ميرفت أبو جامع من غزة: بينما يقترب الاحتفال بيوم العمال العالمي في كافة أنحاء العالم، فان عمال قطاع غزة لا يشعرون بهذا اليوم، بل انه يثير فيهم الشجون، ويفتح لهم جروحا تنزف، وطال عمرها دون علاج ، إذ حرمتهم إسرائيل منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، من العمل داخل أراضيها، وأغلقت كل أبواب العمل في وجوههم الكادحة، وقد كانت وجهتهم الوحيدة في ظل ضعف الاقتصاد الفلسطيني، وعدم قدرته على تشغيل أيد عاملة كبيرة، بفعل الأزمات التي تمر بها فلسطين، ولم تكتف بذلك، بل حاصرتهم في غزة ودمرت المصانع والمنشآت وصبغت حياتهم بالألم والحاجة، حتى بات الوقوف على أبواب المؤسسات، قبلتهم الوحيدة، بعد أن كانوا يحصّلون لقمة عيشهم بكدهم وعرق جبينهم .

واستمرارا لمسلسل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والتي طالت الشجر والبشر والحجر، حيث قامت إسرائيل بتاريخ الأول من يناير بحرمان العمال، الذين عملوا لعشرات السنين وأصيبوا لدى العمل في أراضيها، من مستحقاتهم التأمينية المالية، تحت مبررات عدم التعامل مع بنوك غزة، ودون إبداء أسباب واضحة ومقنعة، الأمر الذي تسبب في تردي الأوضاع المعيشية لنحو 1500 عامل في قطاع غزة، من معاقين ومرضى بفعل إصابات العمل في إسرائيل، ووقف التأمين الوطني الإسرائيلي لمستحقاتهم المالية التي تقدم كل شهر لهم.

العامل يونس المصري من بيت حانون شمال قطاع غزة أصيب في العام 1983 إصابة بالغة بسبب حادث سير في طريقه إلى عمله داخل إسرائيل، بعدها فقد القدرة على الحركة وعانى ، ولا يزال يعاني من مشاكل جمة في القدمين والقدرة على المشي بنسبة عجز تصل إلى 57 % ، وزيادة النسبة بسبب مضاعفات عدم علاجه المناسب .ويعيل المصري أسرة تتكون من 15 فردا، جلهم من طلبة الجامعات والمدارس، وتقول ابنته نور المصري :quot; توجهت في شهر يناير الماضي إلى بنك فلسطين المحدود في غزة من اجل أن اقبض راتب والدي من مخصصاته التأمينية، التي يحصل عليها كل شهر وتحول التأمين الوطني الإسرائيلي عبر البنوك الإسرائيلية إلى غزة، إلا أنني تفاجأت أن موظف بنك فلسطين يقول:quot; بان لا توجد أموال تخص تأمينات العمال ولم يصلنا شيءquot; وتضيف :quot; فعدت مصدومة لأسرتي التي ظنت أن الأمر يتعلق بفترة زمنية، لا تتعدى أياما قليلة، ولكن الشهر أصبح ثلاثة ولا شيء في الأفقquot;.

التسول فزاعة أسر العمال

وأكثر ما تخشاه نور بأن تتسول وأسرتها التي تعتمد على المبلغ الذي تحصله من مستحقات التأمين ويقدر ب 3000 آلاف شيكل إسرائيلي ما يعادل quot; 700 دولارquot;، لإعالة 15 فردا من أفراد أسرتها، لا يملكون مصدر دخل آخر، ولا يجدون عملا في قطاع غزة المدمر بفعل الانتهاكات الإسرائيلية .وتشرح معاناتها التي لم يستطع والدها قولها بسبب إعاقته:quot; انه بناء على راتب والدي لم نتلق مساعدات من المؤسسات الخيرية أو من المؤسسات الحكومية وتضيف :quot; كان المبلغ يسترنا من الفقر والحاجة أما اليوم في ظل مرور أربعة أشهر على حرماننا منه فان أوضاعنا تزداد سوءا ومستقبلنا يتهدده الفقر والتسول سيكون طريقنا الوحيد .

والد نور لايزال يتناول علاجا يكلفه 500 شيكل شهريا ما يعادل quot;130 دولاراquot; . عدا عن تناوله غذاء بتوصية طبيب لان لديه مشاكل في الطحال نتيجة الإصابة، وتتساءل من أين سنحقق له ذلك؟ وقد فقدنا المبلغ الذي كنا نتعكز عليه في أوضاعنا المتعسرة هذه؟، خاصة أننا لم نكن ندخر منه، شيئا فهو بالكاد يكفي مصاريف عائلتنا الكبيرة ولم نفكر أن يقطع بأي لحظة عنا quot;..ويتهم العامل أبو رامي المصري quot; 52 عاماquot; إسرائيل بالزج بحقوقهم المالية في أتون الصراع السياسي القائم، بل ويحملها المسؤولية الأولى عن تدهور أوضاعهم المعيشية بسبب حرمانهم من مستحقاتهم المالية، ويقول أبو رامي للإسرائيليين :quot; انتم لا تتفضلون علينا هذه حقوقنا المكفولة بموجب القوانين والمواثيق الدولية وقوانينكم للعمل وحقوق العمال والتأمينات ، ويزيد :quot; بأنه للمرة الأولى منذ 13 عاما يتأخر وصول الرواتب إلى العمال وتساءل بمرارة وألم :quot; لماذا يتوقف راتبنا فلا دخل لنا بالسياسة،و لماذا تربط إسرائيل قضيتنا بالسياسة، هل مطلوب منا البحث عن شاليط لتعود حقوقنا ؟.

ويحمل أبو رامي ومجموعة عمال التقتهم إيلاف في غزة على الإعلام الفلسطيني بعدم تجاوبه لمعاناتهم ولقضيتهم في حين وجدوا اهتماما أكثر من وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث استضافتهم في لقاءات عبر الإذاعة الإسرائيلية والقناة الثانية الإسرائيلية وعبر صفحات الصحف الإسرائيلية .

ما ذنبنا ؟؟

ويتساءل العامل فايز مصلح من غزة، وهو في العقد الرابع من عمره،عن الذنب الذي اقترفه حتى يحرم من المستحقات التأمينية، جراء إصابته في يده نتيجة عمله في محل لتصليح البناشر في داخل إسرائيل،و فقد على أثرها القدرة على العمل وإعالة أسرته المكونة من 10 أفرادquot;.وبحسب أبو رامي فإن عدد العمال يبلغ 632 جلهم من المعاقين أو آخرين ماتوا بحوادث عمل وتركوا خلفهم أطفالا أيتاما، يتقاضون راتبهم من المخصصات التأمينية التي تصلهم كل شهر من التأمين الوطني الإسرائيلي عبر البنوك الإسرائيلية فيما تسجل وزارة العمل نحو 1500 عامل.

ضحية الانقسام والصراع الإسرائيلي

ولا يدري هؤلاء العمال الذين يدركون تماما، أن أحدا لا يلتفت إلى معاناتهم بل والى معاناة الآلاف المؤلفة من العمال في قطاع غزة الذين يتقلبون على جمر الفقر والحاجة والبطالة ولا يوجد أفق لحل قضيتهم، بل لا أحد يعيلها أي اهتمام، لا السلطة الوطنية في رام الله ولا حكومة غزة، قد بحثت عنهم، ولا يعرفون اليوم إلى أين يتوجهون بعدما غير الانقسام وجهة الأشخاص الذين كانوا حلقة وصل بينهم وبين أرباب العمل والتأمينات الإسرائيلية، فيما ترفض إسرائيل التعامل مع الجدد في حكومة غزة التي تسيطر عليها حركة حماس، وباتوا ضيوفا على ضحايا الانقسام، لذا تقتلهم الأسئلة حول :quot; هدف إسرائيل من وراء زجهم في صراع ليس لهم يد فيه، ومحاولة سرقة مستحقاتهم وسنوات كدهم وعملهم العجاف في سوق العمل الإسرائيلية، وكذلك عن الجهة التي من المفروض أن يتوجهوا لها بمطالبهم مؤمنين أن إسرائيل لم تتجرأ على سرقة أموالهم، إلا حين ضعفت الحكومات الفلسطينية في حمايتهم لانشغالها في صراعاتها الداخليةquot;.

تقول نور :quot; توجهت بمفردي إلى مراكز حقوقية والى وزارة العمل الفلسطينية في غزة والى وسائل الإعلام ولم أجد أي استجابة للان لنا ،وتتساءل :quot; هل علينا تسليم شاليط كي نسترد حقوقنا ، لقد مر قطاع غزة بأزمات كثيرة لمَ تأتي إسرائيل في هذه الأوقات وتحرمنا من حقوقنا؟، خاصة أننا للتو خرجنا من أجواء حرب أخذت اليابس والأخضر ، تتنهد وتضيف :quot; مستقبل أخوتي من طلاب الجامعات مهدد، كما أن صحة والدي جراء ذلك ستتراجع اذا فقد غذاءه الذي تعود عليه وعلاجه الباهظ التكاليف.

أما أبو رامي فقد فضل التحرك لدى مؤسسات إسرائيلية داخل إسرائيل ويقول :quot; أنا والد أسير محكوم ب 40 عاما في السجون الإسرائيلية ولدي علاقات داخل إسرائيل مع مؤسسات كما أجيد اللغة العبرية بطلاقة فاتصلت في مؤسسة quot; معا للنقابينquot; وتعنى بحقوق العمال داخل إسرائيل وهي قامت بالاتصال بالإعلام الإسرائيلي الذي اهتم بقضيتنا أكثر من أبناء جلدتنا! ، ويشير إلى انه حاول كثيرا الاتصال بالتأمين الوطني الإسرائيلي وفي كل مرة لا يجد إجابة .

مستقبل مهدد

وتبدو قصة أم عبد الله الأرملة أكثر مأساة إذ إنها منذ الثمانينات تتقاضى راتب التأمين الإسرائيلي عن زوجها الذي قتل بحادث عمل داخل إسرائيل وترك لها مسؤولية 15 فردا ، وتضيف أن أسرتها تعيش على راتب زوجها فلديها طالبتان تدرسان الماجستير في غزة، وابن لها يدرس الطب في رومانيا وهؤلاء مهدد مستقبلهم حيث لم تستطع أن ترسل لابنها رسوم الجامعة هناك التي ينتظرها منذ أشهر .

ويطالب العمال مجتمعين إسرائيل بالعدول عن قرارها عدم التعامل مع البنوك الفلسطينية وان كان ذلك لماذا تصل رواتب موظفي السلطة وتمنع رواتبهم من الوصول لبنوك غزة ، ويدعون التأمين الوطني الإسرائيلي للبحث عن طريقة أخرى من اجل التواصل مع العمال وإرسال مستحقاتهم لهم وعدم الزج بهم في الصراع السياسي .يقول أبو رامي :quot; أن هناك ألف طريقة بديلة من اجل إيصال مستحقاتنا إلينا على التأمين الوطني الإسرائيلي أن يبحث عن هذه الطرق، بينما تقترح أم عبد الله أن يتم إرسالها عبر بنك ايرز كما كان في السابق ذلك ويطرح فايز مصلح أن يتم إرسالها عبر البريد .

مؤامرة لسرقة المستحقات

ويحذر النقابي أسامة زعيتر رئيس دائرة علاقات العمل في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في مقال له منشور على الانترنت، من محاولات إسرائيل سرقة مستحقات عمال غزة وذلك بعد إصدار إسرائيل قرارات سياسية تمنع من التعامل مع غزة باعتباره كيانا معاديا وقطع البنوك الإسرائيلية لتعاملاتها وتنصل أرباب العمل الإسرائيليين من حقوق العمال ,مشيرا إلى أن المحاكم الإسرائيلية أصبحت ترد الملفات المقدمة ضد المشغلين وتحرم العمال من حقوقهم , ويؤكد زعيتر في مقاله أن هذا مس واضح بحقوق آلاف العمال الذين عملوا في سوق العمل الإسرائيلي عشرات السنين ولهم ملايين الشواقل من الحقوق .

ويؤكد زعيتر وجود مؤامرة جديدة تستهدف سرقة مستحقات العمال يتعاون فيها القضاء الإسرائيلي والحكومة والبنوك الإسرائيلية ووزارة العمل الإسرائيلية والكنيست ونقابات العمال ( الهستدروت )التي تدعي أنها تعمل لنصرة وإنصاف حقوق العمال وتتخذ موقفا سلبيا إزاء ذلك استمرارا لسياستها العنصرية ضد العمال الفلسطينيين .