لبنان والمقاومة الاقتصادية


هنري عزام


أصبح واضحاً أن الهدف المعلن لاسرائيل من حربها على لبنان هو ضرب حزب الله وتقليص قدرته القتالية، أما الهدف غير المعلن فهو تدمير البنية التحتية، وتحويل حياة المواطن الى جحيم لا يطاق، ليفقد الأمل في المستقبل، وليتقلص بذلك دعمه لحزب الله.

إن صمود المقاومة يجب أن يكون حافزاً عند نهاية الحرب لقيام حكومة مركزية قوية تكون هي صاحبة القرار، خصوصاً اذا عادت السيادة اللبنانية إلى مزارع شبعا ووجد حل نهائي للنزاع اللبناني - الاسرائيلي. فالمستثمر المحلي أو الأجنبي، والدول المانحة للمساعدات التي سيعتمد عليها لبنان لإعادة البناء، يريد أن يطمئن بأن الحل سيكون دائماً هذه المرة، وأن لبنان لن يتعرض لاجتياح اسرائيلي آخر وان الاستثمار العام والخاص لن يشهد عملية هدم أخرى.

تقدر الخسائر التي تعرض لها لبنان من جراء العدوان بنحو 2.5 بليون دولار تشمل الأضرار في البنى التحتية والمساكن والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمؤسسات التجارية والصناعية، ناهيك عن الضحايا والأضرار الجسدية والنفسية التي تعرض لها مئات آلاف اللبنانيين، اضافة الى الوظائف التي فقدت، والمداخيل التي لن تتحقق قبل شهور وربما سنوات. فالاقتصاد اللبناني الذي كان يتوقع له ان ينمو بنسبة 6 في المئة هذا العام قد يسجل انكماشاً في حدود قد تصل الى 3 في المئة، وهذا يعني فقدان انتاج اقتصادي بحوالى بليوني دولار، إضافة إلى ضياع دخل للحكومة يقدر بنحو 500 مليون دولار بين ضرائب مباشرة وغير مباشرة.

كما جاءت الحرب لتوجه ضربة قوية لقطاع السياحة الذي كان يتوقع له تحقيق معدلات نمو مرتفعة هذا العام، وايضاً لقطاعات الزراعة والصناعة والنقل والسفر والشحن والعقار.

ان الحرب الحالية ستنتهي لا محالة، ولا بد من التفكير في ما بعد هدوء الجبهة. وأول ما يجب القيام به هو تكليف كبار المحامين العالميين برفع دعاوى ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، تطالبها بتعويض مئات ملايين الدولارات بسبب الأضرار التي تكبدها لبنانيون كثر فقدوا بيوتهم ومزارعهم ومصانعهم التي قصفتها الطائرات الاسرائيلية. فالقانون الدولي يمنع قتل المدنيين أو إيذاءهم، أو ضرب مصادر رزقهم والبنى التحتية التي يعتمدون عليها. فالإدانة تشمل فرض عقوبات تقضي بدفع التعويض للمعتدى عليه، وهذا ما حدث بالفعل مع النظام العراقي السابق، حيث استفاد متضررون كثر، سواء من المواطنين الكويتيين أو الوافدين، من نظام التعويضات الذي فرض على العراق بعد غزوها الكويت. وهذا ما حدث ايضاً مع ليبيا عندما دينت بتفجير الطائرة فوق لوكربي.

ولا يستطيع الاقتصاد اللبناني تحمل عبء مزيد من الاقتراض لتمويل عملية إصلاح ما دمرته الحرب، وهو بحاجة إلى مساعدات مالية ضخمة بشكل تبرعات لا قروض، إضافة إلى مشاركة القطاع الخاص وتوفير كل الحوافز له لكي يكون عاملاً فاعلاً في ورشة إعادة البناء.

فكلفة الاقتراض من الأسواق المالية العالمية ستكون أعلى مما كانت عليه في السابق، والدول الصديقة والشقيقة لم تعد على استعداد لتقديم المساعدة والدعم المتواصل وغير المحدود، خصوصاً إذا كانت هناك خطورة بأن تذهب هذه المساعدات هدراً إذا تعرض لبنان إلى عملية تدمير أخرى مستقبلاً.

فنجاح لبنان في المقاومة الاقتصادية هو بأهمية النجاح العسكري الذي حققته المقاومة بتصديها للجيش الإسرائيلي. والدلائل تبدو مشجعة إذا بدأت المساعدات الأولية تصل من دول خليجية مثل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات. إضافة الى مساعدات طبية وإنسانية من دول عربية أخرى مثل الأردن، ومصر. وهناك التزام من فرنسا ودول صديقة أخرى بمساعدة لبنان في إعادة إعمار ما هدمته آلة الحرب الإسرائيلية.

ويتمتع لبنان بتاريخ طويل من الصمود في وجه الأزمات والتعافي منها، وقد جذب إليه استثمارات كثيرة، خصوصاً من دول الخليج، حيث قدر الاستثمار في قطاع العقارات وحده هذا العام بحدود بليون دولار. غير أن استقطاب المستثمرين مرة اخرى لن يكون سهلاً ما لم يصبح واضحاً أن كل الأمور العالقة بين لبنان وإسرائيل والتي تشمل مزارع شبعا وتبادل الأسرى وتعويض الخسائر المادية للشعب اللبناني المتضرر، قد سويت، وعندها لن يكون هناك مجال في المستقبل لتبرير قيام إسرائيل بحرب جديدة على لبنان.