سيدي بوسعيد: مع تفاقم الازمة السياسية والاقتصادية والامنية في تونس، بات العاملون في قطاع السياحة يتحسرون على الاستقرار الذي كان يسود البلاد في عهد نظام زين العابدين بن علي المتسلط الذي اطيح قبل عامين.ويقول محمود بن رابح وهو يقف امام بسطة يبيع عليها منتجات تقليدية في سيدي بوسعيد السياحية الشهيرة بالضاحية الشمالية للعاصمة 'كنا نعيش بشكل افضل. لم يكن يحدث شيء في عهد بن علي وكنا مطمئنين. جيد رحيله لكن في الماضي كنا افضل حالا'.


واضاف البائع وهو يرتب محتويات بسطته في شارع مقفر في هذا الموقع السياحي الذي شهد حرق ضريح احد الاولياء في كانون الثاني/يناير في جريمة لم تكشف خيوطها لكنها تحيل الى وسائل اعتمدها السلفيون في الاشهر الاخيرة، 'كان الوضع الامني افضل. واليوم لم نعد نستطيع النوم او التنزه مطمئنين'.ويتابع محمود 'انا اعمل في الصناعات التقليدية منذ 25 عاما ولم اشهد لهذا الافلاس مثيلا. لقد بعت جميع مصوغ زوجتي حتى اني اضطررت لبيع خاتمي زواجنا، لم يعد لدينا شيء'.ويشاطر صاحب فندق في هذه القرية الساحرة التي تقطنها برجوازية العاصمة هذا الراي، لكنه فضل التحدث دون كشف هويته 'خشية ان يتلقى رصاصة في الراس' كما حدث لشكري بلعيد المعارض الشرس لحزب النهضة الاسلامي الحاكم والذي اغتيل في 6 شباط/فبراير الحالي.


ويقول صاحب الفندق 'السياحة تعيش كارثة منذ الثورة ولا نملك رؤية واضحة عن الحجوزات. الامر اسوأ من عهد بن علي حين كانت تونس تتمتع باستقرار جيد في مجال الاعمال'.والسياحة التي تعد اهم مصدر للعملة الاجنبية وقطاعا استراتيجيا يمثل 6.5 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي، تمر باسوأ سنواتها منذ ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي اطاحت نظام بن علي.واضاف 'الامر اصبح يلقي بثقل كبير علينا. وبالكاد نتمكن من دفع فواتير الكهرباء واجور الموظفين. لا شيء مطمئن في الافق مع تفشي السلوك العدائي والعنف'.وفي الاتجاه ذاته يضيف لطفي النادل في مقهى شهير يطل على البحر 'كنا نعيش بشكل افضل في عهد بن علي ونكسب قوتنا بشكل افضل'.غير ان مدير المقهى الملتحي على طريقة السلفيين والمرتدي لباسا افغانيا، قاطع النادل بعنف قائلا 'من سمح لك بابداء رايك؟'، وطرد ايضا الصحافيين الذين كانوا يحاورونه بلا تردد.


ولم يكن وجود مجموعات سلفية في المناطق السياحية من الامور التي يمكن تخيلها في عهد بن علي الذي كانت اجهزته تقمع كافة اشكال الاسلمة بل وصل الامر احيانا حد معاقبة من يرتاد المسجد.وعاشت تونس عقودا من الزمن تحت استبداد تام بداعي القضاء على التطرف الاسلامي ومكافحة الارهاب.وأثر تنامي تيارات متطرفة بعد الثورة بشدة على صورة تونس كوجهة سياحية. وكانت البلاد تجهد لتجاوز مخلفات الاعتداء على السفارة الاميركية في منتصف ايلول/سبتمبر 2012. وينذر اغتيال بلعيد بضرب الموسم السياحي المقبل.بيد ان المحلل السياسي والصحافي صلاح الدين الجورشي يحذر من تنامي مثل هذه المشاعر التي يمكن ان تشكل فرصا مواتية لمسؤولي النظام السابق.ويوضح 'هذا امر خطير حتى وان كان ليس مفاجئا في فترة ما بعد الثورة، ان مثل هذه المشاعر يمكن ان تطفىء الحماسة وتؤدي الى عدم مبالاة بالشان السياسي ومقاطعة الانتخابات'.ولاحظ الجورشي الذي اصبح قبل يومين عضوا في مجلس عقلاء شكله رئيس الوزراء حمادي الجبالي في مسعى للخروج من الازمة، ان 'المسؤولية عن ذلك تعود الى الطبقة السياسية كافة'.