أحمد جمال -أبوظبي: في حين أن العالم اجتمع في كوبنهاغن لمناقشة واعتماد طريقة للمضي قدماً نحو تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، نرى العراق، وخاصة منطقة البصرة، تواجه زيادة هائلة محتملة في انبعاثات غازات الدفيئة.
إن معظم حقول النفط العراقية، وتقريباً كل الحقول الواقعة في محافظة البصرة، لديها كميات هائلة من الغاز المصاحب. ومما لا شك فيه أن خطط زيادة إنتاج النفط في العراق سوف تؤدي إلى زيادة الكمية الإجمالية لانبعاثات غازات الدفيئة. ومع ذلك، فإن القرار بيد العراق لتخفيف انبعاثات الكربون إلى أدنى حدّ ممكن، فهذا أمر يمكن تحقيقه، طالما أن العراق قادر على احتجاز واستخدام كل الغاز المصاحب في حقول النفط، والذي يتم حالياً حرقه في معظم الأحيان.

لكن المعضلة هي أن العراق بحاجة لزيادة إنتاج النفط، لأن النفط هو المصدر الأول لمداخيله وإيراداته، وهذه الإيرادات قد تساعد على تحقيق الاستقرار في البلاد. وفي الوقت نفسه، فإن زيادة إنتاج النفط سوف تزيد من إنتاج الغاز المصاحب. ونظراً إلى عدم وجود مرافق كافية لاحتجاز هذا المورد، فإنه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الحرق وفي انبعاثات غازات الدفيئة. وهذا ليس فقط أمراً يضرّ البيئة، ولكنه يعتبر أيضاً هدراً لمورد ذي قيمة عالية.

إن العراق يحتل المرتبة الرابعة عالمياً بين البلدان التي توجد فيها أكبر كميات من الغاز الذي يتم حرقه (حسب بيانات البنك الدولي 2008). فبعد روسيا ونيجيريا وإيران، يعتبر العراق أحد أضخم مصادر الانبعاثات. وإذا لم تكن خطط زيادة إنتاج النفط مصحوبة بعمليات مناسبة لاحتجاز الغاز، فإن العراق يمكن أن يرتفع بسرعة ضمن هذه القائمة ويحتل المرتبة الثانية فيها. ولا سيما أن روسيا ونيجيريا قد وضعتا مسبقاً خططاً لتخفيض معدلات حرق الغاز لديهما، وهما تحصلان على دعم من quot;المبادرة العالمية لتخفيض حرق الغازquot; التابعة للبنك الدولي. لقد أبدى العراق اهتماماً بالانضمام إلى هذا المشروع، ولكنه يحتاج الكثير من التخطيط على مستوى البلد كله، مع تطوير للسياسات اللازمة.

هذا وقد أظهرت بيانات العام 2006 أن العراق يصدر انبعاثات تناهز 90 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ في السنة، وهذا رقم لا يزال بعيداً من البلدان الأكثر استهلاكاً للطاقة، مثل الولايات المتحدة والصين والهند، وأقل من معظم الاقتصادات الأوروبية. ومع ذلك، ففي حين أن الاقتصادات الغربية دأبت منذ فترة طويلة على مناقشة وتنفيذ أساليب (ليست دائماً فعالة) للحدّ من الآثار البيئية لثاني أكسيد الكربون، فإن العراق لا يزال على الجانب الآخر من الطيف، لأنه بحاجة لارتفاع هائل في إنتاج الطاقة من أجل تلبية الاستهلاك الداخلي.

ولتخفيض معدلات انقطاع التيار الكهربائي التي تحدث بشكل متكرر في محافظة البصرة، يحتاج العراق إلى وقود فعال وموثوق لتشغيل محطات توليد الكهرباء. وهذا الوقود جاهز ومتوفر، ولكن يتم إهداره بلا داع من خلال عمليات حرق الغاز. إن الغاز هو أقل الوقودات احتواءً للكربون بين كل مصادر الهيدروكربونات غير المتجددة. وإنها لمفارقة أن نرى العراق يهدر الكثير من هذا الوقود، بينما يستورد السلع والمنتجات الهيدروكربونية الأخرى (مثل غاز البترول المسال).

من الضروري أن يقوم العراق بتطوير خطط للاستفادة من حرق الغاز بصورة فعالة. إن تطوير السياسة المناسبة هو مجرد جانب واحد من المسألة، ولكن الأهم من ذلك أن إعادة تأهيل المنشآت الحالية لاحتجاز ومعالجة الغاز، فضلاً عن بناء منشآت جديدة، هي أمور باتت أكثر إلحاحاً.

إذ إن إعادة تأهيل المرافق القائمة سوف تسمح حتماً باحتجاز جزء من الغاز المصاحب والاستفادة منه في الحقول العملاقة في غرب القرنة والرميلة والزبير. وللقيام باحتجازه كله والاستفادة منه، ينبغي تطوير منشآت حديثة للغاز تكون مخصّصة لهذا الغرض. ويمكن لشركات جديدة أن تساعد في احتجاز الغاز المصاحب ومعالجة هذه المشاكل المتمثلة في احتجاز الغاز، وإعادة تأهيل وبناء مرافق جديدة، ومعالجة الغاز ونقله عبر أنابيب إلى محطات توليد الكهرباء، وإلى غيرها من المراكز الصناعية والمجمعات السكنية، مع القيام في الوقت نفسه بتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، ووقف استيراد غاز البترول المسال.

إن البيانات التقديرية لعمليات الحرق تشير إلى أن نحو 700 مليون قدم مكعب قياسي يتم إهدارها يومياً. وهذا الرقم يعادل تقريباً 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة. ولتوضيح هذه الأرقام، فإن 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون يعادل الانبعاثات من حوالي أربعة ملايين سيارة ركاب في السنة.

لقد تم مسبقاً احتجاز نحو 130 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز يومياً عن طريق سلسلة من محطات توليد الكهرباء الصغيرة، مع نطاق صغير لإعادة تأهيلها، ومع تغييرات طفيفة في المحطات وخطط لزيادة كفاءة استهلاك الطاقة، مما أدى إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الإجمالية بنسبة تقارب 20٪.

أما اليوم، ومع عقود الترخيص الأولى التي منحت مسبقاً، وخطط مواصلة زيادة إنتاج النفط، فإن الإنتاج المقدّر للغاز المصاحب في الحقول يمكن أن يصل إلى 2.500 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم، وفقاً لتقديرات تستند إلى مراحل الإنتاج الثابت المطلوبة التي تتضمن كمية الغاز المستمدة من أدنى شروط الترخيص المرجعية.

لا توجد في الوقت الحالي مرافق أو منشآت تستطيع أن تحتجز وتستفيد من هذه الكمية الإضافية من الغاز. وإذا لم يتم احتجاز هذا الغاز، فإن صافي الانبعاثات عندئذ يمكن أن يصل إلى ما يقرب من 70 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وفقط من حقول غرب القرنة والرميلة والزبير في محافظة البصرة.

هناك أيضاً فرصة لاحتمال تطبيق آليات المتاجرة على أساس بروتوكول كيوتو quot;القديمquot;. فكل طن من ثاني أكسيد الكربون يتم حفظه، يمكن تحويله الى quot;شهادات خفض الانبعاثاتquot;، التي يمكن أن تساعد على الاستثمارات الضرورية اللازمة لإخماد عمليات الحرق.
ومن خلال إعادة تأهيل المنشآت الحالية للغاز وتطوير منشآت جديدة إضافية، فإن العراق بشكل عام، ومنطقة البصرة بشكل خاص، ستكون لديها فرصة فريدة لوضع اللبنات الأولى لاحتجاز مورد قيّم جداً والاستفادة منه بأفضل طريقة ممكنة.