إيلاف من الرباط: ينظم رواق "فيلا دو لابورت" بالدار البيضاء، ما بين 15 ديسمبر الجاري و31 يناير المقبل، معرضا للفنان التشكيلي المغربي محمد عنزاوي، تحت عنوان "أصيلة الحلوة".

من أعمال الفنان محمد العنزاوي

وكتب الروائي الطاهر بن جلون، في "كاتالوغ" تقديم المعرض: "اكتشفت عمل عنزاوي في منزله بالقرب من أصيلة، ثم في محترفه الذي يتقاسمه مع فنانين آخرين بالمدينة. تأثرت بسرعة بالإيماءات والحركة التي تقدمها اللوحة. تصبح اللوحات الكبيرة مسافات يتم اجتيازها كما في الحلم من خلال العناصر الطائرة، والصور المرسومة بالكاد، والشخصيات الخارجة من ذاكرة "جياكوميتي"، والنجوم المتجولة، وحبات الرمل المتخفية في شكل زهور برية، وعلى الخصوص أملا عظيما وجميلا على الرغم من حالة القلق".


وبالنسبة لبن جلون فعنزاوي "يرسم يدويًا، بعيدًا عن العمل الفكري، أو لنقل تجريدا"، حيث أن "لوحاته ليست رمزية، حتى وإن كانت المواد المستخدمة تذكرنا بالأرض، ووجه القمر، والفضاء الذي ترجه الرياح التي تعيد الأرض الذهبية أو الملونة بالوردي في وهج يسحرنا. هناك شيء إنساني، إنسانية متواضعة، بسيطة وغنية بالمشاعر". وأضاف بن جلون: "عندما أتذكر اللوحات التي رأيتها لأول مرة بعد ظهر أحد الأيام عند غروب الشمس، أتخيل عائلة تمسك بأيديها، على قلب واحد، في مواجهة عزلة العالم". واستدرك بن جلون قائلا أن عنزاوي "أدرك هذا القلق وقام بترجمته عبر روح الدعابة والسخرية إلى درجة أن العمل يصبح مرآة تعيد إلينا صور سلام طال انتظاره. عالمه هو عالم قلق ولكنه مبتسم، سماء يمثل فيها كل نجم قصة وذكرى لقاء. وسواء كانت فتاة صغيرة تلعب الحجلة أو القفز على الحبل، وسواء كان ذلك رجلاً نحيفًا برأس محدد، أو مجرد رذاذ من الزهور المعدنية، فإن المساحة التي تشغلها هي دعوة لتجاوز ما نراه على الفور، لأنه خلف هذه العلامات المتناثرة، هناك طبقة أخرى من الحياة، خيال لا يرضي بسهولة، لا يكتفي بتوضيح أسئلتنا المتعددة والمتنوعة".

ودعا بن جلون إلى مواصلة الانتباه إلى عمل هذا الفنان "بجاذبية رجل يوفق بين الماضي والمستقبل، الأرض والنجوم، خاصة عندما تبدع كل ذلك يده بكرم وموهبة وإنسانية".

من جهتها، كتبت منى أنس الحساني أن "من يتجول خلف أسوار أصيلة، لا يستطيع الهروب من تأثير هذه الريح الخلاقة التي تخترق الهواء"، بعد أن "امتزجت ذكريات الفنانين الذين ازدهرت أعمالهم على مدى الشواطئ الشاسعة، في تداخل مع ما يوجد داخل أسوار المدينة، جاعلة من أصيلة مكانًا مفضلاً للفنانين ولأولئك الذين لديهم حساسية تجاه إبداعاتهم".

وعادت الحساني إلى أول مرة التقت فيها عنزاوي، في ورشة للحفر كان يديرها النحات السوداني محمد عمر خليل؛ مشيرة إلى أن عمل هذا الفنان الذي رأى النور بأصيلة سنة 1964، أثر فيها بشكل فوري وعميق، حيث كان غنيا وحيويا ومستقلا تقريبا، ولذلك لم يكن بإمكانها تقريبا فصله عن أسوار المدينة المميزة بالرياح والمحيط والرسومات على الجدران.

وأشارت الحساني إلى تأثر عنزاوي بأعمال عدد من الفنانين الكبار، من قبيل سعد الحساني، فريد بلكاهية، محمد المليحي، محمد القاسمي وفؤاد بلامين ، الذين عبَروا المغرب، مثله، وكشفوا عن هذه المادة الشعرية الحية التي لا يمكن لعاشق الفن إلا أن يحبها؛ شاركوا في موسم أصيلة الثقافي الدولي الذي أسسه اثنان من أبناء البلد: محمد بن عيسى والراحل محمد المليحي، موسم زرع الفرح في شوارع وورشات المدينة خلال هذا الموسم المشحون بالعواطف، والذي ظل دائما مكانا للاحتفال.


تحدثت الحساني عن عنزاوي، الرسام بأعمال تجريدية في الغالب، "كشف عن نفسه رساما خلال الورشات المفتوحة للأطفال في الموسم الثقافي للمدينة، حين كان يأتي فنانون موهوبون لتبادل أسرارهم. دأب على الحفر والبحث والكشف، تمامًا كما كان الحال في عمل فيديو، تحت عنوان "فن"، أنتجه بمساعدة ياسمين ديكنز، حين اختار أن يضيع في المادة، لطمس الألوان لأجل الاقتراب من الأشكال، بشكل أثبت لنا مرة أخرى أن الفنان لا يعيش في نفس العالم الذي نعيش فيه، وأن نظرته تغير الشكل لتبتكر عالمًا يتجاوز المظاهر، ليصير مصدرًا لا ينضب من الإشارات، حيث الإدراك والإحساس وحدهما فقط يسمحان بالوصول إلى الجوهر، في "قلب الأشياء"".

ورأت الفنانة التشكيلية والناقدة الفنية فاتن صفي الدين، أن عنزاوي يكشف عن نفسه، في وضح النهار، في أعمال ناضجة، بارعة، حساسة وقوية. للوهلة الأولى، تلتقط المادة ثراءً وتعقيدًا شديدين على الفور، مشيرة إلى أنه "يتعاطى، في أعماله الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى، مع المادة، ينشرها أحيانًا على لوحات ضخمة، يعيد بها اكتشاف رغبات طفولته الأولى، قبل أن تنقل عنه، قوله: "بالنسبة لنا جميعا، نحن أطفال أصيلة، كان البحر والشاطئ لعبنا ولعبتنا الأولى. اللوحة والمواد الخام في نفس الوقت. نجد هناك الرمل والمياه، الجير والطين، وحتى القطران الذي لفضته المراكب والذي أذهلني بسواده وانعكاساته".

وعادت صفي الدين إلى طفولة عنزاوي الأولى، التي كان خلالها على اتصال مباشر بالرسم، مشيرة إلى أنه كان يبلغ من العمر 14 سنة، في عام 1978، خلال الموسم الثقافي الأول لأصيلة، وهو تاريخ رئيسي في حياة هذه المدينة الصغيرة، المنسية وقتها على مستوى المدارات السياحية، والتي أصبحت، منذ ذلك الحين، "مدينة الفنون" و"منبتا" للفنانين والمثقفين، بفضل محمد بن عيسى ومحمد المليحي أبناء المدينة ومؤسسي المهرجان وجيل كامل من الفنانين المغاربة والأجانب الذين آمنوا بهذا الحلم.

وأشارت صفي الدين إلى أنه الشاب عنزاوي خالط، على مدار الأيام والمواسم الثقافية بأصيلة، فنانين مكرسين من أطياف متعددة، فتغيرت رؤيته حول الفن وامتهانه. كما التقى كبار ورموز المشهد التشكيلي المغربي وعاين طريقة عملهم، من قيمة ميلود لبيض وسعد الحساني ومحمد قاسمي.

وختمت صفي الدين بأن عنزاوي يمثل مستودعًا لتجارب كبار الرواد الذين أثروا في نظرته وحساسيته، مثل خليل غريب وميلود لبيض ومحمد قاسمي وسعد الحساني وفؤاد بلامين، وغيرهم من الفنانين الأصغر سنا، كعبد الرحيم يامو والتباري كنتور ونجية مهادجي وأمينة بنبوشتة، مع تشديدها على حقيقة أن عنزاوي "يرسم الآن طريقه الخاص، الفريد والمخلص للغاية، ليثبت نفسه اليوم كواحد من أكثر الآمال الواعدة للفن المغربي المعاصر".