دبي: يتعرض سوق العقارات في دبي الى تحديات عديدة ضاغطة تحمل في طياتها تراجعاً في الزخم لعوامل عدة، تبدأ بارتفاع تكاليف التنفيذ مع ارتفاع كل ما له علاقة بالديزل وانتهاء بالمنافسة القوية التي بدأت من أبوظبي قبل عامين، وامتدت حالياً الى امارة عجمان التي تتكاثر فيها المشاريع العقارية المليارية.
الواقع على الأرض يفيد بأن عوامل عدة، أولها ارتفاع أسعار الاسمنت وآخرها ارتفاع أسعار الديزل دفعت بأسعار العقارات الى مستويات قياسية لم تعد في ضوئها مغرية للشراء، نظراً لأن أكثرية المُقبلين على السوق هم من المضاربين لا المالكين النهائيين، بيد أن معطيات نقدية محلية ودولية أعطت للسوق زخماً كان في أمس الحاجة اليه، فالتراجع المستمر في قيمة الدولار الأميركي وتالياً الدرهم الاماراتي المربوط به زاد من اقبال المستثمرين الأجانب، خصوصا البريطانيين أصحاب الجنيه الاسترليني، والروس.. الى جانب تراجع الفوائد على الودائع في البنوك والمصارف الامارتية الى ما دون مستوى 2،5 في المائة، وأخيراً التراجع الذي يعيشه سوق الأسهم الاماراتية منذ نحو شهر.

إقبال المشترين
أوساط عالمة في سوق العقار في دبي أكدت لـ laquo;القبسraquo; أن ارتفاع أسعار العقارات الى ذروة مستوياته منذ انطلاق الطفرة العقارية في العام 2003 لم يحد من اقبال المشترين، وان كانت المعلومات تشير الى ركود في معدل صفقات الشراء الجديدة، وان لم يتراجع زخم المشاريع العقارية الجديدة، بعدما باتت بوصلتها تتجه شمالاً نحو أبوظبي أو جنوباً نحو عجمان والفجيرة.
ولا يبدو هذا الهدوء الحاصل مفاجئاً للمشرفين على السوق العقاري في دبي، فهم أول من يعرف أن الأسعار باتت في قمة الجبل، وهذا ما عكسه تصريح اخير لرئيس هيئة التنظيم العقاري مروان بن غليطة الذي حذر من خطر المضاربات، بقوله ان: laquo;المضاربين وشركات التطوير العقاري التي تتسابق على تطوير المشاريع قد يشكلون خطراً على السوق العقاري في دبيraquo;.

الهدوء قليلاً
ولم يخف بن غليطة رغبة في حاجة السوق، البالغة قيمة الاستثمارت فيها 300 مليار دولار، الى أن laquo;تهدأ قليلاًraquo; ويبدو أن هذا القلق وراء جهود هيئة التنظيم العقاري الجارية على قدم وساق حالياً لتنظيم قطاع الوسطاء العقاريين الذي يقع تحت هيمنة أجنبية في معظمه، وكثير من العاملين فيه من غير المرخصين. وأمام معطيات جديدة خارجة عن نطاق معادلة العرض والطلب شهد السوق العقاري في دبي زيادات في الأسعار قاربت الـ 25 في المائة، نصفها خلال الشهرين الماضيين فقط بسبب ارتفاع معدل التضخم، وارتفاعات أخرى متلاحقة في أسعار الحديد والاسمنت ثم الديزل.

تخمة الملاحق العقارية
ورغم تراجع ملحوظ في حركة شراء الوحدات السكنية الجديدة، وتحديداً المضاربة في ضوء تزايد واضح في عدد الوحدات المعروضة وهو ما تعكسه تخمة الملاحق العقارية في الجرائد الاماراتية، فان الأسعار ماضية في الارتفاع وهو أمر يتضارب في تفسيره الخبراء والمراقبون. وفي هذا السياق، يرى مصدر في احدى الشركات العقارية الكبرى أن السوق العقاري لا يزال يعاني من نقص في الوحدات السكنية المعروضة وأن السيولة المتوافرة بكثرة لدى مواطني الامارات والمقيمين فيها والمستثمرين الأجانب الباحثين عن فرص، تؤخر الحركة التصحيحية المتوقعة في أسعار العقارات. ومن العوامل الضاغطة على السوق العقار في دبي أن أسعار العقارات في بريطانيا والولايات المتحدة شهدت تراجعات مغرية خلال الأشهر الماضية تحت وقع تأثير أزمة الرهون، وبالتالي وفرت فرصاً استثمارية مغرية للعديد من المستثمرين ومنهم شركات كبرى من الامارات ومن دبي، وثانياً سحبت جزءاً من السيولة التي كانت في طريقها الى دبي أو كانت فيها أصلاً، اذ لم تعد الأسعار في السوق العقاري في دبي أرخص بالمعايير العالمية، وهي العبارة التي كان الخبراء والتقارير المالية تبرر عبرها الارتفاع الحاصل في الأسعار، فضلاً عن تراجع العائد الاستثماري على الوحدات السكنية من 12 الى 15 في المائة الى ما دون 10 في المائة.

تنظيم قانوني
مع اتساع رقعة المشاريع العقارية وتسليم آلاف من الوحدات السكنية الى ملاكها بعد سلسلة طويلة من البيوع والمضاربات، بدأت تظهر في الأفق منازعات من نوع جديد لم تعهدها أروقة المحاكم الاماراتية سابقاً، ولا حتى لجان فض المنازعات العقارية، ما حدا بالسلطات في امارة دبي تحديداً الى اصدار قرار اداري حمل الرقم 57 لسنة 2008 بانشاء المحاكم العقارية.
فالقضاء أعلن عدم اختصاصه بنظر المنازعات العقارية، فيما توقفت دائرة التنظيم العقاري عن تسلم الشكاوى في الوقت الذي لم تحدد المحكمة العقارية القوانين الخاصة بها مما خلق حالة من الفوضى يقر بها الخبراء والقانونيون ووجد فيها الوسطاء العقاريون فرصة لمزيد من التلاعب، وهو ما تنبهت له الجهات الرقابية في دبي التي تجهز على نار حامية قانوناً لتنظيم عمل الوسطاء العقاريين.

أبوظبي وعجمان.. منافسة وإقبال
شهد القطاع العقاري الصاعد في امارة أبوظبي اقبالاً منقطع النظير، عكسته أحجام البيوع في معرض laquo;سيتي سكيب أبوظبيraquo; ومن قبله في laquo;سيتي سكيب دبيraquo; وهو مؤشر على أن التدفقات الاستثمارية باتت تتجه نحو سوق بكر تبدو العوائد فيه مغرية، كما كانت العوائد العقارية في دبي خلال السنوات الخمس الأولى من الألفية الجديدة. وبرز في الآونة الأخيرة منافس يستقطب الاستثمارات الخارجية، وبشكل خاص الخليجية، لا كما أبوظبي التي دشنت المشاريع العقارية في البداية بأموال الامارة، ففي امارة عجمان تتدفق الأموال من كل حدب وصوب على القطاع العقاري رغم محدودية مساحة الأراضي التابعة لها، اذ أعلن خلال نحو شهر فقـط عن استثمـارات بقيمة 300 ملـيـار درهم (90 مليار دولار) كان أكبرها مشروع مدينة الزوراء ذو الـ 220 ملياراً. كما أن هناك مشروع مدينة برجال باستثمارات سعودية ــ اماراتية تزيد على 15 مليار درهم، و13 مليار درهم أخرى من شركة واحة عجمان الشركة الشقيقة لشركة دبي للاستثمار.
واذا كانت المشروعات السابقة بأموال عربية وخليجية واماراتية، فان هناك 7،3 مليارات درهم (ملياري دولار) ستضخهما مجموعة laquo;بي.كي.انraquo; الأميركية ضمن مشروع منتجع الأميرة.
واللافت في مشاريع عجمان الكبرى انها في الغالب ما تكون شراكة laquo;50 لـ 50raquo; مع الشركات الكبرى المطورة.

استقرار قطاع التأجير
أعلنت مؤسسة التنظيم العقاري في دبي استعدادها لتسجيل عقود الايجار عبر نظام الكتروني متطور في خطوة اعتبرتها ركيزة أساسية لبناء سوق ايجارات مستقر في الامارة. وقال مدير عام دائرة أراضي وأملاك دبي سلطان بن بطي ان الدائرة والمؤسسة تعملان على laquo;ايجاد آليات وضوابط جديدة بهدف جعل الاستقرار في الايجارات سمة من سمات المدينةraquo;، وتابع القول ان هناك خططاً ودراسات وخطوات عملية بهدف ايجاد الضوابط لمعالجة مشكلة الارتفاعات في القيمة الايجارية بشكل جذري وتوقع أن ترى النور في عام 2009.
وكان نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أمر في عام 2006 بتحديد زيادة بدل الايجارات بـ 15 في المائة ثم تدخل للمرة الثانية فأمر بتخفيض الزيادة المسموح بها في عام 2007 الى 7 في المائة ثم تحديدها بـ 5 في المائة نهاية العام الماضي.

ضمانات لـ 476 مشروعاً
قال المدير التنفيذي لمؤسسة التنظيم العقاري في دبي المهندس مروان بن غليطة إن المؤسسة اعتمدت حتى مايو الماضي 710 شركات عقارية في سجل المطورين العقاريين، فيما بلغت قيمة حساب الضمان المفتوحة في 33 بنكا المعتمدة من دائرة الأراضي والأملاك نحو أربعة مليارات درهم لـ 476 مشروعا عقاريا. وأفاد ابن غليطة بان المؤسسة سجلت 1650 مشروعا عقاريا قيد التنفيذ حتى الآن، واوضح ان عدد مكاتب الوساطة العقارية المسجلة بلغ 1487 مكتبا، بالاضافة إلى 2909 وسطاء عقاريين.
وفي سياق ترتيب بيت العقارات في الإمارة، شددت دائرة الأملاك والأراضي في دبي على انها لن تسجل أي صفقات تملك جديدة اعتباراً من نوفمبر المقبل، الا من مطورين ووسطاء معتمدين من مؤسسة التنظيم العقاري.