يساهم القطاع العام المغربي في زيادة عدد العاطلين عن العمل، إذ يفضل توظيف موظفين عموميين لا يطلبون أجرًا عاليًا ولا تقاعدًا ولا تعويضات بدل توظيف خريجين عاطلين عن العمل تكثر مطالبهم.


يحيى بن الطاهر من الرباط: تستفحل في المغرب ظاهرة وجود فئات عريضة من الموظفين في القطاع العام يمارسون أعمالًا موازية في القطاع الخاص، ما يفوت فرصة تشغيل أعداد كبيرة من حاملي الشهادات العليا المؤهلين والعاطلين عن العمل.

وعلى الرغم من أن القوانين المغربية تمنع موظفي القطاع العام من مزاولة أنشطة أخرى إلى جانب وظائفهم، إلا أن هذه الظاهرة سائرة في النمو، تسد أحد أبواب تشغيل العاطلين عن العمل من خريجي المعاهد العليا والجامعات.

عدم جواز تعدد الأجور

يؤكد بنيونس المرزوقي، الباحث في القانونين العام والدستوري، ضرورة تدخل الدولة المغربية بحزم لمواجهة هذه الظاهرة غير القانونية، وتشجيع القطاع الخاص على تشغيله مواطنين غير منتمين لقطاع الوظيفة العامة فقط.

يقول المرزوقي: quot;في مرحلة سابقة، كان الوزير يجمع بين مهمته الحكومية التي يتقاضى بموجبها أجرًا ورئاسة مجلس إدارة شركة، قبل أن تفرض حكومة عبد الرحمن اليوسفي مبدأ عدم جواز تعدد الأجورquot;.

يضيف: quot;لا يمكن للموظف أن يستفيد إلا من الأجر الأعلى، خصوصًا أن قانون الوظيفة العمومية في المغرب يمنع الموظف العمومي من مزاولة الأعمال التجارية أو مزاولة مهنة حرة إلى جانب عمله الحكوميquot;.

وأوضح المرزوقي الأمر مؤكدًا عدم جواز عمل الموظف العمومي الذي له أجرة عمومية ثابتة لدى القطاع الخاص أيضًا بإجرة غير مصرح بها عادة من الناحية الأخلاقية، فهو لا يخضع للضرائب وفق الدخلين معًا، ولا يساهم في التخفيف من مشاكل البطالة عن طريق الاستنكاف عن المساهمة في القطاع الخاص.

مسؤولية الدولة

يعتبر العديد من الموظفين أن منظومة الأجور في المغرب غير متماشية مع القدرة الشرائية للمواطنين، والموظفين بصفة خاصة، وهو ما كان دائمًا يشجع فئات عريضة منهم على اقتحام مجال العمل في القطاع الخاص، ما دام هذا الأخير لا يقوم بالتصريح بهؤلاء لدى الجهات الإدارية المعنية. ففي وجود أطباء الصحة العمومية الذين يمارسون مهنتهم في قطاع الصحة الخصوصي، وفي وجود معلمي الإعدادي إلى الثانوي وتقديمهم دروسًا خصوصية للتقوية، انتشرت ظاهرة الجمع بين أكثر من وظيفة إلى درجة أنها أثرت بشكل ملموس على سوق الشغل في المغرب.

يقول المرزوقي: quot;تفضل المدارس الخاصة تعيين أستاذ في التعليم العمومي، يتقاضى أجرًا ويقبل بالقليل ولا يصرح به في صندوق الضمان الاجتماعي لا ينتظر تقاعدًا ولا تعويضًا عن المرض، بدلًا من تعيين حامل إجازة عليها أن توفر له الحد الأدنى من الأجر، وأن تصرح به لدى صندوق الضمان الاجتماعيquot;.

والأمر نفسه ينسحب على المستشفيات والمراكز الطبية، ما يدفع بالمرزوقي إلى quot;تحميل الدولة مسؤولية استفحال هذه الظاهرة، إضافة إلى جانب طبيعة منظومة الأجور في المغرب والمستوى المعيشي الذي دفع بفئات عريضة من موظفي القطاع العام لاقتحام عالم القطاع الخاصquot;.

إلزام القطاع الخاص

من جهة أخرى، يبدو المرزوقي متفائلًا بشأن الآفاق الإيجابية لحل هذه الظاهرة، بعد وجود بوادر عدة من ضمنها مبادرة وزير الصحة بمنع الأطباء الذين يزاولون مهامهم في القطاع العام من العمل في القطاع الخاص.

وكان وزير الصحة المغرب في وقت سابق قد هدد بالمتابعة القانونية للمصحات الخاصة التي تسمح بالممارسة غير القانونية لأطباء القطاع العام فيها، محملًا إياها المسؤولية القانونية بالموازاة مع تحميلها للطبيب الموظف بالقطاع العام.

وتمنع مقتضيات قانون الوظيفة العمومية الصادر في العام 1958 الموظف العمومي من مزاولة مهام حرة والمهام التجارية التي يكون من ورائها ربح مادي.

في هذا السياق، يؤكد المرزوقي على صرامة الدولة في هذا الإطار من ناحية القطاع العام عبر المنظومة القانونية. يقول: quot;حان الوقت لكي تصوغ الحكومة مدونة الوظيفة العمومية التي تجمع هذا الشتات وتنظمه وتوحدهquot;.

كما يؤكد في الوقت نفسه أن quot;واجب الدولة أن تلتزم، من زاوية القطاع الخاص، بفرض الحد الأدنى من الأجور ومن الامتيازات الاجتماعية للعاملين في هذا القطاع، لتلزم مالكي هذه المؤسسات، على تنوعها، بأن توفر لهم بعض الامتيازات والتسهيلات عند تشغيلها مواطنين لا ينتمون إلى قطاع الوظيفة العام، ما قد يعطي دفعة جديدة لمجال التشغيل في المغربquot;.