بقلم: محمد كركوتي
[email protected]


لم أشارك في أي برنامج تلفزيوني أو إذاعي، لمناقشة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، إلا ووجه إلي سؤالا مكررا. هل استفاد المرشح الديمقراطي الأميركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة باراك أوباما من هذه الأزمة؟. وإذا أراد مذيع أو مذيعة تطوير السؤال، يكون: ما هو وجه استفادته من الأزمة؟. لاشك في أن السؤال يحمل في طياته قيمة سياسية عالية، خصوصا وأنه يختص بمصير شخص قد يصبح رئيسا، لأقوى دولة في العالم، وسط فوضى سياسية واقتصادية سيتركها واحد من أكثر الرؤساء الأميركيين تشويها لبلادهم. فضلا عن أن السؤال يحمل أيضا قيمة إخبارية، لاسيما وأن الانتخابات quot;ومهرجاناتهاquot; تقترب بزخم سرعة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.


غير أن السؤال يطرح سؤالا آخر، قبل الانغماس في بحر التوقعات، هو: هل باستطاعة مراقب -مهما بلغت إمكانياته- أن يعطي توقعا صائبا في هذا المجال؟. بل هل هناك أساسيات انتخابية في الولايات المتحدة يمكن التأسيس عليها، وإطلاق التوقعات ضمن إطارها؟. الجواب ببساطة : لا. فمزاج الناخب الأميركي لا يخضع لمعايير الاستنتاج، والآلية الانتخابية هناك لا تنسجم بصورة واضحة مع الآليات الانتخابية في البلدان الغربية الأخرى. الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش، أعطى أبلغ جواب على هذه الحالة ndash; ولعله الجواب الوحيد البليغ الذي أعطاها طوال فترة رئاسته- عندما قام في انتخاباته الرئاسية الأولى التي جمعته مع آل جور، بتهنئة الأخير رسميا على فوزه في هذه الانتخابات، لكنه سرعان ما اكتشف بأنه هو الفائز!.


لكن هذا لا يعني أنه يجب علينا الاكتفاء باستعراض quot;غرائبquot; الانتخابات الرئاسية الأميركية، وانتظار نتائجها. فلا تزال هناك مناطق في الحالة الأميركية يمكن أن تعطي مؤشرات، حول ما إذا استفاد باراك أوباما -كمرشح - من الأزمة الاقتصادية أم لا، وعن ما إذا كان يستطيع استثمار ما لديه من فوضى، في معركته ضد المرشح الجمهوري جون ماكين.
نعم.. يمكن أن تعطي الأزمة الاقتصادية المرشح الديمقراطي وقودا ضروريا في معركته الشهر المقبل. ويمكن أن يحصد المزيد من الأصوات، إذا ما وعى الناخب الأمريكي حجم الأضرار التي تعرض لها طوال السنوات الثماني الماضية، وليس فقط خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويمكن لأوباما أن يواصل تعبئة quot;خزانquot; حملته، لا من نيران الأزمة فحسب، بل أيضا من طريقة علاجها. ويمكن أن يمضي أكثر من ذلك باستثمار الطريقة التي طرحت فيها الخطة التي وضعتها إدارة بوش لإنقاذ المؤسسات المالية. ويمكنه أيضا الاستفادة من حساب المسافة بينه وبين الناخب، والمسافة بين المعسكر الجمهوري وبين هذا الناخب. مرة أخرى لن تتحقق الاستفادة المرجوة، إذا ما كان الوعي غائبا عند الناخبين.


ولأننا نتحدث عن الأزمة الاقتصادية، فلنترك المصائب والمشكلات والفوضى التي تشكلت في الولايات المتحدة، وانعكست على العالم طوال السنوات الثماني الماضية. لقد أثبتت إدارة الرئيس بوش الجمهورية مرة أخرى، منذ انطلاق شرارة الأزمة قبل عام تقريبا، بأنها أقرب للمؤسسات والشركات منها إلى الأفراد. وحولت نفسها من إدارة تحكم أقوى دولة في العالم، إلى quot;مجلس إدارة أعلىquot; لهذه المؤسسات. وحين سنحت الفرصة لإدارة بوش أن تكون quot; إدارة للجماهيرquot; ndash; عندما طرحت خطة الإنقاذ بـ 700 مليار دولار أميركي ndash; تجاهلت مصير هؤلاء. فالمهم الآن إنقاذ المؤسسات، وبعد ذلك يتم التعاطي مع القضايا الاجتماعية والإنسانية الأخرى. ومن فرط تضليل الإدارة الأميركية، شنت هذه الأخيرة حملة إعلامية وأخرى للعلاقات العامة، استهدفت الحزب الديمقراطي، لأن الكونجرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون رفض الخطة في مناقشتها الأولى، ولم يصدق عليها.


إلا أن الواقع كان غير ذلك تماما. فقد رفض الديمقراطيون خطة الإنقاذ، لأنها لم تتضمن بندا واحدا، لمساعدة الأميركيين الذين فقدوا منازلهم بفعل أزمة الرهن العقاري، التي أدت بدورها للأزمة الحالية، ولا لأولئك الذين يواجهون التهديد اليومي بخسارة عقاراتهم التي يعيشون فيها. كما أنها لم تتضمن أية لوائح أو قيود للمدراء التنفيذيين في المؤسسات المالية، الذين يتلقون أعلى المرتبات والمكافآت. هذه هي الحقيقة. ولأن الأزمة الاقتصادية بدأت تتحول إلى كارثة، أسرعت الإدارة الأميركية بإدخال تعديلات على خطتها، ومررتها في الكونجرس.


إن هذه القضية لوحدها هي بمثابة سلاح انتخابي يستطيع أوباما أن يحارب به من الآن وحتى موعد الانتخابات. ويمكنه أن يقول للناخبين: إننا وقفنا إلى جانبكم في الأيام السوداء. إننا لا نريد أن تنهار المؤسسات المالية، بل نريد العمل من أجل إبقائها واقفة، لكن في الوقت نفسه نحن حريصون على أموال أصحاب المعاشات، التي quot;طارquot; منها في الأزمة أكثر من 2000 مليار دولار أميركي. ويمكنه القول أيضا: إن هذه الإدارة التي تسببت في الأزمة، لأنها اتبعت سياسات خاطئة ومارست الاقتصاد بمعايير quot; الكازينوquot;، لم تضع آلامكم ضمن أولوياتها. يمكنه القول: انظروا إلى الأوروبيين محافظين أو عمال، جمهوريين أو ليبراليين، لقد وضعوا خطة مشتركة للإنقاذ تضمنت في الدرجة الأولى الاهتمام بالمتضررين الأفراد، فقد حرصوا على أن يكتبوا بالخط العريض: سنضمن تمتع برامجنا الخاصة بضمان سلامة الودائع بالقوة الكافية لإشاعة جو من الثقة في أوساط المودعين إلى سلامة ودائعهم.


نعم يمكن لباراك أوباما الاستفادة من الأزمة وتوابعها. فقد خلفت الإدارة الحالية مشاكل، خلقت للمرشح الجمهوري ماكين صعوبات كبيرة في الدفاع عن السياسة التي اتبعها الجمهوريون طوال السنوات الماضية. يضاف إلى ذلك أنه كان من أشد المدافعين عن هذه السياسات. ومن هنا فإن الاستثمار الانتخابي للأزمة الاقتصادية، سيعطي أوباما سلاحين. الأول: إدارة تسببت بأسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي. والثاني: مرشح جمهوري تائه. فهو إن دافع عن هذه الإدارة قد يغرق معها، وإن ابتعد عنها، سيتم التشكيك بولائه الجمهوري!.
ولكن هل يعي الناخب الأميركي هذه الحقائق؟!.