كنت اشعر بسعادة كل الأطفال صباح العيد كلما قطعت نهر دجلة سباحة مع اصدقائي، لهذا لم أتخلف في أي يوم من أيام الصيف عن زيارة النهر الخالد، لكن لم يخطر ببالي أن هذه المهارة والبهجة ستجعلني ذات يوم حبيس حزن لا يهجع.
في خريف ٢٠١٥ بعدما أنقلب بنا القارب ونحن في طريقنا من تركيا الى اليونان وانقلبت معه كل احلامنا المستقبلية وتركنا القارب المكسور في مواجهة البحر الهائج.

مهارتي في السباحة مكنتني بعد دقيقة من الركوب على ظهر القارب وكنت أنظر حولي الى الوجوه المنثورة على وجه البحر، وجوه تصرخ، تصمت ثم تزرق الشفاه وتشحب الوجوه وتختفي بهدوء، ولم يكن بإمكاننا انتشال أحد لأن اطراف القارب الحادة تجعل الانسان ينزلق ثانية الى الماء. شاهدت رجل يتمسك بزوجته الباكية المختنقة بيأسها وهي تراقب طفلتها بيد زوجها، يتوسل بها أن تتماسك، يترجاها. دقائق واختفت فبقي متمسكا بابنته وهو يتلفت بحركة محمومة باحثا عن نجدة من السماء لم تصل، حاول شخص مساعدته إلا أنه سقط في الماء وخرج بصعوبة.

التقت عيوني بعيونه ابتسم لي بالرغم من وشاح الموت المحيط به. رفع لي ابنته متأملاً، نزلت الى البحر الهائج على وجل واخذتها منه وكان على يقين مثلي بأني لا استطيع مساعدته فخرجت بالفتاة بمعاناة الى ظهر القارب وشعرت وكأن الفتاة تودع أباها عندما أفلت حافة القارب ليترك للبحر حرية ابتلاعه بسلام.

سألتها: ما أسمك؟ اشارت بأصبعها الى البحر وقالت " بابا .. ماما.. " هكذا هي لغة الرضيعة.
سكنت الأمواج بعد ساعة ونام البحر وبقي القارب يتحرك كمهد يهزه الغرقى لمواساة الاحياء فنامت في حضني.. غريبان نحن وثالثنا البحر والليل طويل.