مع العام الجديد 2010 يدخل الأردن في نطاق فرصة سكانية استثنائية، تستمر حتى العام 2050، وسيمكِّن استغلالها من تحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق مستوى حياة أفضل للأردنيين. وتضع هذه الفرصة التي استغلتها دول من قبل، وتمكنت من تجاوز الكثير من عثرات التنمية، أمام ارتفاع نسبة الأردنيين في سن العمل على نسبة المعالين من الأطفال وكبار السن، ومن ثم فإن هذا المعطى الحسابي الديمغرافي، سيشكل بؤرة تنموية حيوية، إذا ما تم استثمارها.

عمان:أطلق الأردن اليوم الاثنين تحت رعاية رئيس الوزراء quot;وثيقة سياسات الفرصة السكانية في الأردنquot; والتي تهدف تحقيق واستثمار الفرصة السكانية لما لذلك من آثار ايجابية على تحسين مستوى حياة المواطنين ونوعيّتها، وزيادة معدلات التشغيل وخفض معدلات البطالة، والعيش بمستويات متقدمة نسبيًا من التنمية والحصول على وفورات اقتصادية ايجابية في جوانب عديدة،ولعلّ من أبرزها قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.

وتظهر الفرصة السكانية في المجتمع عندما يبدأ نمو الفئة السكانية العاملة (الأفراد في الأعمار 15-64 عامًا) بتجاوز نسبة نمو فئة المعالين من السكان وهم الأطفال دون سن الخامسة عشر وكبار السن فوق عمر 64 عامًا، ما سيؤدي إلى انخفاض نفقات خدمات الطفولة وكبار السن، وسنسهم بزيادة دخل الأفراد والأسر. وسيؤدي ذلك إلى خلق فائض مادي قد يتاح استثماره، كما سيترك هذا الوضع متسعًا للمرأة لتدخل إلى ساحة العمل فيتعزز دخل الأسرة ولكن بالتزامن مع تواصل الانخفاض في معدلات الإنجاب، مما سيوفر فائضا للاستثمار، بشرط أن تكون المملكة مستعدة من خلال إيجاد بيئة مناسبة لاستغلال الفرصة السكانية وللسياسات المتعلقة بها ودعم القرارات اللازمة لتحقيقها.

وقال الدكتور جعفر حسان وزير التخطيط والتعاون الدولي إن الفرصة السكانية التي يقف الأردن اليوم على أعتابها تمثل تحدّيًا تنمويًا مهمًّا، فالوصول إليها ليس هو الهدف بحد ذاته، بل الاستفادة منها هي الأهم والأجدى ويتم ذلك من خلال رصدها ومتابعتها والتخطيط والإعداد الجيد والمسبق لها، وتوفير السياسات والبيئة الملائمة حتى نتمكن من حسن استغلال تلك الفرصة.

وعملت وزارة التخطيط والتعاون الدولي ومن خلال رئاستها للجنة التوجيهية للفرصة السكانية جنبًا إلى جنب خلال الفترة الماضية مع المجلس الأعلى للسكان والوزارات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والقطاع الخاص والقطاع الإعلامي والأكاديمي لإعداد وثيقة سياسات الفرصة السكانية، والتي اشتملت على سياسات الإسراع بالتحول الديموغرافي والوصول إلى الفرصة، سياسات الاستفادة من عوائد الفرصة، وسياسات الحماية الاجتماعية والإعداد لمرحلة ما بعد الفرصة.

وتم دمج ما تضمنته وثيقة سياسات الفرصة السكانية في البرنامج التنفيذي التنموي حيث تم ترجمة سياسات الفرصة إلى أنشطة ومشاريع في كل من محور الصحة، الرفاه الاجتماعي، والتدريب والتشغيل، والتعليم، وذلك بهدف تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الأردني، على أن يتم رصدها من خلال مؤشرات لقياس الأداء التزمت بها الوزارات والجهات المعنية بالتنفيذ، وتماشت أهداف هذه المؤشرات مع أهداف الأجندة الوطنية.

وأضاف أن من أهم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الايجابية الناجمة عن الفرصة السكانية كما بينت تجارب دول مختلفة، تعاظم حجم قوة العمل مما قد يسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاع مستوى الادخار لدى الأسر نتيجة انخفاض حجم الأسرة، إتاحة مصادر إضافية إلى تمويل المشاريع الاستثمارية، تحسن صحة الأبناء نتيجة تحسن مستوى التعليم والتغذية والأحوال المعيشية والمسكن وتزايد الاستثمار والإنفاق على الصحة، تعزيز مكانة الإناث وصحتهن.

وتقوم الوثيقة على اقتراح ثلاث سياسات لتحقيق واستثمار الفرصة السكانية وتعظيم الاستفادة من التغيرات التي تصاحبها أولها سياسة الإسراع بالتحول الديموغرافي والوصول إلى فترة لفرصة السكانية من خلال الاستثمار في الصحة والتعليم والتعليم العالي وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة.

وتركز السياسة الثانية المقترحة على الاستفادة من عوائد الفرصة السكانية بتوسيع سوق العمل ومرونته والانفتاح الاقتصادي وتعبئة المدخرات وحفز الاستثمار والحماية الاجتماعية أما السياسة الثالثة فإنها تعنى بالإعداد لمرحلة ما بعد الفرصة السكانية ومنها استحداث تأمينات جديدة (تأمين التعطل عن العمل، تأمين الأمومة) وغيرها.

وقاتل د. رائدة القطب أمين عام المجلس الأعلى للسكان أن سياسة ترشيد الإنجاب ستسهم في العام 2030 بتخفيض عدد سكان الأردن إلى نحو 1.4 مليون نسمة، وفي العام 2050 إلى نحو 4.6 مليون نسمة، وهذا بدوره سينعكس على حجم الاحتياجات السكانية في كافة المجالات، وسيؤدي إلى تغّير التركيب العمري، بحيث ستنخفض نسبة الأطفال إلى ربع السكان وتنخفض نسبة الإعالة العمرية إلى 45 فردًا لكل مئة فرد في أعمار القوى البشرية لتصبح قريبة مما هي في المجتمعات المتقدمة من دون حصول ارتفاع في إعالة كبار السن كما هو الحال في تلك المجتمعات.

وأضافت أن هذه المنفعة ستؤدي إلى انخفاض نسبة الأفراد في سن التعليم وأعدادهم، وتحديدًا في مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الأساسي في الأجل القصير، وفي مراحل التعليم الأخرى في الأجل المتوسط والبعيد. وأكدت أنه نتيجة لذلك، فإن حجم المنافع الاقتصادية التي سنحققها إذا ما أحسنا استغلال الفرصة السكانية، سيدفع إلى رفع حجم قوة العمل مما سيسهم بتحريك عجلة الاقتصاد ورفد سوق العمل بالأيدي العاملة المؤهلة والمدربة في حال طبقت السياسات المتعلقة في التعليم والتدريب وتأهيل الكوادر العاملة من خلال برامج مدروسة لتلبية احتياجات السوق.