الحب الذي قيل ويقال عنه الکثير وجرى وصفه بشتى الاشکال، حقيقة دامغة لايمکن إنکارها وإن من يصرخ عاليا بأن الحب مجرد وهم لاوجود له، فالمشکلة فيه وليس في الحب تماما کما يقول الشاعر المصري المبدع مرسي جميل عزيز في قصيدة"سيرة الحب" التي غنتها سيدة الطرب العربي أم کلثوم:
ياللي ظلمتوا الحب وقلتوا وعدتوا عليه قلتوا عليه مش عارف إيه
العيب فيكم يا في حبايبكم أما الحب ياروحي عليه
ولاريب من إن قصص الحب عند الشعوب والتي وصلت الکثير منها الى مصاف الاساطير، لم تکن وليدة حالات وهمية وعبثية بل إنها حقيقة ناطقة تنتقل عبر الاجيال ولانهاية لها إلا بنهاية الانسان ذاته.
أجمل الشعر أکذبه، هکذا قيل عن الشعر وحقا يجب أن يکون کذلك لأن الشعر أساسا حالة تعبيرية تجنح بالانسان في عوالم يجب أن يخلقها بنفسه وتأخذ به بعيدا عن کل الحدود والعوالم التقليدية بما فيها عالم الجن وحتى عوالم الاساطير وتجعله قبالة أمور لايمکن إدراکها أو أن يصل لها ولو عمل المستحيل، وبنفس السياق فإن أصدق أنواع الحب والذي يمکن أن يعبر عنه بالصورة التي تليق به، هو الحب المستحيل، أي الحب الذي لايمکن أبدا تحقيقه وفي نفس الوقت لايمکن أيضا إنهائه وإطفاء جذوته.
ماهو الحب المستحيل؟ هو هل أن تحب من لايمکن أن تدرکه وتصل إليه کأن تحب ملکة أو أميرة في قصر لن تدخله مهما سعيت أم إنه تهوى من قد أصبح محرما عليك الى يوم القيامة أو أن تعشق ليس من تکرهك فقط بل وتزدريك وجها لوجه أو أن تحب صورة وحالة خلقتها في خيالك وتسعى من أجل أن تجدها على أرض الواقع، أو حتى أن تعشق جنية أو سلطانة للجن رأيتها في المنام وأخذت بلبك وصرت تنتظر أن تأتي ذات يوم فتأخذك بعيدا عن عالمك التعيس هذا وتجعلك تعيش أجواءا لم تخطر على بالك أبدا بل إن مأمون الشناوي قد قدم أفضل وصف للحب المستحيل الذي نحن بصدده عندما قال في قصيدة"بنادي عليك" التي غناها ملك العود فريد الاطرش: "والحب من غير أمل أسمى معاني الغرام" ذلك إن الحب المستحيل هو إستحالة الوصال مع المعشوق.

عالم الاحلام الذي يصعب في کثير من الحيان إيجاد تفاسير لما يراه الانسان وهو يغط في نومه، لکن هناك ثمة تفاسير لبعض الاحلام التي هي بمثابة إشراقات للإنسان تنبأه بأمر ما في مستقبله سواءا کان حلوا أم مرا، لکن هذا العالم يتخذه الشعراء بسياق مغاير تماما لما هو سائد فيه بالصورة والمعنى التقليدي، فهم يتجاوزون کل ماهو منطقي ومعروف وحتى کل القوانين لکي يصلوا الى قناعة ما بشأن أن الرٶى المتعلقة بالحب حالات وإن کان تفسيرها غير منطقيا بيد إنها غير قابلة للحدوث في الواقع إطلاقا رغم إن البعض من هذه الاحلام هي رذاذ من الواقع نفسه يتم بعثرته في عالم الاحلام.
المعشوق لن ينال هذه الصفة إلا إذا کان جديرا بها، وإن الحصري القيرواني عندما يقول وهو يصف لوعته ومعاناته في کسب ود من عشقها من دون جدوى حتى يجد إن وصالها يستحيل عليه حتى في المنام، والقيرواني وإن أعلن عن إستحالة الوصال لکنه مع ذلك يتلوع أکثر فأکثر بها:
نصبت عيناي له شرکا في النوم فعز تصيده
أما مظفر النواب فإنه وفي شعر شعبي باللهجة العراقية الجنوبية يصف أيضا حالة الاستحالة في الوصول لمعشوقته عندما يضرع لها بأن تزوره ولو في الحلم ويعتبر ذلك بمثابة زيارة واقعية لها وإنها کمجئ أول أيام الربيع والابدع في وصف النوب الراقي عندما يصف برود معشوقته تجاهه کالثلج الذي لايمکن أن يشتعل بقوله:
"تعال بحلم واحسبها ألك جية وأگولن جيت وبدخول السنة بملگاگ ياثلج اللي ماوجيت"، فإن النواب بنفسه يعود لأسطرة الحب مرة أخرى والتأکيد على أن أعذبه وأرقاه أصعبه منالا عندما يقول في شعر غزلي بذات اللهجة التي أسلفنا ذکرها:
"چثير گزازگ بگلبي وأگولن هاي حنية من أتلك بالحلم ياأسمر يگع قداح بيديە"
وهو هنا يصف صد معشوقته بالزجاج المهشم في قلبه غير إنه يصف ذلك بالحنان، وهو عندما يقوم بلمسها وهزها فإن"القداح" أي زهرة البرتقال ذات الرائحة الزکية تقع بين يديه.
کوران مريواني، الشاعر الکوردي الذي يمزج کثيرا بين عوالم الخيال والواقع ويسعى من خلال وضع معادلة خلاص وإنعاش لروحه الکليمة، فهو يقوم بجمع الحب والطالع والحلم في مسار کمسار الاحداث في مسرح بريشت"الملحمي"، وذلك في قصيدة"الطالع" وهو بعد أن ترى ثمة حسناء تقرأ طالعه من خلال کفه، وتخبره:
" أحببت فتاة جميلة
عيونها تفيض بکحل الليل
وخدودها کقطر الندى
لکن يا ويلتاه سلبها طالعك!"
وفي خضم إستمرارها في قراءة طالعه تأتي عملية المزج التي ألمحنا إليها آنفا عندما يستطرد في قصيدته عندما يباغت قارئة کفه ويطالبها بأمل من الواقع يسعف روحه المثقلة بالهموم وإلا فإن حظه سيحلق ولايمکن رٶيته حتى في الاحلام:
" بخفة تمسك کفي لتقرأ طالعي
لا أيتها الحسناء الجميلة،
اقرأي کلمتين جليتين في عيوني،
وإلا فإن ملائکة حظي ستحلق بغتة وحتى لن أراها بالاحلام!"
غير إن الشاعر العراقي"طاهر سلمان" يجد في التضحية والإيثار کما سعى لذلك الشاعر المصري مأمون الشناوي من قبله، ومجرد کون المعشوقة بأمان وإطمئنان أساس ومصدر الراحة لديه ولتکن عاشقة بالاسم فقط ولتکن روحه هائمة ومتلوعة بها من طرف واحد، عندما يقول:
"أعبر على جفوني بالحلم بس کون عينك سالمە
خليك عاشگ بالاسم خل روحي بيك الهايمة"
أما محمود درويش فإنه يتناول وصال معشوقته برومانسية مدافة بالعبث والفنطازيا وإصرار على إستمرارية لاطائل من ورائها سوى أن تکون قناديل الوجد تواصل حرق الروح دون جدوى خصوصا عندما تتداعى الاحلام على بعضها بترميم لاطائل من ورائه عندما يقول:
"عيناك نافذتان على حلم لايجئ
وفي کل حلم أرمم حلما وأحلم"