حداثة النص وإبراز أدب الذاكرة الموريتاني

الناشر محمد الشرقاوي


صدر عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع _2021_ أولى الاصدارات الأدبية للدكتورة مكفولة أقاط تحت عنوان "مذكرات امرأة قارئة"، يأتي هذا الكتاب بحداثته الأدبية ومضمونه المتفرد عن غيره من الكتب الأدبية المعهودة اضافة إلى المكتبة العربية عامة والموريتانية خاصة ، اعتاد القارىء العربي على جناسات أدبية مثل الرواية و الشعر والقصة، المحتوى التاريخي/ السياسي/ الاقتصادي ..الخ
بينما كتاب الوزيرة الموريتانية السابقة تجاوز سقف الرتابة الأدبية واستطاع أن يقلب معادلة القارىء والمؤلف فأصبح المؤلف هنا محور الكتابة والقارىء هو الصانع لها .
وهنا جديد أقاط التي عنونت بمؤلفتها محتوى يختلف عن السير الذاتية الخاصة بتفاصيل الحياة للمؤلف وقفزت بمذكراتها إلى خليط عجائبي يمزج تجربة القارىء بالكتاب بسلاسة وعمق ونقد أدبي متميز.
هذه النقلة الأدبية التي بدأت بها الدكتور المثقفة السياسية مكفولة توحي بما لا يترك مجالا للشك بأن الابداع النسوي الموريتاني ما زال يحمل الكثير من المفاجآت الثقافية الإبداعية ، لم تكتفي أقاط بعمل كتاب من 360 صفحة و28 عنواناً كأولى تجاربها الأدبية بل أحدثت تغييراً عصرياً يتماهى مع ذائقة القارىء الحديث بأن جعلته لأول مرة الحاكم بإسهاب على تجربة القراءة من خلال تجربتها الخاصة ومنظورها البديع لما وراء السطور في بعض ما تناولته من "قراءة" منذ نعومة أظافرها ، جسدت اقاط من خلال سطورها المعنى الحقيقي للمرأة الموريتانية العربية الجادة في تطوير إنسانيتها وثقافتها وسياستها وعلمها لتترك ارثاً يتناوله الأجيال اللاحقة بين يديه ويؤكد على تفرد وتميز المرأة في التعاطي مع جميع نواحي حياتها العملية والثقافية والشخصية وهنا حرصت الدكتور اقاط على أن تترك بصمة واضحة لما أحدثته القراءة على نضوجها الفكري والنفسي مما يدفع القارىء للبحث عن تلك العناوين التي افردتها في فصولها الثمانية والعشرين، وتدفعه ليصاب بعدوى مستحبة من نهم القراءة الذي وصفته الأديبة الصاعدة اقاط "بالمرض" اشارة إلى حبها ونهمها للقراءة وادمانها عليها في حياتها .
تتميز حياة المرأة الموريتانية بالتحديات الكثيرة التي من شأنها أن تؤخر وصولها الى سدة الحلم لكن الوقوف أمام الصعوبات لم يكن خياراً للدكتورة اقاط بل كان تحدياً بذاته دفعها لأن تستمر دون الالتفات إلى المشكلات التي ما زالت تؤخر النساء الموريتانيات عن التقدم علماً أن الحياة السياسية سمحت لهن بتقلد مناصب سياسية هامة كما فعلت أقاط في توليها منصب مستشارة لدى الوزير الأول مكلفة بقضايا المرأة و شغلت منصب وزيرة مكلفة في المغرب العربي .
مذكرات امرأة قارئة ليس سرداً وحشواً لما قرأته أقاط وليس استعراضاً لقدراتها النقدية أو التلخيصية بل هو أقرب إلى ابحار نحو المعرفة وما تحدثه في أنفس القراء ، حيث حرصت اقاط على ابراز المنفعة التي حققتها تلك العناوين المتواضعة في كتابها الذي تنوع بين الرواية والادب الانساني والعولمة والشعر والأدب العالمي الذي يدفع القارىء لقراءة ما تحدثت عنه بطريقتها الفكرية البديعة .
تجربة القراءة ليست ببعيدة عن الكتابة بل هي أم الكتابة وديدينها فتلك الثروات الفكرية التي يضعها الكتاب بين أيدي القراء ستنجب فكراً لامعاً وثقافة براقة وهو لسان حال دكتورة اقاط ، لم تذكر أقاط تفاصيل عن حياتها الشخصية أو مراحل طفولتها واختصرتها ببضعة أسطر استعانت بها كمدخل للحديث عن تجربتها بحب القراءة وهو ما يشي بالرسالة التي دأبت على ايصالها للقراء بأن الحياة كما تراها تشكلت من خلال تلك الحروف التي تجرعتها منذ الصغر وجعلتها على ما هي عليه اليوم من علم وثقافة ومعرفة وانسانية ونجاح ..
"مذكرات امرأة قارئة" كتاب يسافر في أعماق التجربة القرائية بمتعة وسلاسة ويعكف على تلخيص المعرفة والفائدة بطريقة أدبية لائقة ابتدعتها الأديبة الصاعدة الدكتورة مكفولة اقاط .
الدكتورة أقاط المؤلفة التي تمكنت من جمع الكتب وكتابة سيرّها مؤكداً استطاعت أن تنقل السير الذاتية/ المذكرات إلى مرحلة جديدة عصرية أنيقة بهذا الكتاب، كتاب يحتوي الكثير من المفاجآت يحتوي على ثراء فكري في المجتمع الموريتاني وتنوع اجتماعي ومطالبة المراة الموريتانية بالندية الفكرية والمهنية في مجتمعها، كتاب يستحق القراءة ويقرء بعمق ومتعة.
مقدمة الكاتبة
منذ أن كنت طفلة تصنع الدمى من الطين؛ على حافة قرية تمنع تعليم البنات، مروراً بالزواج والأمومة المبكريين. وصعوداً إلى أدوار النشاط السياسي مع الحركات الإسلامية والقومية داخل البلد وخارجها؛ مع تجارب متعددة كالمنافسة والإنفصال والإقالة والبطالة!!. وتدرجاً في الوظائف العامة، وتذوق حالات الفقر بعد الإغتناء، وصولاً إلى مرتبة أستاذة جامعية، ووزيرة في حقبتين مختلفتين، وسيدة مجتمع، وصانعة رأي، وداعية للسلام والحوار، كأرقى وسيلة لتغيير المفاهيم والخروج من قولبة الذات.
تلك هي ملامح السيرة التي أضعها بين يدي القارئ الكريم بطريقة غير تقليدية، وبعيدة عن المحسنات سواء كانت لغوية أو بديعية، معوضة ذلك باللجوء لملخصات قد تكون مفيدة من كتب بعضها من ذاكرتي، وبعضها استعنت عليه بقراءات متفرقة، راجية أن تكون تلك الملخصات تذكيراً لمن قرأ تلك الكتب، أو إنارة للقراء في معرفتها وهي التي أدين لها بما أنا عليه اليوم لاعتقادي أنه كلما زاد وعي الإنسان ومعرفته استطاع أن يخرج من الأطر والقيود التي ألفها، والتي رسخها الإعلاميون والساسة والوعاظ....إلخ. فكل أولئك يسعون إلى قيادتك إلى ما يريدونه هم لا ما تريده أنت، والقراءة وحدها هي التي توفر لك الحماية من كل ذلك، لأنها مدخل التفكر والتدبر والفعالية الخلاقة الأكثر إنسانية بين كل الفعاليات الأخرى، والقراءة هي التي تحولنا من دور المفعول به لدور الفاعل. وذلك «أن فن القراءة في أوسع معانيه يميز نوعنا الإنساني»، كما يقول الكاتب البرتو مانغويل.
ولكل ذلك اخترت أن تكون مذكراتي عن القراءة وعلاقتي بها، وقد ورد هذا الكتاب في 360 صفحة و28 عنواناً، كل عنوان هو فقرة منفصلة ومتداخلة في نفس الوقت، تتناول تجارب مختلفة من حياتي الشخصية ومتعلقة في الوقت نفسه بقراءاتي و ظروف تلك القراءات.
اشاد مفكرون وأدباء كبار مثل المفكر رضوان السيد، والدكتور محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة العربي الشهيرة سابقا والدكتور ناجي محمد الإمام والسفير الشاعر محمد ولد الطالب بالكتاب الجديد.
وكتب الشاعر د. ناجي محمد الإمام تحت عنوان "قراءات أنثَى متمردة مترفة" ما يلي: "تمسك تلابيبك بلطافة صارمة إلى سينزالا برازيلية أو ارجنتينية ، لا يهم، تنبعث من مدخنتها روائح التبغ الاميريندي الثورى الأسطورية
يذكر أن الدكتورة اقاط أستاذة جامعية وسياسية تولت العديد من المناصب الحكومية بينها منصب وزارة والأمانة العام للمنظمة الموريتانية للتربية والثقافة والعلوم، كما تتولى حاليا منصب مدير مركز المحيط للدراسات.