في عام 1853، اندلعت حرب بين الامبراطورية العثمانية والامبراطورية الروسية. وتلك الحرب التي انتهت بهزيمة الجيش الروسي في عام 1856، سوف تسمّى بـ"حرب القرم". ومن بين أسبابها أن القياصرة الروس كانوا يسعون للتوسّع جنوبا للوصول إلى المياه الدافئة، أي إلى البحر الأبيض المتوسط، وحماية المسيحيين الأرثوذكس، والسيطرة على القسطنطينية، وعلى الأماكن المقدسة في فلسطين.
وقد ساندت بعض الدول الإمبراطورية العثمانية في تلك الحرب منها فرنسا وبريطانيا من الجانب الأوروبي، ومصر وتونس من الجانب العربي.

ومؤخرا اهتمت المجلات الفرنسية الأسبوعية منها والشهرية بحرب القرم التي تُحيل في البعض من أهدافها وجوانبها إلى الحرب التي شنّها نظام بوتين ضد أوكرانيا مُذكرة بالخصوص بموقف كارل ماركس منها، ومن المسألة الشرقية بصفةٍ عامة.

وكان صاحب "البيان الشيوعي" يكنّ عداءً شديدًا للإمبراطورية الروسية مُعتبرا إياها قلعة للرجعية والاستبداد الشرقي في القارة الأوروبية. لذلك كان يساند كل الانتفاضات المعادية لها، خصوصا في بولونيا التي كان المعارضون فيها يتمنون اندلاع حرب ضد روسيا بقيادة كل من فرنسا وبريطانيا بهدف التحرر من سيطرة القياصرة.

وعندما اندلعت الانتفاضات الشعبية عام 1848ضد أنظمة الحكم في أوروبا الغربية، دعا كارل ماركس إلى "حرب ثورية" ضد روسيا القيصرية، مُتمنيا أن تكون تلك الحرب شبيهة بالثورة الفرنسية التي أطاحت بالنظام الملكي في عام1789.
ورغم أنه أكد في "البيان الشيوعي"، بأن الشيوعيين يساندون كل الانتفاضات الشعبية، فإن كارل ماركس اعتبر انتفاضات مقاطعات في اليونان، وفي دول البلقان، ضد الدولة العثمانية حركات فوضوية يقودها لصوص وقطاع طرق قد يكونون عملاء لموسكو.
كما أنه ناهض بشدة إصلاحات في الدولة العثمانية كان قد تقدّم بها الليبيراليون البريطانيين بهدف مساواة بين المسيحيين والمسلمين لضمان قيام "نظام لائكي". وبالنسبة له كان كل هذا بمثابة "ذرّ الرماد في العيون".

أما الحرب في القرم، فقد مثّلت بالنسبة له خيبةً كبيرة إذ أن فرنسا التي شاركت فيها كان يحكمها نظام رجعي مُتمثلًا في نابليون الثالث.
وأما بريطانيا فقد كانت هي أيضا في قبضة المحافظين المعادين لكل ما يمت للثورات الشعبية بصلة.

وعندما اشتعلت حرب القرم، انتقد كارل ماركس بشدة كلا من فرنسا وبريطانيا مُشيرا إلى أنهما دخلا الحرب من أجل حماية مصالحهما، وليس للحد من التوسّع الروسي جنوبًا. لذلك سوف تلجآن إلى المفاوضات في أول فرصة ممكنة. بل أنه اتهم في العديد من المقالات التي نشرها في تلك الفترة، بالمارستون، رئيس الحكومة البريطانية بأنه "عميل للقياصرة".
وفي واحد من تلك المقالات، كتب كارل ماركس يقول: "في الحقيقة ليس هناك في أوروبا سوى قوتين: روسيا بنظامها الاستبدادي المطلق، والثورة مع الديمقراطية. وإذا ما تمكنت روسيا من السيطرة على تركيا، فإن قوتها سوف تتضاعف لتكون عندئذ قادرة على السيطرة على أوروبا بكاملها. وإن حدث هذا فسيكون بمثابة كارثة يصعب وصفها على القضية الثورية. لذلك فإن الحفاظ على استقلال تركيا، يكون أساسيا لمنع التوسع الروسي".