نورة البدوي/ تونس

"إن ما ينفرد به الفنان عن سواه هو حساسيته بالتقاط الوسط الخارجي برؤيته الأكثر شمولية و تعمق"، هذا ما بلورته لوحات الفنانة التشكيلية التونسية آمال بن صالح زعيّم في معرضها الفني التجريدي المعنون بـ "حرية مشبوهة".
معرض تجريدي اعتبرته زعيّم "ملاذ لنقل جملة من القضايا التي يعيشها الواقع التونسي ممزوجا بما تحسه ذاتها من تشظ و خواء و قلق" و لعل هذا ما ترجمه اختيارها لعناوين لوحاتها كـ اشتباك و مسار دموي و دوامة النفايات و تشنجات و احتراق و موضوع حاد و اغتيال و حالة حرجة و انتهاك .. و كأننا إزاء إنتاج منظومة من التفاعلات بين الحس الجمالي و البعد الواقعي و ذلك تمهيدا لانفتاح المعنى و تعدده.

حريّة مشبوهة: دائرة الشك و الضبابية
يستمد العنوان سلطته من خلال دلالته المتعددة و القابلة للتأويل ليكون في ذاته مجموعة من الأحداث و الوقائع غير منفصلة عن الواقع التونسي، الذي بدوره في حالة من الحركة المستمرة و الدوران لجملة من القضايا التي تؤرق فنانتنا.
تقول زعيم "إن عنوان حرية مشبوهة هي ترجمة للدائرة الشك و الضبابية التي نعيشها اليوم، ففي الظاهر نقر أننا نعيش الحرية لكن في الباطن يظهر العكس، فهي حرية مشكوك فيها و محاطة بدوائر من الضبابية و الأنفاق المظلمة و ها نحن ننتظر وعد الضوء."
و تتابع زعيم لقد "جعلتني الأحداث المتسارعة في تونس و البالغة الخطورة على التأثير في مكتسبات الحرية أن أنتج هذا العنوان لمعرضي التشكيلي " حرية مشبوهة " لينطوي على دلالات جوهرية غير منفصلة عن واقع حجرات معيشة المواطن التونسي اليوم."

التجريد كموازة للعالم الحقيقي
تضعنا زعيم في عالم من اللوحات التجريدية بطلها القيم الضوئية و تشكلات الخطوط و اختيار الألوان حيث عملت من خلال لوحاتها كـ " ورم و الحركة و افة الحداثة و جمر و شبكة و اعتراف .." على إبراز الثنائيات بشكل قوي من شر و خير، موت و حياة، الثقة و الغدر، الوحدة و المجموعة، و كلها ثنائيات منبثقة عن خلجات النفس الإنسانية و نزوات الرغبة و السلطة و الفوضى .
عن اختيارها للتجريد في لوحاتها تقول فنانتنا " هو اختيار فعلا، فهو يعبر بصدق أكثر و يشخص ما نمر به من حالات، إضافة إلى أنه يمنحني الكثير من الحرية"، أما عن اعتمادها للقيم الضوئية كركيزة أساسية في مختلف لوحاتها، فترجع زعيّم ذلك إلى :" إني أرى الأسود ليس كما يراه الكثير مصدرا للتشاؤوم بل أراه بطريقة أخرى، أجد فيه المسؤولية و العمق و الجدية أما الأبيض فهو رمز الصفاء و السلام، و باجتماعهما تجتمع كل الأضداد التي تتأسس عليها "دفاتر الحياة" .

عناوين اللوحات تعبير عن المشهد السياسي في تونس:
إن كانت اللوحة تمثل مجموعة من الحالات و الأفكار و الرؤى المعايشة للواقع و المتفاعلة معه، فان الفنانة التشكيلية آمال بن صالح زعيم أثبتت هذا التفاعل من خلال اختيارها لعناوين لوحاتها .
فهي حسب تعبيرها تنطلق من الواقع لتعود إليها في شكل فكرة تحددها رمزية العنوان و دلالته في رسم ملاحم التونسي " بشكل خاص" في الحياة اليوم.
و تضيف زعيّم :"بالنسبة إلي كل عناوين اللوحات تعبر عن المشهد السياسي في تونس هذا المشهد الذي جعلنا نغرق في منافذ الضبابية و الفوضى و الخوف و أعتبر ان ابرز لوحة تعبر عن كل هذا هي اللوحة التي عنونتها بموضوع حاد ".
هذا الموضوع الذي يفرض سلطة حضوره بأسئلة حادة بالمعنى الوجودي و بمعنى انتظارات التونسي على هذه الأرض التي يشوبها الغموض نتيجة لسقوط جميع الأقنعة عن الطبقة السياسية التي أثبتت أنانيتها اليوم .
فلقد جعلتنا الثورة نحقق الحرية و لكن واقع الطبقة السياسية جعلنا نعيش حرية بلا أمان حرية بالمديونية و كل القطاعات في تونس ضربت تعليم و صحة و ثقافة و لا أخفي إحساسي بالخوف حسب تعبيرها.

تمسك بالأمل دون ملل
رغم كل هذه الضبابية و الخوف و الغموض الذي ترجمته الفنانة التشكيلية آمال بن صالح زعيم في معرضها حرية مشبوهة و تحريكها للمياه الراكدة بلغة غرامشي من خلال تشابك الألوان و الخطوط بتعبيرات تجريدية، لابراز مشهدية الواقع، إلا أنها تعتبر معرضها مؤثثا على فكرة الخلاص، حيث تقول " إن وعينا بالحقيقة و عرضها أمام الآخر هو في ذاته إنقاذ للجميع و خلاص من الأوهام، و تضيف: أنا هنا أستحضر مقولة زوربا " الطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسك هي أن تناضل لإنقاذ الآخرين و هذا في ذاته تمسك بالأمل .
وهذا دور الفنان من خلال ما يقدمه في فنه حسب تعبيرها.

بطاقة تعريف فنية:
آمال بن صالح زعيم فنانة تشكيلية تونسية شاركت بالعديد من المعارض الجماعية و لها معارض فردية من بينها عندما تتكلم الألوان و العشق الأزرق و عودة الروح وشاعرية و سلام و تضامن و لعنة الكرسي و مؤخرا معرض حرية مشبوهة.