صعوبات تواجه بلدان العالم الثالث
البنوك بين واجب تمويل المشاريع ومخاطرها

صلاح نيّوف

يعاني المسؤولون عن إدارة المشاريع الصغيرة أو quot;الكبيرةquot; في بلدان العالم الثالث من صعوبات متعددة في الحصول على تمويل لمشاريعهم كوسيلة مهمة وأساسية لعمل هذه المشاريع. هذه الصعوبات هي في الغالب مرتبطة بالسياسات المالية القائمة والتي تمارسها البنوك تحت ذريعة أنه من الصعب عليها تغطية التكاليف والأخطار المتعددة التي يمكن أن يتعرض لها المشروع أو عملية الإقراض. ودراسة البنك الدولي تحت عنوان laquo; Supply and Demand for Finance for Small Enterprises raquo; ( عرض القروض وطلبها من أجل المشاريع الصغيرة)، توضح وتحلل الأسباب والتخوفات التي تواجه المشاريع الصغيرة وعملية الإقراض البنكي. ( يمكن العودة إليها من خلال منشورات البنك الدولي).

عمليًا، تخضع عملية النمو الاقتصادي أو إطلاق أي برنامج للإصلاح الاقتصادي لدعم المشاريع الصغيرة والكبيرة للعديد من التأثيرات أهمها: النظام المصرفي القائم والسياسات الصارمة في التحكم بمعدلات الفائدة، وضعف المنافسة ومحدوديتها في النظام المصرفي التجاري وهذه من صفات الاقتصاديات في العالم الثالث، حيث في الغالب يسيطر البنك المركزي التابع للدولة على هذا النظام. ويمكن التقليل من هذه التأثيرات من خلال وسائل مختلفة منها: إنشاء جهات تمويلية أخرى تعمل وفق تشريعات واضحة وتهدف إلى إقراض المشاريع، أو إحداث صناديق للادخار بهدف مساندة التجار على مراكمة الأموال من خلال إيداع يومي سيعود إليهم في النهاية أو مع نهاية كل شهر.

ومن الوسائل الأخرى أيضًا، تحرير الأسواق المالية ورفع السيطرة الصارمة لقوانين الدولة عن العمل الحر للأسواق المالية وللمشاريع الخاصة. مع الإقرار أن هذه الوسائل يمكن أن تأخذ وقتًا حتى تعطي نتائج أو حلول لأزمة إقراض المشاريع. ولكن الدراسات حول اقتصاديات العالم الثالث تظهر أن هناك أهمية متنامية للقروض الائتمانية أو quot;قروض الرهن العقاريquot; من جهة، ومن أخرى، الحصول على قرض quot;من غير رهنquot; من أجل إطلاق مشروع هو من الحالات النادرة. ربما يعود هذا إلى أن البنوك بشكل عام حيث لا تريد المخاطرة من خلال الإقراض لمستثمرين جدد، كبارًا كانوا أو صغارًا، وخاصة للذين ليس لهم مرجعية مالية قوية أو واضحة. ولهذا السبب تلجأ المشاريع الصغيرة للبدء برأسمال صغير يأتي مصدره من التوفير الخاص أو الشخصي. أيضًا هذه المشاريع تجهد لتمويل نموها السريع بوساطة أرباحها ومصادرها غير البنكية. ومن بين هذه المصادر غير البنكية المستخدمة للتطوير والانطلاق، قروض من ممول أو ممولين وهي طريقة ناجحة نسبية وتساهم في بناء المشاريع الصغيرة.

ولكن هل يمكن وضع إستراتيجية واضحة لتنمية أو تسهيل وصول المشاريع الصغيرة إلى القروض؟
1ـ من أجل تخفيض تكاليف تحضير ملف للحصول على قروض من مبالغ صغيرة وتوفير الوقت المكرس لتقييم المشروع الواجب تمويله، على البنوك في البداية أن تركز أكثر على تمويل تداول رأس المال أكثر من تركيزها على قروض للاستثمار. فالتركيز على الأول يساهم بشكل مباشر بدعم عودة رأس المال وهذا بدوره يدعم الاستثمارات في المشاريع الكبيرة. أما القروض المتعلقة بالاستثمار يجب أن تتركز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي هي مسبقًا استثمرت مصادر داخلية quot; من داخلهاquot; وهي بحاجة لمصادر خارجية إضافية لتوسيع مساحتها أو زيادة إنتاجها.
2ـ يمكن السيطرة على الأخطار الناجمة عن إقراض المشاريع من قبل البنوك من خلال تعزيز المراقبة على أصحاب هذه المشاريع.
3ـ إذا أرادت البنوك رفع مستوى الإقراض للمشاريع الصغيرة، فعليها التفكير بخيارات أخرى تتعلق بالملكية العقارية كضمان للقروض التي تعطيها.




بالاستناد إلى ما سبق، كيف يمكننا السؤال عن دور للبنوك الكبرى في عملية تمويل المشاريع ؟
لا بد للبنوك الكبرى من وضع مشروع للتمويل، تمويل إعداد البنوك الصغيرة والمحلية وتدريبها لتحسين أدائها ومستواها في التعامل مع مفهوم إقراض المشاريع، تقديم ومراقبة الاستفادة من القروض وتوظيفها بالشكل الصحيح. ثم التعلم على اللامركزية في إدارة العمليات المصرفية واتخاذ القرار المالي.

الخطر الذي تواجهه البنوك في عملية الإقراض
خطر القرض يعرّف ببساطة من وجهة نظر البنوك بأنه الخطر الذي يأتي من أن الالتزامات المالية تجاه البنك لا يمكن القيام بها في المواعيد المحددة، وكما تم الاشتراط أو التوافق عليها في العقد بين طرفين. في أسوا الظروف والسيناريوهات المقترض يعلن الإفلاس والبنك يفقد أو يخسر مبالغ مالية صغيرة أو كبيرة.

لكن الأخطار لا تتوقف عند ذلك، بل يوجد أخطار أخرى تهدد بشكل أكثر أو أقل عائدات البنوك، وأهمها أولاً، خطر المَحافظ أو المستندات المالية، ويعكسه خطر التراجع في نوعية المستندات المالية أو في نوعية المحَافظ المالية، في هذه الحالة على البنك أن يتوقع أو يتحضر بشكل رفيع للخسارات المحتملة وديونه تصبح غير قابلة للتغطية أو التصفية. وثانيًا، خطر الاحتكار أو تجميع الأعمال، ويأتي عندما البنك يكون لديه عرض مهم في قطاع معين أو منطقة جغرافية محددة، بمعنى آخر خطر تركيز النشاط المالي في قطاع معين.وثالثاً خطر quot; البلادquot;ن ويأتي عندما يكون العميل أو صاحب الملف موجود في بلد يتعرض بشكل منظم لأزمات مالية غامضة، كما حصل في الأزمة الآسيوية في نهاية عام 1990؛ أو في بلد غير مستقر سياسيًا.

في مواجهة النتائج الكارثية التي يمكن أن تحدثها هذه الأخطار، البنوك يجب أن تجهز أو ترصد أموالاً خاصة بها وكافية لتجفيف الخسائر الاستثنائية والتي يمكن أن تكون في مناسبات محددة ومن مصادر أخطار مختلفة.

أما الاحتياط وتوقع هذه المخاطر من قبل quot;أعلى المستوياتquot; يتطلب اتخاذ مجموعة من القرارات الفعّالة تشارك فيها المجموعات التجارية، ثم التحليل الدقيق والرقابة. هذه البنى لمواجهة الأخطار يمكن الحصول عليها من خلال أدوات معلوماتية دائمة ودقيقة، وإعطاء القروض وفق نموذج يتمركز على إجراءات إحصائية وليس بشكل عشوائي. أو من جهة أخرى، تحضير وامتلاك معلومات نوعية وكمية عن الجهة التي ستقترض فردًا، مشروعًا أو مؤسسة. أما مجموعة أو دائرة القرارات تتخذ وتدار من خلال قواعد معروفة من قبل الجميع quot; في البنكquot; ويتم دمجها أو إدخالها قدر الإمكان في النظام المعلوماتي للبنك.

وفي ما يتعلق quot;بالمستويات الأدنىquot; داخل البنك، تشكل فرق لإدارة الأزمة تتابع حركة الأخطار منذ بدايتها، كمتابعة وحساب مؤشرات الخطر، كالتكلفة مثلاً. ثم يعد تقرير من قبل البنك ويقدم للجنة تأخذ القرار النهائي فيما يتعلق بالأزمة. أيضًا تعمد هذه الفرق المشكلة للوضع في تقريرها التحليلي العمليات المحتملة لتغطية الخسارات والتي سيقام بها فورًا.

إضافة إلى ذلك، فرق تجارية متخصصة تكلف بإدارة الملفات quot;المشكوك فيهاquot; منذ ظهور الإشارات الأولى للضعف أو للأخطار الناجمة من إعطاء قرض أو قروض لمشاريع أو أفراد. وأخيرًا، في حال رجحت كفة الخسارات الناتجة عن قروض، مقارنة بتقلبات السوق، حيث يصبح من الصعب السيطرة على الأزمة أو الخسارة ضمن سياق اقتصادي عام وظروف متسارعة، فإن أدوات ذات ثقة ومعها فرق مؤهلة هي المفتاح لحماية عائدات البنك ورأسماله.