إيلاف من الرباط: أجمع مشاركون في منتدى "شعر الأطفال في المغرب: نصوص وشهادات"، الذي نظمته دار الشعر بمراكش، أخيرا، ضمن سلسلة ندواتها المخصصة للموسم الرابع، على ضرورة الاهتمام بالكتابات الموجهة للطفل في النسيج الثقافي والفني المغربي.
وقال بيان لـلدار، تلقت "إيلاف المغرب" نسخة منه، إن الندوة تشكل لحظة معرفية أخرى فعلية تنضاف لاستراتيجيتها التي اختارت منذ 2017، أن "تترجم إرادتها المتواضعة، في الارتباط بالأسئلة المركزية للخطاب الشعري المغرب، والإنصات الفعلي للنسيج المتعدد والمركب للهوية الشعرية المغربية، ولشجرة الشعر المغربي الوارفة والمتعددة. تجارب من كل الأجيال والحساسيات والأصوات، بروادها وراهنها وبأصوات شبابها، بشعرائها ونقادها، وعيا بالظرفية الراهنة اليوم".
وبخصوص اللقاء الذي خصص لشعر الأطفال في المغرب، أوضح البيان أنه "رغم حداثة وجدة التجربة الشعرية الموجهة للطفل، فإن خصوصية النص الشعري يفترض وعيا حادا بهذه الفئة العمرية، وحاجياتها النفسية والمعرفية، وخصوصية النص البنائية والمعرفية وحواريته مع أجناس تعبيرية من مجالات متعددة".
وشهد اللقاء مشاركة الشاعر مصطفى ملح، والمتوج بجائزة المغرب للكتاب، صنف الشعر (2019- مناصفة)، والشاعر الطاهر لكنيزي، المتوج بجائزة المصطفى عزوز العربية لأدب الطفل، والمؤطرة والكاتبة كريمة دلياس التي راكمت تجربة مهمة في عوالم الكتابة والتأطير في هذا المجال.
وتوقف المشاركون، في هذا اللقاء، عند سمات التجربة المغربية، من خلال نماذج الرواد والتجارب الحديثة، والتي أفرزت منجزا متواضعا يحتاج لمزيد من الاجتهاد والتخصيص، كما قدموا شهادات حول علاقة الكتابة الشعرية بالطفل، مع قراءة نصوص شعرية للأطفال، وفتح حوار حول سمات "شعر الأطفال في المغرب" وخصوصية النص الشعري الموجه للطفل.
وأجمع المتدخلون على خصوصية الندوة التي تلامس الموضوعات والتيمات الجوهرية الآنية لقضايا الشعر المغربي اليوم.
وأكدت دلياس على مركزية حضور الحكاية في حياة الطفل، ومنها برز دور ووظيفة الأدب الموجه إلى الطفل، لتخلص، عبر تقصي لنماذج تطبيقية ومشاهدات وتجارب شخصية، إلى أن التجربة المغربية مازالت فتية في هذا المجال. وبالقدر الذي ترى أن الطفل ميال الى النص الحكائي، والمعروض أمامه قرائيا، عبر وسائط "شخصيات حيوانية" أو عبر تفاعل الألوان، فإن النص الشعري يظل مهما غير أنه لا يمثل أولوية بالنسبة للطفل، خصوصا لدى فئات عمرية تحديدا. فيما ينضاف إلى هذا المعطى، توجه دور النشر، المتخصصة على قلتها، إلى التدخل في توجيه النص الخاص بالطفل.

ملصق ندوات شعر الاطفال في المغرب

من جهته، أكد لكنيزي، الذي شكل عالم التربية والتعليم بوابته الفعلية للانتقال إلى كتابة النص الشعري للأطفال، على "سلطة النص" وحضوره القوي في توجيه الطفل، مستحضرا التأثير السلبي للصورة والوسائط الأخرى، في نسج العلاقة التربوية في علاقة الطفل بالنص الإبداعي الشعري، مع إصراره على ضرورة ربط الطفل به أولا وأخيرا.
وأثار ملح، الذي راكم تجربة مهمة في إصدارات شعرية موجهة للطفل، علاقة الكتابة بالطفل لكن من خلال إرادة واعية في اختياره أن يتمثل طفولته؛ إذ مازالت خيالات وعوالم الطفولة حاضرة، وهو ما يؤشر على ضرورة الخروج من "تعالي الكاتب الكبير" والذي يوجه كلامه "للطفل".
وبدأت تجربة ملح الشعرية للأطفال قبل عقدين، في تجربة تماس مع الأطفال في مؤسسات تربوية، وهو ما جعله يبحث عن التخلص، فيما وسمه، بـ"البلاغة التقليدية" من النص الشعري والـ"مساحيق الاستعارية". في سعي إلى كتابة نص شعري يستجيب لذائقته الخاصة، ينطلق من اليومي ليشكل نقطة ضوء قريبة من وجدان الطفل. وهو يرى أن الكتابة للطفل صعبة، لأنها موجهة لفئات عمرية ذات ميولات مركبة وخيالات أكثر اتساعا، كتابة مطالبة بمراعاة طموحات الطفل.
واختار الشعراء المشاركون أن يقدموا نصوصهم الشعرية والإبداعية، خلال هذا اللقاء، من منجزهم وإصداراتهم الموجهة للطفل.
وبخصوص خصائص الكتابة الشعرية الموجهة للطفل، تم التوقف عند "بنية النص الشكلية أو (المورفولوجية)، أي البناء الخارجي للنص، من حيث حجم النص الأدبي وكميته، والخصائص والأهداف الموجهة (من قبيل الهدف اللغوي، التعليمي، والتربوي، الاخلاقي والسلوكي والاجتماعي، الفني والجمالي الملائم للمراحل العمرية للطفل). فيما يمكن إجمال هذه الخصائص في ضرورة تبسيط المستجدات المعرفية، الابتعاد عن التعقيد اللغوي، والفني والبلاغي، وإغراق الطفل بالأساطير الخرافية، والاستطرادات، وضرورة مراعاة التعبير الفني المناسب، وفقا لخصائص كل فئة عمرية.
وأشارت بعض المداخلات إلى ضرورة الانتباه لمعطى جديد يرتبط بالتغيرات والتحولات التي مست ذائقة الأطفال، وهو ما أفضى إلى مراجعة بعض المسلمات المتعلقة بالنص الإبداعي الموجه للطفل. وأيضا تغيرات لامست المفهوم نفسه لـ"أدب الطفل"، في ارتباط بأنماط التفكير التربوية الحديثة، والمستجدات المتلاحقة للوسائط التكنولوجية. فيما أمسى هذا الثراء النوعي الحديث، بموازاة الثراء اللغوي والبصري، يطرح نفسه، بحسب بيان الدار، على "أي نص (شعري أو حكائي) يلائم أطفالنا اليوم"؟
وختم البيان بالحديث عن التجربة المغربية، في مجال أدب الطفل، مشيرا إلى أنها انطلقت مبكرا منذ مطلع القرن الماضي. وزاد أن مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي تشكل البداية الفعلية لحضور أدب الطفل في المشهد الثقافي المغربي، مع ظهور جرائد تهتم بأدب الطفل، ومجلات متخصصة، إلى جانب ظهور أسماء رائدة، خصوصا في كتابة القصة الموجهة للأطفال، كالعربي بنجلون وأحمد عبدالسلام البقالي ومصطفى رسام وعبد الفتاح الأزرق ومحمد الصباغ ومحمد سعيد سوسان ومحمد إبراهيم بوعلو. لتشكل المراحل الأولى للاستقلال، النواة التأسيسية والتأصيلية للاهتمام بأدب الطفل في المغرب، حيث سيتحول إلى مراحل سعت إلى الانتقال من مرحلة الظهور إلى مرحلة التطور التي شهدت وعيا بخصوصية الطفل، انتهاء بالمرحلة الحديثة الأخيرة مع دور نشر متخصصة، تقودها كاتبات مغربيات، هن أنفسهن اخترن الكتابة للطفل، إلى جانب ظهور خطاب أكاديمي نقدي حول هذا الأدب.