مفاهيم يجب أن تصحح حول الصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر


عندما تستمع الى الاحاديث التي تدور حول الصيرفة الاسلامية والانتقادات الموجهة لها تكتشف ان هناك بعض المفاهيم الخاطئة عن الصيرفة الاسلامية رائجة بين الناس ومنهم للاسف بعض المثقفين، أولها أن الغالبية العظمى من الناس تنظر الى ان كل ما ينسب الى الدين او يتعلق به يجب ان يقصد به الاجر في الآخرة وانه لا يجوز ان يقصد به اي امر من امور الدنيا وهذا فهم خاطئ لهذا الدين العظيم الذي اتى لاصلاح الدنيا والآخرة قال تعالى laquo;ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله اليكraquo; (القصص 77)، وقال تعالى laquo;ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النارraquo; (البقرة 201).

ومن هذا الباب اعتقاد الكثير من الناس ان المصارف الاسلامية يجب ان لا تأخذ ارباحاً على ما تقدمه من تمويل بالادوات الاسلامية المختلفة لماذا لانها اسلامية فيجب ان يكون جميع ما تقدمه قرضا حسنا وكأنها جمعية خيرية والحقيقة ان المصارف الاسلامية هي مؤسسات مالية تهدف الى الربح وليست جمعيات خيرية وبالتالي فهي تقدم خدماتها بمقابل، شأنها شأن البنوك التقليدية ولكن الفرق بينهما فرق شاسع فالبنوك الاسلامية تقدم خدماتها وفق ما شرع الله واباح، وبالتالي فالعائد على نشاطها والارباح التي تحققها من هذا النشاط هي ارباح مباحة شرعا بل ان القائمين عليها والمؤسسين لها اذا احتسبوا الاجر من الله في ايجاد مؤسسات مالية اسلامية تحقق للمسلمين اهدافهم وفق ما شرع الله فقد حازوا الربح في الدنيا والاجر في الآخرة بخلاف البنوك التقليدية التي يقوم نشاطها على الاقراض بالفائدة المحرمة شرعا والحقيقة ان هذا اللبس ليس وليد اليوم بل انه قد ظهر مباشرة بعد تحريم الاسلام للربا حيث اختلط الامر على اهل الجاهلية كما نقل القرآن ذلك حكاية عنهم فقالوا laquo;انما البيع مثل الرباraquo; ورد عليهم الله بقوله laquo;وأحل الله البيع وحرم الرباraquo; إذاً البيع حلال والربا حرام في شرع الله فلا مجال لانتقاد المصارف الاسلامية على طلبها للربح فيما تقدم من خدمات شأنها كشأن أي تاجر أو صاحب عمل.


وثاني هذه المفاهيم الخاطئة تحدث بعض الناس عن ان الصيرفة الاسلامية يجب ان لا تأخذ عن الصيرفة التقليدية او تستفيد من ادواتها وانه في الحقيقة لا يوجد صيرفة اسلامية بالمعنى الصحيح لانها تستنسخ ادواتها عن الصيرفة التقليدية ونسي هؤلاء عن اننا عندما نتحدث عن الصيرفة الاسلامية فإننا نتحدث عن تجربة انسانية كغيرها من التجارب في مجال الطب او الزراعة وغيرها والتجارب الانسانية خبرات متواصلة تستفيد منها الشعوب فهي نتاج تطور زمني لا يمكن اختزاله في شعب من الشعوب او زمن من الازمان او ثقافة من الثقافات وكل يطوع ويستفيد من هذه الخبرات بما يتوافق مع دينه وعاداته وتقاليده ويطورها بما يتلائم معها وهذا ما فعلته الصيرفة الاسلامية فهي تجربة انسانية تحكمها قوانين آلهية فتستفيد من الخبرات الانسانية بما لا يتعارض مع مبادئها وعقيدتها فليس من العدل ولا من العقل في شيئ ان نطالب الصيرفة الاسلامية بالبداية من الصفر وتجاهل جميع الخبرات الانسانية المتراكمة في هذا المجال على مر عقود من الزمن، ولكن يجب ان نطالبها بالاستفادة من هذه الخبرات مع تصحيح مكامن الخطأ فيها على هدي النبوة، ومراعاة مقاصد الشرع عند النظر في ادواتها حتى يستفيد العالم اجمع مما اتى به الوحي للخروج من ازماته التي يعاني منها.