مع اقتراب اتخاذ إسرائيل قراراً لاقتحام آخر موقع كبير لحركة "حماس" في قطاع غزة، أي بمعقلها في رفح، تتصاعد التحذيرات الدولية بما فيها في العالم العربي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أن هذه العملية ستؤدي إلى حرب أكبر في المنطقة. وتطالب المواقف العربية الرسمية بوقف إطلاق النار، بينما إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضغط على إسرائيل لقبول اتفاق سياسي جديد يبدأ بوقف إطلاق نار، لكنه يتطور إلى حوار سياسي تديره قوة ثالثة يؤدي إلى محادثات شبيهة باتفاقيات "أوسلو" للوصول إلى حل الدولتين.

الموقف الإيراني يركز على حماية "حماس" عبر وقف إطلاق النار، والبدء بعملية حوارية طويلة تتمكن الحركة من خلالها أن تعيد تنظيم وتسليح نفسها تمهيداً لعودتها إلى كامل القطاع بعد أن تلتزم إسرائيل وقف إطلاق النار، ويأتي موقف "حماس" في إطار الخطة الإيرانية الشاملة التي ترتكز على كسب الوقت. فطهران تريد فقط أن تحمي القدرة العسكرية لـ"حماس" من ناحية، وإبقاء الميليشيات الأخرى في لبنان وسوريا والعراق واليمن على استعدادها، وأن تستمر القيادة الإيرانية بالتفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني والحصول على الأموال، أي إن طهران تريد العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، أي إلى الستاتيكو الذي يناسبها تماماً.

ولكن الموقف الإسرائيلي مختلف تماماً، إذ إن بنيامين نتنياهو يعلم تماماً أنه إذا استمر جزء من "حماس" في جزء من قطاع غزه سيعيد تكوين نفسه في كل هذا القطاع. وتجيب الإدارة الأميركية بأنها قادرة أن تضمن عدم عوده عمليات "حماس" داخل إسرائيل، وكذلك بالنسبة لـ"حزب الله"، ولكن بشرط أن تقبل الحكومة الإسرائيلية بمبدأ الدولتين.

ولكن مما يتبين أن القيادة الإسرائيلية لا تثق بموقف "حماس" ولا بالموقف الإيراني، وهي بالتالي تواجه ضغط العرب والمجتمع الدولي على أميركا للضغط على بايدن من أجل إيقاف التقدم الإسرائيلي باتجاه رفح.

ولكن ما يتبين أن نتنياهو قد يطلق عملية عسكرية من ناحية، ويقترح البدء بالمفاوضات حول وقف إطلاق نار، وأي حل سياسي بعد انتهاء العملية، أي إن إسرائيل تريد إنهاء "حماس" أولاً والتفاوض على قطاع غزه ثانياً، وهو ما لا تريده القيادة الإيرانية، إذ إنها تريد المحافظة على "حماس" أولاً والسيطرة على الورقة الفلسطينية في التفاوض على قطاع غزة والضفة الغربية بعد ذلك، لكن هناك سيناريو آخر بدأنا نسمع عنه، وهو قيام اتفاق غير علني بين دولة إسرائيل ودول عربيه معتدلة تريد الدولتين، لكنها لا تريد دولة "حمساوية" أو سيطرة النظام الإيراني على القطاع، وربما حتى على الضفة الغربية، لكن كيف يمكن لهذا السيناريو أن ينجح؟ فمن المشكوك به أن تقبل أي دولة عربيه، وحتى تلك التي وقعت على اتفاقات "أبراهام" أن تكون شراكة عسكرية أو دبلوماسية مع إسرائيل ما دامت هناك ميليشيات إسلامية داخل القطاع ومدعومة من قبل إيران، لأن هذه القوى ستشن حملات على هذه الدول للتشكيك والتخوين تقضي على نفوذها في عمليه السلام. ولكن في المقابل، قد تكون هناك خطة على محورين، الأول يقضي بأن تأخذ حكومة إسرائيل قراراً بأن تدخل رفح وتنهي "حماس" عسكرياً في القطاع، وبعد ذلك تتمكن الدول المعتدلة بأن تدخل اتفاقاً حول إدارة القطاع في ما بعد.

إذاً، يتلخص الموضوع بأن تتخذ إسرائيل قرارها بغض النظر عن الإدارة الأميركية، ولكن قرار حكومة نتنياهو يحتاج إلى شرطين، الأول هو أن يكون له دعم مسبق قبل هذه العملية من قبل الأكثرية في الكونغرس الأميركي حتى لو كانت الإدارة هي المسؤولة عن السياسة الخارجية. فالسلطة التشريعية، أي المجلس النيابي، بإمكانه أن يتخذ خطوات للحد من بعض القرارات التنفيذية عبر ضغط على الإدارة بالوسائل المالية، والاعتقاد أن الحكومة الإسرائيلية قد حصلت على ضوء أخضر من رئيس مجلس النواب والأكثرية الساحقة في هذه المؤسسة، وحتى ربما من مجلس الشيوخ. إذاً، نتنياهو لديه ورقة كبيرة في الولايات المتحدة، وهي أن السلطة التشريعية قادرة على الضغط على السلطة التنفيذية التي بدأ تمثيلها يضعف مع اقترابها من انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، ولكن على إسرائيل أن تحصل على ورقه ثانية، وربما قبل أن تقوم بالعملية من دون أن تكون علنية، أي بكلام آخر، قد تكون القيادة الإسرائيلية بحاجة إلى قبول عربي معتدل بعملية كهذه، وإن كان هناك نوع من المعارضة الكلامية العلنية لتحمي هذه الدول العربية نفسها من إرهاب التنظيمات المتطرفة والنظام الإيراني.