أكمل الاستاذ هشام منير (1930) واتم تسعين سنة من عمره المديد في شباط الحالي، وهي مناسبة تستدعي اولا ابداء التهنئة بعيد ميلاده الميمون، وتاليا، تتيح النظر، مرة اخرى، في منجزه المعماري الثر الذي ابدعه طيلة هذة الفترة الطويلة، وهو منجز جدير يالدرس والاهتمام، لجهة اهمية المعمار العراقي المعروف كاحد رواد العمارة العراقية وواحد من مبدعيها الحقيقين الذين كرسوا حداثتها في المشهد وفي الخطاب. ولئن كتبت شخصيا سابقا دراسة عن منجز عمارة مكتب هشام منير وعنونته بـ "مهنية المنجز ..وحداثته" (والتى سنعود مرارا اليها هنا في هذة الكلمة المختصرة)، فاني الان اقف مليا عند "اهمية" ذلك المنجز وقيمته العالية، ونحن نحتفي بتسعينته متمنين له العمر المديد والصحة التامة المصحوبة بالعافية.
ولد الاستاذ هشام منير ببغداد في 11 شباط 1930، وحصل على تعليمه المعماري الاولى: بكالوريوس عمارة، من جامعة تكساس في هيوستن بامريكا سنة 1953 (بعد ان قضى قبلها سنة تحضيرية بالجامعة الامريكية في بيروت). ثم حصل على شهادة الماجستير في العمارة من جامعة جنوب كاليفورنيا، في لوس انجلوس عام 1956، وعاد الى بلده العراق سنة 1957، واشترك اولا مع معماريين اخرين في مكاتب استشارية، قبل ان يؤسس مع زملاء له مكتبا استشاريا باسم" هشام منير ومشاركوه" سنة 1959. ويعد الاستاذ منير، اضافة لعمله المهني الواسع، احد ثلاثة معماريين اسسوا عام 1959، اول مدرسة معمارية بالعراق، وهو "القسم المعماري" في كلية الهندسة بجامعة بغداد. وقد رأس القسم من سنة 1968 وحتى 1972، بعد ان كان يشغل سكرتيرا علميا للقسم منذ تأسيسه عام 1959 ولحين 1967. واثناء نشاطه التدريسي الذي امتد لعقود منذ تأسيس القسم والى بدايات التسعينات اشترك هشام منير في المهام التدريسية وتم تأهيل مئات الطالبات والطلاب المعماريين على يديه سواء في مراحل الدراسات الاولية او العليا. ويعود له الفضل في صياغة المنهاج التدريسي الذي اعتمد على منهاج تكاملي في إسلوب التدريس المعماري مستندة على ربط التصميم المعماري ونظرياته، مع ضرورة تعرض الطالب لمعارف في الشأن الانشائي والتصميم الداخلي وتصميم الفضاءات الخارجية، والاخذ في نظر الاعتبار بناحية الخدمات والتعرف على دروس ممارسة وادارة المهنة المعمارية. وفي خاصية هذا الاسلوب التدريسي، تحديداً، كمنت اهمية "الدرس" التعليمي الذي رسخه المعمار منير، في "مدرسة بغداد" المعمارية، واكسبها طابع تعليمي خاص ميزها عن المدارس المعمارية الاخرى سواء تلك التى افتتحت لاحقا في البلاد، ام في مدارس الاقليم المجاور.
لا نأتي بجديد اذا اشرنا بان المقاربة الحداثية، كانت تمثل النهج الاساسي لمكتب "هشام منير ومشاركوه". وهذة الحداثة بلغتها التصميمية المميزة، واتقان تفاصيلها المدروسة بعناية، وتبني الجانب الوظيفي في الحلول التكوينية – الفضائية للمشاريع المصممة، والنزوع نحو التعاطي مع مواد انشائية حديثة او مصنعة، بالاضافة الى ادخال انظمة إنشائية متقدمة في الهيكل البنائي لتلك المشاريع، مع الاهتمام بحضور واسع للخدمات الهندسية المتقدمة في التصاميم المعدة، فضلا على التوق الشديد بان تكون نماذج العمارة المنتجة في المكتب متساوقة بعمارتها وجودتها مع خيرة الامثلة المعمارية العالمية، كل هذا اكسب التصاميم المنتجة في المكتب طابعا متفردا وخاصا. وبدت النماذج التصميمية المنفذة علي سبيل المثال لا الحصر، كمبنى "ديوان الاوقاف" (1961) في العيواضية ببغداد، ومبنى "الرواف" (1962) على شارع ابي نؤاس ببغداد، ومبنى "نقابة المهندسين" (1965) في المنصور ببغداد، وكذلك مبنى "غرفة تجارة بغداد" (1966)، في محلة رأس القرية على شارع النهر، ومبنى المصرف الصناعي في السنك (1966)، وكذلك مبنى"اعادة التأمين" (الذي شغلته طويلا وزارة التجارة) (1966) على ساحة الخلاني بالسنك، ومبنى "مديرية الشرطة العامة" (الذي تشغله الآن وزارة الداخلية) (1974)، بالقرب من ملعب الشعب الدولي ببغداد، ومبنى "امانة بغداد" (1978) في العوينة ومبنى "منير" (1980) على شارع طه بنجيب باشا وغير ذلك من المباني ذات اللغة المعمارية اللافتة، الحافلة بالنهج الحداثي، غالبيتها التى أعتبرت من المشاهد المميزة في المشهد المعماري بالعاصمة العراقية. ناهيك عن مثيلاتها التى صممت بالمكتب، ونفذت في مناطق مختلفة من العراق وخارجه، مثرية بذلك شواهد البيئة المبنية في المدن العديدة التى صممت لاجلها. وتبقى نوعية الممارسة التصميمية التى افضت لظهور تلك النماذج المعمارية التى اشرنا اليها توا وغيرها الكثير ، الذي لم نستطع الاشارة اليه كاملا لمحدودية سعة هذا المقال، تبقى نوعية تلك الممارسة من اهم سمات المكتب وخصوصيته، التى قدر لنا الاشارة الى "اهميتها" وقيمتها المعمارية. انها، وكما اشرت يوما عنها، "استطاعت ان تجترح صوتاً مميزاً، غب تأسيس المكتب في نهاية الخمسينات، وأن يظل هذا الصوت ممتلكاً فرادته التصميمية ضمن المنجز المعماري العراقي المحتدم وقتذاك بالاصوات المتنوعّة والمقاربات التصميمية المختلفة، وأن يؤسس له منزلة، جعلته لان يكون واحداً من اهم المكاتب الاستشارية في الستينات والسبعينات وحتى بداية التسعينات عندما تم غلق المكتب". في دراستي السابقة، اياها عن مكتب هشام منير، التى نشرتها سنة 2011 (و أُعيد نشرها في كتابي "فعل العمارة..ونصها" (المدى/ بيروت، 2013)، اشرت الى نوع من ممارسة قام به المكتب الاستشاري، ووجدتها على درجة عالية من الأهمية. عندما كتبت "ثمة معالم محددة اتسمت بها عمارة مكتب هشام منير، ..تمثلت في اصطفاء اساليب جديدة تنظم إجراءات العمل المكتبي، المعني اساساً في إنجاز المنتج المعماري"، وحول هذة النقطة تحديدا، اشرت في ذات الدراسة من ان " نظام <فريق العمل الجماعي> Teamwork ، وهو نظام يفتح المجال واسعا امام الموهوبين من اعضاء المكتب، وأصحاب الافكار النيرة فيه للتقدم بسهولة في اجراءات تحقيق تصاميمهم واقعياً". سعى هشام منير وراء تطبيق هذا التقليد في مكتبه البغدادي مع زملاءه العاملين الآخرين....وقد عملت منظومة "فريق العمل الجماعي"، وما انطوت عليه من اجراءات النقد، والتقييم، والتطوير، وإعادة التصميم للمشاريع المعدة من قبل مصممي المكتب، عملت عملها في تحقيق منتج معماري على قدر كبير من المهنية والنضوج التصميمي. لقد مر على مكتب هشام منير ، في ذلك الحين، كثر من المعماريين. واتاح المكتب لهم، فرص مواتية لتحقيق آمالهم وبلوغ ما كانوا يتمنونه بفضل عمل هذة المنظومة، التى لم تكن تقاليدها دائما مجال قبول او رواج كبير في الممارسات المهنية العراقية، على عكس تلك الممارسة، التى انطوت على حضور "المعلّم/ الميتر" التى لاقت هوى، من بعض المعماريين التائقين لتكريس اسمائهم في المشهد، حتى ولو بطرق بدت وكأنها تنزع الى نوع من التباهي" (ص.33 من الكتاب). وفي ظني، ان ترويج المكتب لهذة المنظومة في الممارسة التصميمية كرست من سمات مكتب "هشام منير ومشاركوه"، ومنحته "اهمية" خاصة.
لا يمكن، ونحن نستعرض، ولو باختصار، وبمناسبة تسعينية المعمار الرائد، مكانة المكتب ومنجزه المعماري، الى ما اولى من اهمية وأعتبار كبيرين للانفتاح نحو العالمية والتوق لايجاد صلات مهنية مع خيرة المكاتب الاستشارية العالمية. ولعل تعاون المكتب مع "مكتب تاك" TAC "المعماريون المتضامنون" الذي اسسه المعمار العالمي الرائد "فالتر غروبيوس" (1883 – 1969) Walter Gropius ومشاركته في اعمال عديدة، بضمنها التعاون الطويل والمثمر في اعداد تصاميم جامعة بغداد (1959 – 1962) وغيرها من المشاريع المهمة، يعد لحظة لافتة في غاية الاهمية سواء للمكتب ذاته او لعموم المارسة المهنية العراقية. ويعتبر هذا الحدث المهني التعاوني عملا استشاريا رائدا عزز من مكانة المكتب محليا واقليميا. واذ يفتخر المكتب ومعماريوه بانهم ساهموا في ترسيخ مثل هذة الحالة في المشهد المهني المحلي وجعلوا من الاستشاري العراقي صنوا مكافئا لخيرة الاسماء المعمارية في المجال الدولي، فان ذلك يحسب لمكتب هشام منير ومشاركوه، ويبن مقدار اهميته كمكتب هندسي مرموق وذي شأن.
نعلم ان الاستاذ هشام منير يعكف الان على كتابة سيرته المهنية، وهو بالتأكيد سوف يتناول تاريخ تلك المشاريع المتنوعة وقيمتها المهنية واهميتها المعمارية، التى انتجها المكتب ومعماريوه ومهندسوه طيلة عقود من العمل الاستشاري المميز الذي اسهم في الاخير في "صنع" كثر من الشواهد المبنية التى كانت وستبقى مجال احترام وحب وتقدير كثر من العراقيين المحبين لمدنهم ، والفخوريين بشواهد بيئتها المبنية اللافتة وبلغة عماراتها المدهشة. ونأمل ان يكون ذلك الكتاب / السيرة بعد نشره، "درساً" اضافياً آخرا من دروس هذا المعمار الرائد وسجلا مكتوبا متاح للكثيرين للتعلم والتعريف بما انجز، سواء كانوا معماريين او طلاب مدارس معمارية، او مثقفين معنيين في الشأن الثقافي والحضاري لبلدهم العراق.
العمر المديد لمعمارنا الرائد والتهاني المخلصة لتسعينيته!□□

معمار وأكاديمي
الصور:
1- هشام منير مع المعمار فالتر غروبيوس وآخرين بموقع جامعة بغداد (1960).
2- مبنى ديوان الاوقاف (1961)، العيواضية، بغداد، المعمار هشام منير ومشاركوه.
3-عمارة الرواف (1962)، شارع ابي نؤاس ، بغداد. المعمار هشام منير ومشاركوه،
4- غرفة تجارة بغداد، (1965) رأس القرية شارع النهر، المعمار هشام منير ومشاركوه.
5- مبنى "امانة بغداد" (1978)، العوينة، بغداد، المعمار هشام منير ومشاركوه.
6- عمارة "منير" (1980)، شارع طه، نجيب باشا، بغداد، المعمار هشام منير ومشاركوه.