من المتوقع أن تتلقى السياحة التونسية ضربة موجعة بعد اغتيال المعارض محمد البراهمي ومقتل 9 عسكريين على أيدي إرهابيين على الحدود مع الجزائر. وبدت مؤشرات الانتكاسة واضحة خلال الساعة الأخيرة، وهو ما سيؤثر حتمًا على الوضع الاقتصادي التونسي الهشّ أصلًا.


محمد بن رجب من تونس: استبشرت تونس في الفترة الأخيرة بما حققه القطاع السياحي من انتعاشة على مستوى عدد السيّاح واليالي المبيت إلى جانب تطور الحجوزات نحو الوجهة التونسية، حتى تجاوزت نسبة العائدات ما تم تحقيقه في الفترة نفسها من السنة الماضية. لكن حادثة اغتيال الناشط السياسي المعارض محمد البراهمي ألقت بظلالها على السياحة التونسية، وهددت ما تبقى من الموسم.

تطور طفيف
كان وزير السياحة التونسي جمال قمرة أعلن عن تحقيق السياحة ارتفاعًا طفيفًا، في النصف الأول من العام الحالي، وذلك مقارنة بالفترة نفسها من الموسم الماضي 2012، إذ تم تجاوز أحداث السفارة الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2012، واغتيال شكري بلعيد في فبراير/شباط 2013، مشيرًا إلى أنّ مؤشرات السياحة سجلت ارتفاعًا بنسبة 3.4%.

أضاف وزير السياحة أنّ عائدات القطاع السياحي بلغت في النصف الأول من العام الحالي نحو 1.4 مليون دينار، محققة نموًا بنسبة 0.2% مقارنة بالفترة نفسها في سنة 2012 ، مشيرًا إلى أن عدد السيّاح حتى 20 يونيو/حزيران الماضي بلغ 2.4 مليون سائح، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 3.4% مقارنة بفترة العام الماضي نفسها، وبلغ عدد ليالي المبيت حدود 10 ملايين ليلة.

وسجلت السوق الانكليزية ارتفاعًا في عدد السيّاح البريطانيين، الذين زاروا تونس خلال النصف الأول من العام الحالي، بنسبة 27 %، وكذا عدد السيّاح من الجنسيات الألمانية والروسية، على عكس السوق الفرنسية، التي سجلت انخفاضًا بلغ 30% في بداية الثورة التونسية، بينما انحدر إلى 17% خلال النصف الأول من العام الجاري.

وأكد وزير السياحة جمال قمرة التعويل على زيارة الرئيس الفرنسي هولاند في بداية الشهر الجاري، والتي كانت مناسبة للترويج للسياحة التونسية حتى تستعيد مكانتها باعتبارها سوقًا تقليدية تعتمد عليها السياحة. وتوقع الوزير تسجيل 7 ملايين سائح خلال العام الجاري مقابل 6 ملايين تقريبًا خلال 2012. وكانت وزارة السياحة أطلقت حملة ترويجية موسعة تهدف إلى الترويج للسياحة التونسية في العديد من الأسواق التقليدية والجديدة تحت شعار quot;عالسلامةquot;، واشتملت الحملة الترويجية على كل النقاط الحدودية والمطارات وفي بلدان أخرى.

اغتيال البراهمي
إذا كانت كل المؤشرات تؤكد التحسّن الذي طرأ على القطاع السياحي في السداسي الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، وهو ما أشاع بعض الارتياح لدى الحكومة، فإنّ اغتيال الناشط السياسي محمد البراهمي يوم الاحتفال بعيد الجمهورية والعملية الإرهابية التي حصلت في جبل الشعانبي وراح ضحيتها 8 جنود تونسيين، يلقيان بظلالهما على الوضع السياسي والأمني العام في تونس.

أوضح الخبير الاقتصادي عبدالجليل البدوي في هذا السياق أنّ اغتيال محمد البراهمي وعملية قتل 8 جنود في جبل الشعانبي سيكون لهما تأثير كبير على الوضع العام في البلاد، وخاصة على السياحة التونسية، حيث ينتظر إلغاء العديد من الحجوزات من طرف وكالات سياحية عالمية.

انتكاسة مرتقبة
أضاف البدوي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ الموسم السياحي شهد تراجعًا كبيرًا، فنسبة الامتلاء خلال شهر رمضان في مختلف المناطق السياحية لم تتجاوز 40%، وأكد أنه في صورة إصدار تحذيرات من سفارات أجنبية في تونس لرعاياها فسيكون التأثير كبيرًا على الموسم السياحي أكبر، وقد تلغى حينها العديد من الحجوزات، ويغيّر السيّاح وجهتهم.

وكان الإتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) أعلن الإضراب العام يوم الجمعة الماضي بعد حادثة اغتيال محمد البراهمي، وهو ما كان له عميق الأثر على سير رحلات الخطوط الجوية التونسية، التي ألغت كل رحلاتها من وإلى تونس، إلى جانب العديد من الخطوط العالمية.

وأعلنت بريتش آيرويز عن إلغاء رحلتها إلى تونس، وهو ما أدخل إرباكًا على حركة السيّاح البريطانيين المتجهين إلى تونس لقضاء عطلتهم في إحدى المناطق السياحية الجميلة في الحمامات أو سوسة أو جربة أو نابل وغيرها من المناطق الأثرية والصحراوية التونسية. وأفادت تقارير بأنّ نحو 55 ألف سائح بريطاني زاروا تونس خلال الشهر الماضي، مسجلين زيادة في نسبة السيّاح البريطانيين بنحو 46%.

تأثير كارثي
وأشار الخبير الاقتصادي حسين الديماسي أنّ تأثير اغتيال السياسي محمد البراهمي كبير جدًا على الاقتصاد التونسي، حيث تكلف الإضراب الذي أعلنه الإتحاد العام التونسي للشغل نحو 200 مليون دينار، وهو في حدود 500 ألف دينار، اعتبارًا لتعطل العمل خلال ثلاثة أيام، وهي ضربة موجعة لاقتصاد لا يزال هشًا. وكان تأثير الإضراب كبيرًا على القطاع السياحي، بعدما تعطلت حركة الطيران يوم الإضراب، وهو ما كان سبب إلغاء العديد من الحجوزات نحو تونس، إضافة إلى تبعات أخرى أثرت على الاقتصاد.

من جانبه، أكّد الشاذلي العياري محافظ البنك المركزي في مقابلة مع جريدة لوموند الفرنسية أنّ الاقتصاد التونسي لم يحقق النموّ المنشود خلال الثلاثي الأول من السنة الحالية، حيث لم يتجاوز 2.7%، مبرزًا أنّ القطاع السياحي كان quot;غائبًاquot;. وشدد على أنّ تجاوز الاضطرابات وهاجس انعدام الأمن سيكون لهما تأثير كبير على نسبة النمو التي قد تتجاوز ما حققته خلال 2012.

هاجس الأمن
أبرز حسين الديماسي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ الاقتصاد التونسي بكل مكوناته، سياحية أو غيرها، لا يمكن أن يشهد تحسنًا واضحًا، إذا لم تعمل الحكومة على إيقاف نزيف الاغتيالات.

وقال إنّ على الحكومة التونسية في هذه الفترة تحديدًا أن تضع أمامها هاجسًا واحدًا، يتمثل أساسًا في تحسين الوضع الأمني، لأنه من دون وضع أمني مستقر لا يمكن الحديث عن اقتصاد وسياحة واستثمار.

وكان رئيس الحكومة علي العريض أكد خلال ندوة في شهر أبريل/نيسان الماضي تحت شعار quot;التحديات والإشكاليات الراهنة أمام السياحة في أفريقياquot;، أنّ وضع السياحة التونسية مقترن بتطورات الأحداث في البلاد.