يحتفل العالم بعيد العمال اليوم، الأول من أيار (مايو) في مختلف أرجاء العالم، فيما تستقبله بريطانيا هذا العام بعدد عاطلين وصل إلى 2.5 مليون عاطل عن العمل متاثرة بتبعات الازمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في الربع الأخير من العام 2008.

لندن: تحتفل بريطانيا بعيد العمال (تسميه laquo;يوم مايوraquo;) عادة يوم الاثنين الأول من الشهر الموافق الاثنين 3 هذه السنة، قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات العامة التاريخية.ولكن، عيد بأي حال عدت؟ فهو يأتي هذه المرّة والبلاد تجاهد لإكمال انعتاقها من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بها على مدى عامين مريرين. ويأتي وسط أنباء تقول إن عدد العاطلين وصل الى 2.5 مليون شخص، أو 8 في المائة من إجمالي عدد سكان بريطانيا. ويعود هذا الارتفاع الى آلاف الوظائف التي تبخرت في الهواء خلال العام 2009 بسبب الأزمة العالمية ومترتباتها على البلاد.

وتبعا لتقديرات laquo;معهد شؤون العاملين والتنميةraquo; (CIPD) فسيصل عدد العاطلين الى 2.8 مليون شخص بمنتصف العام الحالي، وذلك على الرغم من التحسن النسبي في حال الاقتصاد العامة. ومع ذلك فإن المعهد يقول إن هذه التقديرات نفسها أفضل من تلك التي كان قد تنبأ بها في وقت مبكر من العام الحالي، وهي 250 ألف وظيفة مفقودة إضافية في الفترة نفسها ليصل العدد الى 3.2 ملايين عاطل بنهاية العام. لكن هذا نفسه لا يبعث على التفاؤل. فقد أعلن laquo;معهد الدراسات المالية الحكوميةraquo; أن العجز في ميزانية البلاد وصل الى أكثر من 167 مليار جنيه (قرابة 260 مليار دولار)، وأن حكومة مقبلة، بغض النظر عن توجهاتها السياسية أو عما إن كانت ائتلافية ستواجه المهمة الملحمية المتمثلة في كيفية تعاملها مع هذا الوحش الاقتصادي.

وحذر المعهد أيضا من أن أي محاولة لردم هذه الحفرة العميقة ستتطلب الحد بشكل جذري في الانفاق على مرافق الدولة العامة. وهذا بدوره يعني أن مئات الآلاف من العاملين سيفقدون وظائفهم بالضرورة. وقد وصل الأمر بميرفين كينغ، محافظ laquo;بنك انكلتراraquo; (البنك المركزي)، للتحذير من أي حزب سياسي يشكل الحكومة المقبلة في ما بعد 6 مايو (ايار) الحالي، وهو يوم الانتخابات، سيضمن لنفسه الجلوس في صفوف المعارضة ابتداء من الولاية التالية ولفترة قد تصل الى 20 عاما. والسبب في هذا، على حد قوله، هو أن الاجراءات التي سيجد ذلك الحزب نفسه مضطرا لاتخاذها ستكون موجعة بحيث يجلب على نفسه غضب الناخبين على مدى جيل بأكمله.

وفي ذلك الاتجاه نفسه حذر قادة نقابات العمال من أن خفض الإنفاق الحكومي laquo;سيضاعف آثار الركود الاقتصادي الحالي في نصف الزمنraquo;. وأضافوا أن هذا الطريق سيقود الى تنامي أعداد العاطلين عن العمل ليصل الى رقم غير مسبوق وهو 4 ملايين شخص فما فوق. وقال أمين عام اتحاد النقابات، بريندن باربر: laquo;من المدهش أن تكون السبيل الوحيدة إلى الخروج من الركود الحالي هي تخفيض مستوى الإنفاق العام بدلا من إنعاش الاقتصاد نفسه. هذا المنحى ينذر بالكثير من الخطر ويؤذن لمستوى من العطالة غير مسبوق في تاريخ البلاد الحديثraquo;.

وهموم العمل ترتبط، في بريطانيا خصوصا، بمشكلة حساسة وشائكة أخرى تتمثل في الأيدي العاملة المهاجرة. ففي سعير الجحيم الاقتصادي الذي يجتاحها، ظلت صحافتها تقتات بمناسبة وبغيرها على الأخبار المتفرعة من تفشي البطالة بشكل غير مسبوق. وبين العناوين التي تقرأ على الصفحات الأولى بين الفينة والأخرى تجد أشياء على شاكلة laquo;قرابة 3 ملايين شخص بلا عملraquo; وlaquo;75 ألفا فقدوا وظائفهم في شهر واحدraquo; وlaquo;600 متقدم لوظيفة واحدةraquo;.. وكل هذا على سبيل المثال وليس الحصر بالطبع. لكن هذا الأمر اتخذ منحى لا يبشر خيرا بالنسبة إلى الأجانب بشكل خاص عندما أبرزت صحافة التابلويد الشعبية آخر الأرقام التي حصل عليها حزب المحافظين من laquo;مكتب الإحصاء القوميraquo;. فخرجت بعناوين مفادها ان المهاجرين laquo;يستولونraquo; على قرابة 4 ملايين وظيفة من البريطانيين. ورشت هذه الصحف الملح على الجرح بتركيزها على ان أغلبية هذه الوظائف، 2.6 مليون وظيفة على وجه التحديد، في ايدي مهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي.

وتمضي الصحف لتقول إن عدد المهاجرين الذين حصلوا على وظائف في المملكة المتحدة تضاعف في السنوات العشر الأخيرة. وتضيف أن هذه الحقيقة تدق آخر مسمار في نعش الوعد laquo;المضحكraquo; الذي قدمه رئيس الوزراء العمالي غوردون براون بأن تكون الوظائف البريطانية من نصيب البريطانيين. وأشارت صحافة التابلويد الى مختلف اشكال الاحتجاجات التي انتظمت عددا من المدن في الأشهر الأخيرة على ما يزعم من ان العمال الأجانب يحصلون على معاملات تفضيلية في مشاريع البناء على سبيل المثال.

وقالت الصحف إن أرقام مكتب الإحصاء القومي نفسها laquo;متفائلةraquo; بالنظر الى تقدير بنك العقول laquo;اميغريشن ووتشraquo; القائل إن عدد العمال المهاجرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي يبلغ أربعة أضعاف المهاجرين منه. وإذا علمنا، تبعا للصحف، أن عدد هؤلاء الأخيرين يبلغ 1.7 مليون شخص، يصبح عدد الوافدين من خارج أوروبا قرابة 7 ملايين عامل.

ولأن الصحافة البريطانية لا تكتفي بالقتل وتتعداه الى التمثيل، فقد راحت تجأر بالشكوى من ان عددا ضخما من العاملين المهاجرين الذين laquo;يسرقونraquo; وظائف البريطانيين laquo;لا يتحدثون أو لا يتقنون تحدث الانكليزية، مثلما أوردت laquo;إيلافraquo; في تقرير سابق. وساقت الصحافة مثلا لذلك بأن القائمين على الشؤون الصحية اضطروا إلى إخضاع عدد ضخم من العاملين الأجانب في المستشفيات البريطانية لدورات من 10 أسابيع في اللغة الانكليزية تهدف إلى تعليمهم المصطلحات الطبية الأساسية.

ويذكر أن مستشفيات البلاد صارت تعج بالعاملين الأجانب من مختلف الدول مثل بولندا والفلبين وبورما، من ممرضين وعمال نظافة وبوّابين. ولأن سكان الدول التي يأتي منها هؤلاء لا يتحدثون الانكليزية حتى كلغة ثالثة، فقد أثيرت مخاوف حقيقية إزاء العواقب الصحية الخطرة على المرضى والاحتمال الكبير أن يؤدي هذا الوضع الى الوفاة في بعض الأحيان، وهو ما حدث في حالة معينة. خلاصة القول هي أن بريطانيا تستقبل laquo;عيد العمالraquo; بتكشيرة كبيرة تضافرت في رسمها على وجهها الأزمة الاقتصادية الطاحنة وما تعتبره laquo;سرقة القوتraquo; على أيدي العمال المهاجرين.