هو ديوان شعري تجلله واحد وعشرون قصيدة كُتبت ما بين سنوات متباعدة، حسب ما يبين عنه حرص الكاتب على تبيانه عند نهاية كل قصيدة بتأريخها. حرص مزدوج في الحقيقة، لأنه يذيل كل نص شعري بمكان كتابته أيضا، وهذه الأمكنة هي أزيلال، الدار البيضاء، باريس، مدريد، بوردو، الجزيرة الخضراء... وبالتالي يلاحظ بأنها متلازمة مع زمن معين ومكان أكثر تعيينا. لكن بعد هذا كله، حرص الكاتب الشاعر على تقديم ديوانه هذا بورقة ارتأى أن تكون حجة وبرهانا ما على وضعية كتابة القصائد هاته. يقول فيها :" كتبت قصائد هذا الديوان على أوراق ملساء، تلك التي تغطي الطاولات، في المقاهي، ليلا. كتبت عند حلول المساء. لم تكتب نهارا [....] هي قصائد الليل. [...] كتبت بأصابع مرتعشة، بسرعة وحالما تتجلى، في ليالي التيه المنعزلة". وهكذا نلاحظ تعيينا شعريا يود أن لا يبتعد فقط عن الزمان والمكان، بل عن الوازع والسبب الذي يدفع إلى النظم، كما فرضته بجلاء الحداثة الشعرية منذ انطلاقها على يد شارل بودلير. هذا الأخير الذي تنفلت بعض عوالم رموز كتابته، من نص إلى آخر. فليس هنا سوى المدينة والشارع والرواد، وليس غير مقتطفات مثل الشذرات الفصيحة، تتعالق فيها الذات مع مرآتها التي تحملها أينما حلت، وكل المرايا العاكسة للأعماق المتوارية، عند كل طوار أو عند كل منعرج شعوري يتلقفها.
تتصدر الديوان قصيدتان طويلتان منبنيتان على إيقاع تسلسل عمودي يفترض قراءة بذات الشكل العمودي المسترسل، ثم تليها قصائد مختلفة الطول تبدو مثل بوح إشراقي يحاور فيها الجسد العالم عن طريق العين أولا، قبل أن تتوقف اليد الكاتبة لتكرس الشعور، وما ترسخ بعد المشاهدة. نقتطف من قصيدة "نعال في الرأس" ما يلي :" يتوقف العالم بالقرب من واجهتي / يشبه/ ساعات دالي المتمططة / هناك التفتت الوديع / والظلال التي تنبض/ حين المساء يدثرني / بالجنون".
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإصدار هو الإصدار الشعري الثاني لمبارك حسني، عبر ديوان أول كان نشره سنة 2006 تحت عنوان "رشفات شعرية" عن منشورات الألف شاعر بكندا. وكما هو معروف، فالكاتب قاص له مجموعات قصصية عديدة، كما ينشر باستمرار مقالات ونصوصا في مجال التشكيل والسينما.
الديوان الجديد صادر عن منشورات جامعة المبدعين المغاربة، بالدار البيضاء.