يبدو أن إسرائيل وقعت في مأزق يضاف إلى سلسلة كبيرة من إخفاقاتها، ميدانياً وسياسياً، فمقترح الهدنة الجديد الذي قدمته مصر وقطر، ودعمته الولايات المتحدة، قوبل برفض مباشر من نتنياهو، وحكومته اليمينية، ليس قولاً فحسب؛ بل بالمضي في اجتياح رفح، والسيطرة على المعبر مع مصر؛ حيث تجاهلت إسرائيل المخاوف العالمية كافة، وفي مقدمتها القلق الأمريكي الذي وإن تماهى معها في كل شيء، إلا أنه اعتبر هذه الخطوة غير محبذة راهناً؛ لكونها مقدمة لارتكاب مذابح في ظل اكتظاظ المنطقة بالسكان، والنازحين.

بدء اجتياح رفح يؤكد أن نتنياهو، وحكومته، كانا يشتريان الوقت ليس إلا، وما وفود التفاوض «معدومة الصلاحيات» التي تطير إلى عواصم الوساطة إلا ذرّ للرماد في العيون؛ إذ إن رفض مقترح الهدنة المتقارب جداً مع رؤيتهما سابقاً، يُظهر جلياً أن إسرائيل تراوغ، وأنها لا تريد أي حل، مهما كان، حتى لو أذعن لها الفلسطينيون كافة، فهي معنية باستمرار الحرب، وارتكاب مزيد من المجازر، كما أنها تضرب بالوساطة برمّتها، عرض الحائط، من دون أن تُقيم وزناً لحليفتها الاستراتيجية واشنطن، التي لم تتوانَ يوماً عن دعمها على الصعد كافة، إن كان عسكرياً عبر جسر جوي، أو سياسياً في كل محفل دولي، أو اقتصادياً.

الخطوة الإسرائيلية باقتحام رفح، فضحت ادعاءات نتنياهو، وما اختياره للمضي قدماً في الحرب إلا محاولة للتغطية على إخفاقه، لأن قبوله للهدنة كان يعني أن أهدافه التي وضعها منذ بدء الحرب ذهبت أدراج الرياح، سواء بالقضاء على الفصائل الفلسطينية، أو استعادة إدارة القطاع أمنياً، أو تغيير الواقع الذي كان عليه القطاع قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الأمر الذي يعني سقوطاً مدوياً له، خصوصاً أن صمود حكومته قائم على اليمين المتطرف الذي لا يرى أمامه غير الحرب، وقد هددوا أكثر من مرة، أن أي تسوية تعني سقوط الحكومة، وعندئذ سيجد نتنياهو نفسه أمام المُساءلة القضائية حول إخفاقات هجوم أكتوبر الماضي، لكن نتنياهو بخطوته تلك نسي أنه سيصطدم بشكل مباشر مع واشنطن التي من المؤكد أنها ستمسك العصا من المنتصف، فهي من جانب قد تتخلى عن نتنياهو كشخص للتخفيف من الضغط الكبير على إدارة البيت الأبيض، محلياً وعالمياً، خصوصاً من الوسطاء، ومن جانب آخر ستستمر في دعمها لإسرائيل كدولة، لأنها تُعِدّ ذلك خياراً استراتيجياً لها، وليس وارداً في أبجديات الإدارة الأمريكية التخلي عن تل أبيب، مهما حدث.

إسرائيل تحاول خلق ردع جديد، ولفشلها في ذلك، تتصرف بجنون، محاولة الخروج من مأزقها بسفك مزيد من الدماء، ولن ينهي هذه المقتلة سوى حزم عالمي صارم يمنع نتنياهو، وحلفاءه، من الاستمرار في تعصّبهم الأعمى.