تركي عبدالعزيز الثنيان
ربط الريال بالدولار موضوع شائك يستحق تباحث الخبراء، ويستحق -بشكل أهم- جرأة في تجرع الدواء الأكثر فائدة. مؤخرا، آلن قرينسبان، محافظ صندوق النقد الأمريكي الأسبق، يقول إن تعويم الريال، أي فك ارتباطه بالدولار، قد يكون إجراء إيجابياً سيقلل من آثار التضخم. رئيس صندوق النقد العربي جاسم المناعي يقول-قبل أكثر من سنة- إن دول الخليج يجب أن تتخلص من تبعية سياستها النقدية للولايات المتحدة الأمريكية لأن هذا الارتباط يزيد من التضخم. كوكبة من أساتذة الاقتصاد والعلوم المالية في المملكة تنادي بتغيير سياستنا المالية- مابين مناد بفك الارتباط أو تغيير في تقييم العملة. مؤسسات مالية تنصح بالتغيير. أصوات عالمية، نخب أكاديمية، وتجارب دولية كلها تعضد فكرة تغيير سياسة الربط العتيدة التي تنتهجها مؤسسة النقد السعودي. بينما على الجانب الآخر تقف مؤسسة النقد وبتشبث قوي على إبقاء الربط. هذا التناقض يدعو المتابع إلى طرح سؤال عريض يبحث عن الحقيقة... هل المسألة تشدد لا مبرر له، ومدرسة قديمة تحاول إثبات ذاتها بكل حواسها، أم أن هناك ما يخفى على كل هؤلاء ولا يعرفه إلا أولو العلم المقيمون في مؤسسة النقد؟

بتقديري الشخصي أميل إلى فك الارتباط لأن الربط التوائمي مع الدولار مع اختلاف العوامل المكونة لاقتصاديات البلدين هو إجراء غير مقنع في كل الأحوال لأن ربط الريال بالدولار يعني - ضمنا-ـ أن المعيار الوحيد لتقييم صحة الاقتصاد السعودي هو الاقتصاد الأمريكي، فإن تعافى الاقتصاد الأمريكي تعافينا وإن مرض تعبنا معه. ولكن الحقيقة أن ما هو جيد للدولار، ليس بالضرورة أن يكون جيداً لغيره في كل الأوقات، والعكس صحيح، والشاهد أن اقتصادنا يعتمد على البترول فيزداد توهجا وتألقا إذا ارتفعت أسعار البترول ويضعف إذا انخفضت أسعاره، وهذا مختلف بشكل جذري عن الاقتصاد الأمريكي الذي يعتمد على صناعات معظمها تتأثر تنافسيتها سلبا من ارتفاع سعر البترول. كما أن الربط لا يبدو مفيدا في كل الأوقات وفي كل الأوضاع بالمقارنة مع الآثار السلبية المترتبة عليه، لا سيما وأن السياسات النقدية الأمريكية - بدهيا-مرتبطة بشكل كلي بالوضع الداخلي الأمريكي، وهذا شأن أمريكي صرف، فمن حقهم التصرف كما تمليه مصالحهم الداخلية المتأثرة بعوامل بعضها بعيد كل البعد عن التأثير في بلدنا أو معاكس لما يجري لنا...والدليل ما حدث مؤخراً مع مأزق الرهن العقاري الأمريكي. فبعد أن تمادت المؤسسات المالية الأمريكية في منح القروض، تعثر المقترضون، مما أدى إلى نشوء حالة هلع في الأسواق العالمية، وخشية من حدوث ركود وانكماش للاقتصاد الأمريكي، لجأ البنك المركزي إلى ضخ مزيد من السيولة، والأهم أنه قام بتخفيض فوائد القروض. نحن نقبع على بعد 14 ساعة طيران، و ما يحدث لدينا هو العكس بالضبط، فلدينا ازدهار اقتصادي، ولدينا وفرة في السيولة، مع مشكلة تضخم في الأسعار نتيجة كثرة الطلب، وبالتالي فالإجراءات التي يتوجب علينا اتباعها هي عكس الإجراءات التي سيقوم بها البنك المركزي الأمريكي - أو ليس ذاتها على أضعف الإيمان. ولكن لارتباطنا بالدولار الأمريكي، اضطررنا - بعد ساعات - إلى مجاراة البنك المركزي الأمريكي وخفضت مؤسسة النقد الفائدة، مع رفع للاحتياطي في البنوك في محاولة أخيرة وبائسة لكبح ضخ السيولة ما كانت لتلجأ إليها لو أنها غير مرتبطة بالدولار ودليل على أن اختلاف الظروف في البلدين يستوجب سياسات نقدية مختلفة. ما حدث بعد هذا متوقع؛ فقد خفت حدة الأزمة في أمريكا لوفرة السيولة لرخص تكاليف القروض، أما لدينا فما حدث هو وفرة إضافية في السيولة -الوافرة من الأصل- حتى وإن حاولت لاهثة مؤسسة النقد احتواءها برفع متكرر للاحتياطي، و بالتالي إذكاء لنار التضخم، وتنامياً لأزمتنا مع ارتفاع الأسعار. ولا تزال مع كل هذا مؤسسة النقد تقاوم وتدافع بشراسة، حالمة بارتفاع لسعر الدولار حتى تتنفس الصعداء، وهو كما يبدو أمر ليس بالقريب.


ربط الريال بسلة من العملات الأجنبية، دولار، يورو، ين، ربما يكون هو الحل الأكثر توافقا مع الواقع الاقتصادي السعودي المتفرد أيضا في نفس الوقت بظروفه الخاصة المؤثرة فيه وحده بشكل أكبر. أو ربما يكون الحل في تغيير سعر صرف الدولار، لتعويض الخسائر التي تحملها المواطن في السنوات الخمس الماضية الناتجة من تراجع سعر الدولار المخيف كما ينادي بعض الاقتصاديين السعوديين. و على ما يبدو فإن مؤسسة النقد غير مقتنعة لا بسلة العملات ولا بتغيير سعر الصرف ولا ترى إلا الربط مع الدولار كما هو الحال، كما يبدو من الرأي الذي طرح في مجلس الشورى أو غيره من المحافل. قد يكون رأي المؤسسة هو الأصول ولكن نريد أن نقتنع أنه الأصوب، لا أن يفرض علينا، فقط لأن المؤسسة قادرة على فرضه! لا نريد تكرار أخطاء الماضي التي لا يمكن تعديلها أو تغييرها والسبب الوحيد لحدوثها كان عدم سماع الرأي الآخر. إنه خطير جدا أن تنفرد مدرسة واحدة بالتحكم باقتصاديات البلد لا سيما أن آراء خبراء لهم وزن ثقيل -ولا يقلون وطنية- تنادي بالعكس تماما. إنه قرار مصيري استراتيجي مؤثر بكل فرد في البلد، يجب ألا تنفرد به أية دائرة و أن تهمش غيرها من الدوائر المعنية، و لهذا أقترح التالي: عاجلا، دعوة فريق من الخبراء الماليين من مختلف البنوك المركزية العالمية، ودعوة ماليين سعوديين، و دعوة رجالات مؤسسة النقد السعودي، للتباحث والتناظر حول هذه الجزئية على أن يتم اتخاذ قرارات نهائية تتم بتصويت الحضور. إن كانت حجة مؤسسة النقد قوية، فهي ستلجم الخبراء وينتهي السجال ونرتاح، وإن كان صوت الخبراء أقوى، توجب اتباع توصياتهم، فالبلد أغلى و أعز علينا من مدرسة كلاسيكية تحمل آراء، ربما فاتها قطار الزواج...
*كاتب سعودي