الأم فتحضر بموقف سلبي من خلال تكرارها لنفس السيناريو الذي عاشته و تزوجها باكرا و حرمانها من طفولتها و هي بذلك تنقل لنا واقع نسوة كن ضحايا الزواج المبكر و يطبقنه بدورهن على بناتهن، أما رجل الدين الذي أعطى تصريحا بقبول نور بالزواج فهو الآخر كان يعرف جيدا أنها قاصر و اقتصر على إجابتها بنعم أقبل.
بهذه الدائرة السلبية تدخل نور رغما عنها الحياة الزوجية التي كانت بالنسبة إليها سجنا للاغتصاب و الاهانة و الضرب من قبل زوجها إضافة إلى المعاملة الدونية من قبل والدته المسيطرة و التي تعاملها جارية.
ينقلنا خليل زعرور من خلال هذا المنعرج &في مدار النحت في الزمن بعبارة شاعر السينما أندريه تاركوفسكي &ليبين لنا تداخل واقع داخل واقع آخر في حياة نور &بين ما كانت عليه من حياة مفعمة بالحيوية و ما أصبحت عليه من رتابة يقننها الموت.
أكدتها بذلك مشاهد الضباب في الطبيعة الخصبة و مشهد هطول الأمطار الغزيرة الذي رافقت لقطة ضيقة لنور و هي خلف قضبان النافذة من بيتها الزوجي، يترك زعرور لغة بصرية تحققها الطبيعة و ما حملته من رموز و إيحاءات لتعكس التغيرات النفسية للشخصية و كأنه يجعل من الطبيعة سيناريو قائم الذات من خلال ما نقله لنا من صور معتمدا في ذلك على اللقطة و اللقطة العكسية.
تنقل لنا الكاميرا حيثيات و التفاصيل البصرية لشخصيتنا نور لترينا متناقضات شعورية كالاطمئنان و التوتر و الفرح و الحزن و الخوف الذي أكل روحها الطفولية.
يمكن القول أن في فيلم نور ينطلق المخرج خليل زعرور من الواقع اللبناني و هي إثارة مشكل الزواج المبكر حيث أن العديد من الجمعيات طالبت الترفيع في سن الزواج إلى 18 سنة على الأقل ليكون بذلك مواكبا إلى إشكال مجتمعي من خلال طرح فني سينمائي .
من خلال هذا الطرح الفني تواصل الجمعية العمانية للسينما و المسرح نشاطها الأسبوعي في تناول أفلام متنوعة من العالم العربي التي تطرح قضايا مختلفة كاشفة عمق الهامش الإنساني.
&