على وقع اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد، تدخلُ البلاد مرحلة جديدة ومنعرجاً خطيراً حذّر منه الفاعلون في المجالين السياسي والاقتصادي، وأشعلوا أضواء الإنذار منبهين لتداعيات العنف الذي تتصاعد وتيرته يومًا بعد يوم على اقتصاد يدخل مرحلة الخطر في غياب منوال تنموي يحدد التوجهات الكبرى.


زمردة دلهومي من تونس: عادت الضربات الموجعة التي تتلقاها تونس تباعًا منذ أحداث السفارة الأميركية في 14 سبتمبر المنقضي، فبعد أحداث عنف كثيرة في جهات مختلفة من البلاد، اهتزت البلاد على وقع جريمة اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد.

وعاد القلق والخوف لينتشر في نفوس السيّاح وأصحاب النزل ووكلاء الأسفار الذين يرتبط نشاطهم بالاستقرار الأمني والاجتماعي بالبلاد.

جريمة مقتل السياسي المعارض قلبت موازين البلاد رأسًا على عقب وانعكس صداها مباشرة على السوق المالية بتونسحيث شهدت البورصة نكسة غير متوقعة وسجلت تراجعًا ما بين 3 و4 في المئة في جل الأسهم بعد الارتفاع الذي شهدته في الأيام القليلة الماضية.

وأكد اغلب الناشطين في الحقلين الاقتصادي والسياحي أن هذه الجريمة ستدق ناقوس الخطر في مختلف القطاعات وخاصة الاستثمار الأجنبي المباشر والتصدير والتوريد والقطاع السياحي الذي يوفر نحو 7 في المئة من الناتج الوطني الخام للبلاد، ويساهم في ميزان المدفوعات بنحو 47 في المئة ويوفر400 ألف موطن شغل مباشر وضعفهم ثلاث مرات غير مباشرة.

ومن المرجح أن تؤثّر الجريمة على صورة تونس التي ستزداد قتامة في وسائل الأعلام ولدى منظمي ووكلاء الأسفار خاصة بعد التحقيق الذي بثته القناة الثانية الفرنسية مؤخرًا حول الوضع في تونس وتطرّقت فيه الى ظاهرة السلفيين المتشددين.

خوف وقلق

يلاحظ المتابع لما عاشته تونس في السنة الماضية تسارع نسق الاعتداءات وتواتر حلقات العنف السياسي وتداعيات الهجمة العنيفة على سفارة أميركا التي بسببها عاشت السياحة التونسية أحلك مراحلها، إذ أقدم عدد من الشركات السياحية والبواخر الأميركية المتخصصة في الرحلات البحرية٬ على إلغاء التوقف بميناء المسافرين بتونس من برامج رحلاتها البحرية وتحذير الحكومة الأميركية لمواطنيها من السفر إلى تونس، وتسببت أيضًا في مضاعفات كبيرة عانى منها الاقتصاد الوطني وأعطت صورة مشوهة قاتمة الملامح على تونس الآمنة.

وبخصوص تداعيات جريمة اغتيال السياسي شكري بلعيد وتأثيرها على القطاع السياحي وتحديدًا سياحة الأعمال والمؤتمرات، أفاد نبيل السيناوي مدير عام نزل الريجنسي المختص في سياحة المؤتمرات أن العديد من الشركات الأجنبية المنظمة للمؤتمرات والملتقيات الدولية ولقاءات الأعمال أعربوا عن خوفهم وقلقهم إزاء الأوضاع السياسية والاحتجاجات الاجتماعية في تونس، مبدين حيرتهم بخصوص تأكيد حجوزات ومواعيد بعض التظاهرات الكبيرة من إلغائها، وفق ما سيفرزه الوضع عمومًا.

وقال السيناوي إن الوضع السياحي وخاصة سياحة المؤتمرات في تونس خلال الفترة الماضية وتحديدًا بعد أحداث السفارة الأميركية في 14 سبتمبر الماضي شهد صعوبات كبرى وتلقى ضربة موجعة انعكست مخلفاتها السلبية بالخصوص في توقف وإلغاء بعض الحجوزات صاحبته تخوفات من الوضع العام بالبلاد.

يضيف: quot;الحالة العامة يشوبها نوع من القلق بانتظار تطورات أخرى ستفرزها الايام القليلة القادمةquot;، مؤكداً أن القطاع عانى من عدة صعوبات ولا يتحمل أي هزات جديدة.

تأثير على السوق المالية

من جهته، أكد وسيط بالبورصة أن اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد أثر بشكل واضح على السوق الماليّة يوم الحادثة، حيث فاق العرض الطلب بكثير نظراً لعرض جل المستثمرين لأسهمهم بأي ثمن مما ساهم في انخفاض قيمة جل الأسهم بنسبة تراوحت ما بين 3 و4 في المئة.

وأوضح محدّثنا أن استقرار السوق الماليّة يظل رهين التعجيل في التحقيقات والقبض على المجرمين واتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل السلطات المعنيّة لاستعادة الشعب الثقة فيهم، مضيفًا أن العوامل السلبيّة تؤثر بصفة سريعة على السوق الماليّة في حين أن الايجابيّة تبقى تأثيراتها بطيئة.

وبيّن الوسيط أن حالة الاحتقان التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن تذكر بيوم 14 يناير، وأضاف أن استقرار الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة مرتبط بمدى حرص الحكومة على تطبيق القانون بكل جديّة وصرامة.

أزمة حادة

واجه القطاع السياحي بعد الثورة وما تبعها من أحداث واضطرابات أزمة حادة وخانقة أثرت بصفة مباشرة على أوضاع مهنيّي السياحة من أصحاب نزل ووكلاء أسفار الذين اشرف بعضهم على الإفلاس.

وهي أوضاع بسببها اطلقوا صيحة فزع سرعان ما خف صداها خاصة بعد أن شهدت السياحة خلال فترة الصيف انتعاشة طفيفة طمأنت السيّاح والمهنيين على حد سواء حيث ارتفعت العائدات السياحية في تونس أواخر السنة الماضية بنسبة 30% سرعان ما خف بريقها بعد تواتر احداث العنف.

يصف لطفي خياط رئيس الجمعية التونسية للتنمية السياحية ما يحدث في البلاد بالخطير ويأسف على الوضع الذي آل اليه القطاع.

ويشير إلى أن التفكير في صعوبة الوضع الراهن يضاعف قلق وتخوف المهنيين من المزيد منتدهور القطاع السياحي، والذي بدوره يؤثر على بقية القطاعات كالتجارة والصناعات التقليدية والنقل والفلاحة والاقتصاد الوطني بصفة عامة.

وذكر أن خطاب رئيس الحكومة حمادي الجبالي مطمئن، ولكن يجب ألا يكون مجرد كلام بل يجب تطبيقه على أرض الواقع لأن من شأنه أن يحسّن صورة تونس حتى ولو بصفة نسبية، فالمطلوب اليوم الاهتمام بوضع البلاد خاصة بتفادي حدوث العمليات quot;الإرهابيةquot; الغريبة على تونس والابتعاد عن التجاذبات السياسية التي تدخل تونس في منعرج خطير يصعب الخروج منه.