يوسف الكويليت
مؤتمر يجمع المصدّرين والمستهلكين للنفط، وبدعوة من أكبر دولة نفطية في العالم، يعني أن الحوار يجب أن يتم على قواعد واضحة، لأن سيل الاتهامات بين طرفيء العلاقة لا يعالج المشكلة من جذورها، حين تثير الدول المستهلكة دعايات لا تصل إلى الأسباب، وكيف أن النفط أصبح لعبة المضاربين قبل غيرهم، وأن المعروض في السوق العالمي، وفق إحصائيات دولية دقيقة، ومن مراكز محايدة، لم يسجل أي نقص، يدعم هذه الحجة أن قفزات الأسعار تبقى غير مبررة، وقد دانتها المملكة وغيرها، خاصة إذا ما جاء العائد لشركات خارج الدول المنتجة من هذه الطفرة بأرباح مضاعفة، وأكثر مما تجنيه الدول المنتجة نفسها..
فالنفط لم يعد سلعة رخيصة أمام تنامي الطلب والاستهلاك، وكأي معروض في أسواق متنافسة يبقى عرضة للارتفاع والانخفاض وفق تذبذب هذه الأسواق، ومن هنا برزت الحاجة إلى جمع الفرقاء من طرفيء المعادلة، وبالتالي يجب أن لا يكون المؤتمر ميدان منازعاتٍ سياسية، أو تهمٍ لا تأتي على دلالات واضحة وحقيقية، إذا كانت الغاية معالجة الموقف وفق حفظ حقوق ومصالح كل الأطراف..

وإذا كانت المملكة في ظروف سابقة، وقفت في المنطقة الوسطى من أجل الحفاظ على أسعار منطقية، وتدفق للأسواق محكوم بعدم الإغراق والتنافس على الإنتاج، فهي الآن مع الدول المصدرة للنفط لا تستطيع التحكم في مسار تذبذب الأسعار، أو مواصلة ارتفاعها، لأن الضاغط الدول المستهلكة ذاتها، والتي أوصلت الدول المنتجة إلى طاقاتها القصوى في الإنتاج..

ثم إن الموضوع أخرج النفط من سلعة المترفين، إلى الاحتياجات الأساسية ومن هذا المنطق لا بد من التعامل مع الحقيقة بالتكيّف الطبيعي، إذ أن هناك سلعاً استراتيجية أخرى ارتفعت أسعارها بأكثر مما حصل للنفط وخاصة المواد الغذائية، لتضغط على الفقراء قبل الأغنياء، وهي مسألة ظلت دواعيها مفتعلة من قبل الدول ذات الإنتاج الغزير، والاحتكارات الكبرى..

إن أي تفاهم يخلق استقراراً لأسعار النفط مرحبٌ به بين كل الأطراف، وهي خطوة تنفي عن المملكة والدول النفطية الأخرى إهمال أي حوار، لأن المسألة بتداعياتها المختلفة مضرة بالمصدّرين إذا ما كان نضوب الدول كرصيد لأجيالها، يفترض سد احتياجات دول لا تتعامل مع هذا المنتج بواقع ما يحدث اليوم، أو المستقبل القريب، وحتى الفوائض المالية التي جنتها الدول النفطية، أدت نتيجة التضخم ونزول سعر الدولار إلى أدنى مستوياته،لرفع التكاليف على الدول، مما أعاق مشاريعها وعرّضها إلى استنزاف آخر باعتبارها دول استيراد لمعظم السلع الأساسية فيما يختص بالإنشاءات الكبيرة، بما فيها مصافي النفط وصناعاتها البتروكيماوية، وكذلك الأغذية والسيارات وحتى السلع الخدمية..

عموماً إذا كانت المصالح متشابكة وأن هذا المؤتمر يكشف عن الحاجة إلى لقاء مصارحة وخلق بيئة تصالح وفق حقوق متساوية، فإن غاياته قد تكون إيجابية، أما أن تأتي الدول المستهلكة بأسلحة الضغوط، والابتزاز ودون مراعاة للحقائق مجردة من أساليب السياسات القديمة، فإن خطوط التماس تبقى مفتوحة على كل المفاجآت، وهو ما يجب تجنبه لصالح الجميع..