عبد المحسن بن إبراهيم البدر
يبدو أن العالم يدخل مرحلة جديدة سياسيا واقتصاديا في كل يوم تطلع فيه الشمس، لدرجة أننا نتوقع تغيير جديدا مع كل نشرة أخبار على رأس كل ساعة، وتسارع التغييرات أصبح يحمل انعكاسات كثيرة تصل إلى جميع أفراد المعمورة على جميع مستوياتهم، ويأتي ذلك بسبب العولمة الاقتصادية والثقافية والترابط الكبير بين دول العالم، ما يجعل التجارة الدولية تنقل التأثيرات وكأنها تنقلها إلى مدن داخل اقتصاد واحد.
ولعل من أهم التطورات السياسية التي أصبحت محط أنظار المراقبين لما يمكن أن تحمله من تأثيرات مستقبلية على المستويين السياسي والاقتصادي بشكل خاص هو التدخل العسكري الروسي في جورجيا خلال الفترة القريبة الماضية، الذي أدى إلى قيام الولايات المتحدة بدعم جورجيا وشحن المجتمع الدولي ضد روسيا والتبعيات السياسية التي لحقت التي لا يتسع المجال لذكرها. وأصبح الترقب العالمي في إجابة السؤال المطروح عن إمكانية دخول أمريكا وروسيا الجديدة في حرب باردة جديدة؟ وكيف سيكون شكل تلك الحرب؟

ومن وجهة نظر اقتصادية، فإن هذه الحادثة قد تقودنا إلى حرب باردة ثانية بعد أن ربحت أمريكا الحرب الباردة الأولي التي بدأت بعد نهاية الحرب العالمية منتصف الأربعينيات الميلادية وانتهت بتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1990، وأسفرت عن تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة العالمية، ولعل المشاهد التي نراها اليوم تذكرنا بما كان يحدث بين القوتين العظميين خلال تلك الفترة من التركيز على السباق محموم للتسلح والدخول في حروب مختلفة، وهو ما أثر إلى حد ما في النمو الاقتصادي العالمي، ولعل أكبر النتائج التي خرجت للعالم المدني بعد أن حرم منها خلال فترة الحرب هو التطور الكبير في التقنية والاتصالات التي نتجت عن سباق التسلح ولعل أهمها الإنترنت.
ولا شك أن تطور الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب الباردة أصبحت بشكل كبير يصب في مصلحة أمريكا كقوة مسيطرة على العالم، وما تبع ذلك من ظهور منظمة التجارية العالمية الذي يخدم إلى حد كبار مصالح الدول الرأسمالية على رأسها أمريكا وحلفائها. وعلى الرغم من التغير الكبير في تركيبة الحرب الباردة المتوقعة عن سابقتها من حيث التركيبة السياسية - الاقتصادية العالمية يعطي مؤشرات مختلفة عن توقعات نتائجها، فعلى سبيل المثال وجود الاتحاد الأوروبي كوحدة اقتصادية وسياسية يجعل ميزان القوى يميل بشكل واضح في حال تبني الاتحاد الأوروبي الرأسمالي موقف من هذه الحرب، وهذا الاتحاد الأوروبي أيضا يستورد 60 في المائة من احتياجاته البترولية من روسيا الرأسمالية التعامل الشيوعية التاريخ، خصوصا أن سعر برميل البترول اليوم يختلف كثيرا عن سعره إبان الحرب الباردة الأولى عندما كان سعر البترول دولارات معدودة على أصابع اليد، بينما هو اليوم يتجاوز المائة دولار. لذلك فإن هناك متغيرات اقتصادية ستلعب دورا مؤثرا في لعبة الحرب الباردة إذا ما حدثت، ما سيجعلها مختلفة عن الحرب الباردة التقليدية الأولى التي عاشها العالم، وفي نفس هذا السياق فإن ظهور قوى اقتصادية جديدة كالصين والبرازيل والهند سيضيف للمعادلة الكثير من التعقيد بما يمكن أن تضيفه تلك الدول لميزان القوى الجديد.
أياً كانت المعادلة في الحرب الباردة، فإن هناك شيئا مؤكدا أنها ستحمل تأثيرات سلبية في النمو الاقتصادي العالمي، وقد تحرم المجتمع الدولي من اختراعات واكتشافات مهمة بسبب تركيز الدول على الحاجيات الضرورية التي تخدم أهداف المرحلة، وعندها فإن البحث والتطوير للأغراض المدنية سيكون في ذيل قائمة الأولويات للدول المتناحرة وللدول المرتبطة بها بغض النظر عن أي معسكر تتبع.