عندما كنا على مقاعد الدراسة تعلم بعضنا أن لا يخرج عن السطر، فرض عليه مربيه أن لا يحلق فوقه ولا أن يسبح تحته، عليه أن يلتزم بقواعد الكتابة، وذلك الذي وضع تلك القواعد لم يفكر للحظة أنها قد تصبح طريقة للمرء ومنهجه الثابت في حياته القادمة، لم يخطر بباله أن تلك القواعد قد تكلف البعض أحلامهم وطموحاتهم التي يمتلكون مهارتها، لكن القواعد التي تفرضها العادات والتنشئة تحتم عليهم الالتزام بالخطوط الحمراء دون مساسها و الخروج عنها!
لا تخرج عن الإطار .. لا تكتب كلمة أو تترك حرفاً في غير محله، لا تترك أثراً لأخطائك، وويلك إن كنت قد التزمت بذلك وكنت من الجيل الذي يكتب بالقلم الأزرق الماسح، كيف تتحمل أخطاؤك وتقتنع بأن الكمال مستحيل والمثالية زيف طالبك به المربي، وليس الخالق الذي أوجد لعبده الغفران والتوبة، أظن بأن من كانت تلاحقه المناداة بالالتزام في القواعد قد رافقه جلد الذات في ليله، وتقلب كثيراً على عبارات اللوم والتأنيب حتى وإن لم يعرف أحداً بأمر خطأه!
ذلك التلقين يدفع ثمنه المتلقي، يحصده شعور بالذنب، وتقيده المخاوف، وتفزعه فكرة الهجوم عليه التي قد يلاقى بها وترعبه فكرة أن يرفض ممنن هم حوله، ذلك لأنه فكر خارج حدود الإطار الذي رسمه أناس قبله على مقاييس وقتهم وأحداثهم، ولم يفكروا بأن تلك الحدود قد تكون ضيقة على الجيل الذي يليهم.
كل تلك الأفكار تداعت في رأسي حين لامست ذاكرتي طفلة وابنة روحية بسؤالها لي وهي تحاول أخذ قرارها بالتلوين على الورقة مكتفية بالفراغ المتروك ومتجاهلة الرسومات التي ملأت الصفحة، فأجبتها سريعاً "لماذا تلونين خارج الرسمة؟"، لقد أضاءت في فكري تلك اللحظة أننا نضع الإجابات التي تعلمناها مجبرين قبل أن نتجه إلى ما اخترنا تعلمه، أدركت حينها أننا قد ننقل إلى أطفالنا ذات العقبات والآلام التي قد نكون ذات يوم قد أقسمنا بأننا لن نجعل أبناؤنا يعايشونها دون إدراك منا، وكأنها لم تكلفنا الكثير.
التعليقات