تقديم - إيمان البستاني


وصل "البغداديون"، في إشارة إلى اليهود القادمين بشكل أساسي من بغداد والبصرة وحلب، ولكن أيضًا من أجزاء أخرى ناطقة بالعربية من الإمبراطورية العثمانية، إلى الهند في أواخر القرن الثامن عشر وشكلوا في نهاية المطاف مجتمعات تجارية هامة في بومباي وكلكتا. بلغ تعداد البغداديين في كلكتا ذروته في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي حوالي 3800 من بينهم 1200 لاجئ وصلوا من بورما في عام 1942. وربما كان هناك ثلاثة آلاف آخرين في بومباي وبون.
كانت الجالية اليهودية البغدادية في الهند فريدة من نوعها. تمسكها بالتقاليد والعادات العراقية أو السورية ولكنهم اعتنقوا أسلوب الحياة والتعليم الإنجليزي، بينما كانوا ينضحون بالدفء وكرم الضيافة في الهند على الرغم من أن المرأة البغدادية مقيدة وتخضع للذكور، إلا أنها تركت بصماتها.
في الأصل تتبعوا أسلوب حياة شرق أوسطية أكثر، بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأت النخبة البغدادية في التخلي عن عاداتها "الشرقية" وبدأت في الاندماج أكثر بين البريطانيين.
بحلول أوائل القرن العشرين، على الرغم من أنهم لا يزالون يتحدثون اليهودية العربية، والتي يمكنهم من خلالها التواصل مع أقاربهم وعلاقاتهم التجارية في جميع أنحاء الشرق، فإن معظمهم متحدثين أيضًا اللغة الإنجليزية، وخاصة جيل الشباب.
قد يسمع المرء الهندوستانية والعربية والإنجليزية في منازلهم، مع إضافة البنغالية في البيوتات البغدادية في كلكتا كما احتفظت الطبقات الدنيا بهوية ثقافية يهودية عربية قوية لفترة أطول من الطبقات الوسطى أو العليا. ومع ذلك، مهما كانت البيئات الخارجية التي تأقلموا معها، سواء كانت عربية أو هندية أو بريطانية، فإن يهوديتهم ظلت في صميم هويتهم.

كانت النساء البغداديات في تفاعلها الأجتماعي مع الغربيين أقل من أزواجهن، ربما تغيرت النساء لكن بشكل أبطأ، واستمرن في تقاليدهن البغدادية في منازلهن. حتى بعد أن بدأن في تبني نمط الحياة الأنجليكانية، تم الحفاظ على الملابس التقليدية، مثل الفساتين الفضفاضة بطول الكاحل ذات الأكمام الفضفاضة والدانتيل، خاصة من قبل الأقل ثراءً، ربما في عشرينيات القرن الماضي نادرا ما كان يرتدين الساري.

كان الطعام اليهودي البغدادي في الأصل يحتوي على العديد من العناصر العربية، ولكن في الهند قام الطهاة المسلمون بتعليم البغداديات استخدام التوابل الهندية في أطباقهم التقليدية. كان تأثير المسلمين والهندوس على طعامهم أكبر بكثير من تأثير البريطانيين. سرعان ما تميز الطبخ اليهودي البغادي عن الطوائف الهندية الأخرى. مع بداية القرن العشرين، قامت النساء البغداديات الثريات بتزيين بيوتهن على الطراز البريطاني. بدأت العرائس في ارتداء فساتين الزفاف الغربية الحديثة وكانت حفلات الاستقبال مماثلة لتلك الخاصة بالبريطانيين.
كانت الزيجات المرتبة هي العادة خلال الثلاثينيات، على الرغم من وجود زيجات حب أيضًا تحدد أخلاق وعفة النساء ما إذا كانت الأسرة متحفظة أو منفتحة . غالبًا ما تتزوج الفتيات في أواخر سن المراهقة حتى منتصف العشرين، كان الطلاق نادرا كما كان تعدد الزوجات ايضاً نادر جداً.

في القرن التاسع عشر ، كانوا الفتيات يدرسن في المنزل، مع التركيز على العبرية والتوراة، وكانت اللغة العربية هي اللغة الرئيسية للتعليم. بحلول السنوات الأولى من القرن العشرين، ذهبن إلى مدارس اللغة الإنجليزية.
في بومباي ، التحق البغداديون الذين كانوا يعيشون في حي (بيك الله) وبالقرب منه، وهو حي للطبقة العاملة، بمدارس ساسون التي كانت تدرّس العبرية وتحتفل بالأعياد اليهودية. كان أفراد المجتمع الأكثر ثراء يعيشون في منطقة (فورت) وأرسلوا بناتهم إلى مدارس خاصة، غالبًا ما يديرها المسيحيون.
في كلكتا، التحقت فتيات الطبقة الدنيا والمتوسطة بالمدرسة اليهودية للبنات، التي تأسست عام 1881، بينما تم إرسال الفتيات من الطبقة العليا إلى مدارس خاصة.
في كلكتا، اشتهرت بعض النساء بأعمالهن الخيرية. حاولت موزيل عزرا (1853-1922)، ابنة السير ألبرت ساسون وزوجة الوجيه إيليا عزرا، تخفيف حدة الفقر في المجتمع اليهودي وتبرعت بقدر كبير من المال للمعابد والمدارس.
في عام 1887 أسست مستشفى عزرا، الذي كان مفتوحًا لجميع المجتمعات ولكن مع أحكام خاصة لليهود، تكريما لزوجها الراحل. كما ساهمت في دعم النساء والأطفال والطلاب وقضايا أخرى في القدس، وكذلك في صيانة ضريح عزرا في العراق.
تولى ابنها، السير ديفيد عزرا (1871-1947)، منصب والده في المجتمع وزوجته، السيدة راشيل عزرا (1877-1952)، ابنة فلورا ساسون من بومباي، استمرت في تقليد والدتها في القانون. كانت سيدة المجتمع في النصف الأول من القرن العشرين ، عملت السيدة راشيل من أجل قضية الرفاه الاجتماعي، وترأست العديد من مؤسسات المجتمع بالإضافة إلى المؤسسات البنغالية الأوسع.
في عام 1947 منحتها الحكومة البريطانية ميدالية قيصر الأول الذهبية. داعمة جدًا لجميع فئات مجتمع كلكتا، من الأنشطة مثل حفلات الزفاف والرياضة. أصبح منزلها مركزًا مشتركًا حيث التقى مسؤولون بريطانيون وهنود ونُظمت أنشطة يهودية، مثل المناسبات الخيرية وحفلات الزفاف ووظائف الشباب . اشتهرت هي وزوجها بأعمالهم الخيرية خلال الحربين العالميتين.

في كلكتا ، تم تأسيس رابطة النساء اليهوديات عام 1913 ولعبت دورًا مهمًا في الرعاية الاجتماعية. كان هناك اتحاد مماثل في بومباي ايضاً برئاسة جورجيت آني (1895-1975) التي جاءت إلى المدينة في عام 1919 كعروس في زواج مرتب من رجل لم تقابله من قبل. شغلت آني منصب رئيسة رابطة النساء اليهوديات لسنوات عديدة، حيث أخذت على عاتقها توفير وجبات ساخنة يومية والإشراف عليها للطلاب في مدرسة (السير جاكوب ساسون )الثانوية لليهود البغداديين. كما أشرفت على تقديم وجبات الكوشر في الجناح اليهودي في مستشفى (جي جي ) كما ساهمت الصناديق الاستئمانية ساسون ، بما في ذلك تلك التي أنشأتها الليدي راشيل ساسون، الحافز لتشكيل منظمات أخرى. تقوم بتزويد الفتيات الفقيرات بمساعدات مالية لمساعدتهن على الزواج..
وُلدت كيتي صوفر (1910-2001) في كلكتا، وجاءت إلى بومباي بعد زواجها. باعتبارها أحد أعمدة الجالية اليهودية، أثرت في حياة العديد من الشباب من خلال (معسكرات الشباب) التي نظمتها وأدارتها خلال الإجازات المدرسية. أكدت المعسكرات على الدراسات اليهودية وبناء روح الفريق. يتذكر العديد من يهود بومباي، الذين يعيشون الآن في جميع أنحاء العالم، باعتزاز ذكريات الطفولة هذه.

في الأصل ، لم يكن من اللائق أن تعمل المرأة خارج المنزل، إلا كمعلمات وخياطات. فلو حاييم (مواليد 1910)، والمعروفة باسم السيدة حاييم ، كانت مواكبة للأزياء الراقية في بومباي. ولدت في تلك المدينة ، ونشأت حيث تدربت هي وأختها مع دارزي (خياط) محلي.
السيدة هايم ، مصممة الأزياء الراقية، صممت وصنعت خطها الخاص من الفساتين في بومباي. حضرت نخبة المدينة دروس الخياطة اليومية في منزلها. كان العديد من صانعي الخياطة الرائدين اليوم في الهند من تلاميذها. على الرغم من أنها كانت ناجحة للغاية، فقد قطعت السيدة طريقها لتعليم حرفتها للفتيات اليهوديات الفقيرات كوسيلة لمساعدتهن على الحصول على الاستقلال. كان فلو هايم متفردة حتى أنها امتلكت حصانها الخاص ، الذي امتطته في مضمار السباق حتى أواخر السبعينيات من عمرها.

أصبحت العديد من البغداديات معلمات، ووجدن وظائف في مدارس الأنجلو-هندية أو مدارس "الدير". في كلكتا، كانت (رحمة لودي)، الحاصلة على دبلوم المعلمين من لندن، مديرة مدرسة الفتيات اليهوديات من عام 1929 إلى عام 1963. تحت قيادتها، كانت تعتبر واحدة من أفضل المدارس الثانوية في المدينة وأصبحت مركزًا لليهود و الحياة المجتمعية. قامت (لودي) بتدريس اللغة العبرية الحديثة في المدرسة في الثلاثينيات. أصبحت في النهاية مادة لاختبارات كامبريدج الخارجية. خدمت (لودي) المجتمع في العديد من المجالات الأخرى ، بما في ذلك رابطة النساء اليهوديات، ونادي يهودا ومجمع الشباب، وقد تم تذكّره باحترام وعاطفة كبيرين وتكريمه من قبل الطلاب السابقين في جميع أنحاء العالم لسنوات عديدة.

في بومباي، أصبحت السيدة (إي. جوزيف) مديرة مدرسة السير جاكوب ساسون الحرة في عام 1925. وقد تحسنت المدرسة خلال فترة عملها كمؤسسة خيرية للأطفال اليهود الفقراء، نظرًا لما كانت عليه في السنوات الأولى. زاد التسجيل وبدأ الأطفال من العائلات الأكثر ثراء بالحضور.
معلمة بغدادية أخرى في بومباي كانت (صوفي كيلي) (1917-2002) التي درست أيضًا في إنجلترا. كانت معلمة رائدة، ومؤسسة ومدير مدرسة (هل كرانج) الثانوية الخاصة، ولم تكن مدرسّة يهودية على وجه التحديد. كانت ترتدي الساري في جميع الأوقات، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للمرأة البغدادية. كانت رئيسة المساعد النسائي (لبناي بريث) ولها ارتباط وثيق بالعديد من الشخصيات السياسية، بما في ذلك نهرو وإنديرا غاندي.
في عام 1965 عينت قاضية الصلح في بومباي. في عام 1985 رتبت لرئيس الهند (جي.إن سينغ) لافتتاح الاحتفال بالذكرى المئوية للكنيست إلياهوو كنيس في بومباي. استضافت الآنسة كيلي، كما كانت تُعرف، العديد من المناسبات في منزلها ، حيث كانت مائدتها مليئة دائمًا بالمأكولات الشهية البغدادية.
هانا سين (1894 - 1957) ابنة من أم بغدادية كانت محامية هندوسية بارزة، تركت بصمتها في ساحة أوسع. تخرجت بدرجة في القانون لكنها اختارت التعليم على أنه مهنتها. بدأت كمعلمة في مدرسة البنات اليهوديات في كلكتا، وأصبحت أول مديرة هندية للمدرسة الثانوية الجديدة للبنات في بومباي في عام 1922. أثناء حصولها على دبلوم التعليم من جامعة لندن، ارتبطت (هانا سين) ارتباطًا وثيقًا ببعض المنظمات النسائية البريطانية الرائدة. ألقت العديد من الخطب، بما في ذلك واحدة أمام عدد كبير من أعضاء البرلمان البريطاني حول أوضاع ومشاكل المرأة الهندية.
في عام 1932 طُلب منها العودة إلى الهند للمساعدة في تأسيس كلية (ليدي إيروين) للعلوم المنزلية في نيودلهي، والتي عملت فيها كمديرة حتى عام 1947. تحت قيادتها، كانت هذه الكلية منخرطة بشدة في الحركة القومية الهندية - وهو أمر لم تتعرف عليه معظم النساء البغداديات، مثل نظرائهن من الرجال. عملت سين لاحقًا مع وزارة الإغاثة وإعادة التأهيل، مع التركيز على النساء والأطفال الذين نزحوا نتيجة تقسيم شبه القارة. واصلت اهتمامها بالشؤون الاجتماعية من خلال تمثيل الهند في المؤتمرات الدولية للمنظمات غير الحكومية واليونسكو ولجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة. ظلت (هانا سين) قريبة من الجالية اليهودية وساهمت في بناء الكنيس اليهودي في نيودلهي.
بعد الحرب العالمية الأولى، أرادت الفتيات البغداديات الالتحاق بالجامعة من أجل العثور على أنواع مختلفة من الوظائف. كانت كثيرات يأملن في أن يصبحن كتبة أو سكرتيرات لشركات بريطانية وبحلول أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي بدأن العمل كسكرتيرات لشركات دولية في كلكتا.
بحلول عام 1947 ربما كانت ربع النساء اليهوديات في كلكتا نشيطات في الحياة الاقتصادية والمهنية على الرغم من بعض الحواجز الأبوية والأجتماعية المرتفعة ، فإن العديد من نساء البغداديات ، مثل سولوشانا (روبي مايرز) (1907-1983)، ورامولا ، وبراميلا (إستير فيكتوريا أبراهام) ، وروز وناديرا (فلورنس حزقيال ، 1932-2006) ، أصبحن نجوماً في وقت مبكرفي الأفلام الهندية خاصة في فترة الفيلم الصامت.
اشتهرت نادرة بشكل خاص بأدوارها المميزة. لاحقًا، كانت ميرسيا سولومون مانسفيلد (مواليد 1916) نشطة في المسرح والتلفزيون والأفلام البريطانية.

قامت بيرل بادامسي (1930-2000)، ابنة أم يهودية بغدادية ووالد مسيحي بالترويج لـ "المسرح الإنجليزي" في بومباي. أعادت إنتاج سلسلة برودواي الناجحة باستخدام المواهب الهندية المحلية. كما قامت بالإخراج والتمثيل والإنتاج للمسرح والمدارس والمنظمات. تزوجت بيرل أولاً من هندوسي بنغالي، ثم من شخصية مسلمة معروفة، وكان جزءًا من كل عرض مسرحي إنجليزي يخصص لجمع الأموال للأعمال الخيرية كما أنشأت مركزًا ناجحًا لإعادة تأهيل مدمني المخدرات.
كانت هناك طرق أخرى لخدمة المجتمع. ولدت سمحة (1889-1982) في بغداد. تم إرسال هذه المرأة الأمية إلى بومباي كزوجة في زواج تم ترتبه عائلياً. اتضح أن زوج سمحة مقامر وسكير تركها عندما أنجبت ابنتهما. رفضت سمحة النفقة الزوجية و انطلقت بمفردها، ورسخت نفسها كطاهية معجنات بغدادية، وتخصصت في الخبز في فرن طيني، وكانت تبيع معجنات خفيفة محشوة بالجبن، والتمر والجوز، وصنع جبنة الفيتا. تحمل البضائع في سلة على رأسها، وكانت تبيع سمحة خبزها لمعظم الأسر البغدادية في بومباي من الخمسينيات إلى السبعينيات. ساعدت ابنتها على الهجرة إلى لندن حيث انضمت إليها لاحقًا، واستمرت في بيع الخبز لعائلات بغدادية في لندن .
يمكن الإشارة بإيجاز فقط إلى نساء كلكتا البغداديات اللاتي حصلن على التقدير بعد مغادرة الهند. ارتقت إيريس موريس فيريس (1910-1970) إلى منصب السكرتير العام في مقر حركة المرشدات بلندن. رينا عيني (مواليد 1965) مثلت إنجلترا في التنس في أولمبياد 1984 سالي ماير لويس كانت أستاذة علم الأحياء في الولايات المتحدة. جايل سيليمان ومايسي ماير أكاديميان يكتبان عن البغداديين في الهند وشنغهاي .
مع مرور الوقت، لا شك أن أحفاد هؤلاء اليهود البغداديين سوف يتركون بصماتهم في مجموعة متنوعة من المجالات كما فعل أسلافهم.

المقال من أرشيف نساء يهوديات يخص السيدة (تمار مارج جباي) المولودة في بغداد، العراق لعائلة يهودية ملتزمة هاجرت إلى إسرائيل عام 1951. و في عام 1958 تزوجت من يهودي بغدادي من الهند وانتقلت إلى بومباي ، حيث تعيش منذ ذلك الحين. شاركت في جميع جوانب أنشطة الجالية اليهودية هناك أثناء عملها في شركة طباعة تعود ملكيتها للعائلة ،عملت مع (جوان روث) من نيويورك وهي رئيسة وأستاذة التاريخ بجامعة في مدينة نيويورك حصلت على درجة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا. بدأت دراستها عن يهود الهند عندما كانت في زمالة فولبرايت للهند في 1977-1978 ونشرت كتاب يهود في الهند البريطانية.


الصورة الأولى تظهر فيها (ريم سيسوديا) البغدادية اليهودية التي درست وأدت رقصة كاثاك (الكلاسيكية) الهندية وهي واحدة من الأشكال الثمانية الرئيسية للرقص الهندي الكلاسيكي. التقطت هذه الصورة في بومباي المصور: جوان روث

الصورة الأولى للسيدة بيرل بادامسي