تُعدُّ الحبسة الكلاميَّة نمطاً من أنماط التأتأة، إلى جانب التأخُّر في الـمُبادأة والتلعثُم في نطق المفردات.
يظهر التلعثُم على هيئة تكرارٍ غزيرٍ للحرف الأول من الكلمة أو لحرفٍ يتوسُّطها. فبدل أن يقول الشخص المتلعثم كلمة "سليم" مثلاً يقول: سسسسسليم.
بينما يبدو التأخُّر في الـمُبادأة الكلاميَّة على شكلِ تكرارٍ لأوَّلِ كلمةٍ في الجملة، كقولنا مثلاً لكلمة "أريد" مرات عدَّة لتنطلق بعدها الجملة بشكلٍ طبيعيّ، فيكون الاسترسال في الكلام مرهونٌ بتكرار الكلمة الأولى.
أمَّا مع الحبسة فيُلاحَظ وجود توقُّف بين الجُمل في الأحاديث التي ينطقُ بها صاحبها، وأحياناً بين الكلمات، وكأنه يكتب رسالةً ويترك بين جملةٍ وأخرى فراغاً أو فاصلةً وهميَّة!
إنَّ الشخص المتكلِّم هنا يعرف الكلمة التي يجب عليه قولها بالضبط، لكنه يعاني في استحضارها وهنا تكمن الحبسة. تماماً كالموظَّف الحكوميّ الذي يُحدِّد المصنَّف الذي يحتاج إليه دون سواه، ويُرسل المُستخدَم إلى المستودع أو إلى الأرشيف لإحضاره، لكنَّ المُستخدَم هنا كسولٌ ومُتقاعس في أداءِ دوره وواجبه بالشكل الصحيح وبالسرعة المطلوبة.
والجديرُ بالذكر أن جميع هذه المشاكل الخاصة بالنطق (سواء أكانت المشكلة في نُطق الحرف أو في فرملة الكلمة أو في حصول تباعُد بين الجُمل القصيرة) لا يمكن تحديدها إلا بعد بلوغ الإنسان عامه السادس، وكل ما يحصل قبل هذه السنّ يندرج تحت مسمَّى المرحلة التجريبيَّة؛ حيث يحاول الطفل تهجئة الأحرف والمفردات والتدرُّب على الكلام، لذلك سيكون من الخطأ بمكانٍ اعتبار أيّ طفلٍ مصاباً بالتأتأة.
غير أن تاريخ الطفل اللغويّ والنفسيّ قد يشدُّ الانتباه نحو مستقبله في موضوع النطق.
إلى ذلك تتعدَّد الآراء حول أسباب المشكلات الخاصة بالنطق بين بيولوجيَّة ووراثيَّة ونفسيَّة. وقد تمَّ تحديد الكثير من الوسائل العلاجيَّة الخاصة بهذه المشكلة كتمارين التنفُّس والعلاج التقويميّ المعرفيّ وغيرها.
هذا بالإضافة إلى استخدامِ طرقٍ مُبتَكرةٍ لتجنُّب الحرج الاجتماعيّ الناتج عنها.
ومثال ذلك، إذا كان الشخص يُتأتئ بحرف السين، أو بحرف الزاي مثلاً، فعليه ألا يبدأ جملته بها وأن يضعها ضمن سياق حديثه لا في بدايته كي يتجنَّب الإحراج الناتج عن "العرقلة" بالحرف ولفت الأنظار.
وأسوأ نصيحة قد تقدّمها لهذا الشخص هي قولك له: "خُذ وقتك ولا تتسرَّع"! فبقولك هذا أنت تزيد من إرباكه، وتضعه تحت ضغطٍ أكبر.
ثمَّة أيضاً حالاتٌ أخرى من الحبسةِ الكلاميَّة أو من التأتأة بشكلٍ عام، تُمثِّلُ نكوصاً لاواعياً إلى مراحل سابقة.
فعلى سبيل المثال، شابٌ في الأربعين من عمره، عانى من التأتأة في المرحلة الابتدائيَّة من دراسته. وكانت هذه المشكلة تظهر حين يشعر بالضغط؛ خاصةً عندما كان يُشرف والده على تعليمه، ويُساعده في حلّ فروضه المدرسية. وفي الوقت الحاضر شُفيَ هذا الشاب من مشكلته نسبيَّاً، لكنه كلَّما جلس مع والد زوجته، أو مع أي شخصٍ آخر يُشعره بحضور والده، تسلَّلت إلى أحاديثه "لعنة" التأتأة! وكأنه من خلال هذه التأتأة يسترجع شعوره السابق، ويُعيد (إلى الحياة) شخصاً يحبُّه ويفتقد إليه.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.