يُقال بأنه من المستحيل أن يتلامس عالما الواقع والخيال، لأنه ثمَّة شعرة تفصل بينهما.
ولكن في حالة الشخص الفصاميّ، فكل شيء ممكن!
***
الفُصام أو "شيزوفرينيا" هو مرضٌ ذُهانيّ (أي عقليّ) يفقد من خلاله المريض، تدريجياً، علاقته بالواقع ليصبح أسير ذاته، إضافةً إلى اعتلالٍ واضحٍ في أدائه العام. وكجميع الذُّهانات فإن مريض الفُصام لا تكون لديه القدرة على معرفة أنه مريض، أو القدرة على فصل ذاته عن مشاكله العقلية. إلى ذلك تُعتبر الهلوسة السمعية والبصرية واضطراب السلوك من أكثر السمات المميّزة لمرض الفصام.
كما يُعدُّ "فُصام المطاردة" من أكثر الفصامات انتشاراً، حيث يشعر المريض خلاله بالخوف الشديد، ويتصرَّف وكأنه مُلاحقٌ من قبل شخص أو من قبل مجموعة من الأشخاص! فيسير في الشارع متلفّتاً شمالاً ويميناً، حذراً في كلّ خطواته، حتى يبدو لك وكأنه مطلوبٌ لأخطر جهة أمنية في العالم! وإذا حاولتَ مراقبة تصرُّفاته فإنك سرعان ما ستلحظ العَجَلة المصحوبة بالقلق في كامل أدائه، حيث أنه يأكل بسرعة ويرتدي ثيابه بسرعة ويؤدّي أيّ عمل يقوم به بسرعة غير مبرَّرة، حتى ولو كان لديه النهار بطوله لغسل صحن واحد فهو يفعل ذلك بسرعةٍ وخوفٍ شديدَيْن! لكنَّ أخطر ما يُعانيه مريض الفُصام هو عدم قدرته على الفصل والتمييز ما بين الهلوسة الذهنية التي
يُعانيها وبين الحالة الواقعية التي يحياها، فهو يخلط بينهما بطريقة عجيبة. فإذا حصل وشاهدَ شخصيةً وهميةً فإنه سيتعاطى معها بصفتها شخصية واقعية!
وهذه الشخوص التي يشاهدها الفصاميّ، في بعض الحالات، ويتحدّث إليها، هي أساساً من صناعته، فهي عاشت في عقله سابقاً على شكل "توابع نفسية". ويعود سبب وجودها إلى الوهن النفسيّ والعقليّ لصاحبها. ومع مرور الوقت تقتات هذه التوابع، إذا صح التعبير، على تراكم المشاكل لدى صاحبها. وعندما تقوى أكثر تبدأ بالسيطرة عليه رويداً رويداً، وتصبح بأخطر شكلٍ لها عندما تتمثَّل أمام صاحبها وتنفصل عنه على هيئة شخصية وهمية يراها ويتحدَّث إليها، وقد يعيش معها وقتاً طويلاً دون معرفة منه بأنها وهمية من صناعة ذاته الواهنة. وكثيراً ما تظهر هذه الشخوص الوهمية لتعويض الشخص عن جانبٍ ما لم يتمّ إشباعه، أو بهدف ملء فراغ ذهني يعيشه، أو كنتيجة لإحباطٍ عاشه طيلة حياته. ولتقريب الصورة، يمكن تشبيه موقف الفصاميّ بموقف الروائيّ الذي يخترع شخوصه التي سيُدير من خلالها رحى روايته. سوى أنَّ الفصاميّ يفقد القدرة على السيطرة على شخوصه التي اخترعها، بل ويضيع بينها ليصبح هو ذاته جزءاً من دراماه الشخصية المُختَلَقة!
باحث سوري في علم النفس التحليلي.
التعليقات