مددتُ ساقيَّ بطول خرائط العالم
باحثاً عن منفذٍ أحشر فيه جسدي
بئرٍ أغتسل به، انفض خزعبلات محيطي
أثرَ السياط وورمَ الخيزران وحزّات القيود
منعتْـني الحدود فخرقتُـها
أظهرتُ أصبعي من خلَـل ثقوب جواربي الممزقة
ثقوب أطلّ منها ساخراً من حالي
وتهكّما على حرس الحدود والأسيجة المانعة للعبور
أريد الوِردَ، ولو قطرات تبلل ريقي
ندياتٌ من ماء ما تُسمّى الحريّة الخَرِفة
تطفئ ثورتي
خرقة ترطّب لسعات السجائر المطفأة بجلدي
غَرفة كفٍّ من الحوض المَعين
لأبطش بعطشي، أتورّد ريّا رائقاً
عشتُ استسقي من سراب بلادي عقوداً من السنين
أنهل من الوهم حتى انتفخت بطني عطشاً
ارتويت من الوعود الكاذبة حدّ التخمة
عميت أبصاري من الآمال الكاذبة
لستُ طامعاً بفيضٍ أو دفقٍ يغمرني
أنا العجوز الهائم الصّدي
زمزمتْـني الخديعة
نعنعتْـني الهزائم
خضْخضَـني الهلع
قمّطني الدكتاتور مذْ كنت طفلاً
أراني بريقَ السراب
دون أنْ أسمع خريره
لم أغتسل سوى بمراياه
كم كان فَـأْلي عاثراً وأنا أنزلق كدمعةٍ مشبعةٍ بالملح
أعيشُ القفرَ والفقرَ والسقر والمُـرّ
القرَّ والصرَّ بلا جُبّةٍ تسترني
أو عِقالٍ أو عباءةٍ تحميني
لا أملك سوى جِلدي وعظمي الظمآنين
وبعضِ أمانييّ أعلكها سلوىً تبلل ريقي
أين أنتِ أيتها الغيمة؟
هل ما زلتِ في سروال "ماياكوفسكي"؟
لِمَ تميلين عني جفاءً؟
هل وصلتِ إلى سنّ اليأس وغدوتِ عاقراً
يا من كنتِ تنتظمين بلادي مطراً؟
لا تهطلي هنا؛ ستشربك الحيتان رشفةً واحدة
يا ذا العالم الأصمّ الأذنَين
فأنا كلما أُبدل عيشي رواءً
ينظر إليَّ السبخُ شزراً
كنتُ أكذب وأقول:
"نحن لم نقطع الحدود
الحدود هي من قطعتنا نصفين"
نصف منفى ونصف وطن
يهاجر أحدهما في الآخر مثل مجْـرَيَـين التقيا
هكذا مرَجُ القهرين يُسوّس خشب جسدي
خشبٌ يصنعونه جسراً بين ضفتين
وما تبقّى منه فَضْلةٌ صليبٍ نجس
يوضع مسمارين لتعليقي
هبْني لو وجدتُ ماءً فيّاضاً
أين أجدُ يدَ سقّاءٍ نديّةً، حنونة؟
كيف ألاقي حياةً تنتظر منبعاً
ليغور في مساماتها!
أنا الميّت الصّدي وسط ينابيعَ
لا تغدقُ الاّ دماً وحميماً
التعليقات