تشهد سوق الأسهم السعودية حالًا من الانتعاش والصعود، مكافحة بذلك آثار انهيارات عديدة تتالت منذ سبعة أعوام. وقد ساهم في انتعاشها غياب قنوات استثمارية أخرى، إضافة إلى تضخم أسعار العقار واستقرار سعر برميل النفط عالميًا.

الرياض: منذ انخفاض سوق الأسهم السعودية وانهيارها تقريبًا في 2008 إبان الأزمة المالية العالمية، فقد المستثمرون أكثر من 70% من قيمة محافظهم الاستثمارية جراء تلك الانهيارات المتكررة، مما أفقد السوق عدداً كبيراً من المستثمرين الذين أيقنوا أن سوق الأسهم السعودية من أكثر الادوات الاستثمارية مخاطرة على المدى القريب.
واتجه المؤشر خلال الأربع سنوات الماضية إلى الاستقرار حول مستويات 6500 نقطة كمتوسط أداء، بسيطرة شبه كاملة من قبل المضاربين الذين وجدوا ضالتهم في تدوير أموالهم بالسرعة الممكنة والحصول على أعلى العوائد في ظل عدم وجود أدوات استثمارية مالية حقيقية تدر عوائد مشابهة.
وخلال تلك الفترة، حدثت تغييرات مهمة في هيكلة السوق من خلال هيئة السوق المالية، التي بدأت منذ انهيار 2006 الشهير بوضع قوانين وأنظمة الهدف منها إيجاد سوق تتمتع بكفاءة جيدة وفرض رقابة مشددة تمنع التلاعب من قبل كبار المستثمرين، كما حدث في 2006، الذي راح ضحيته آلاف المستثمرين ممن انخدعوا بالأسعار الخيالية التي وصلت إليها شركات كانت quot; خارج اللعبة تمامًاquot;!
ويقول المحلل الاقتصادي عمر آل محمود لـquot;إيلافquot;، أنه ومع بداية 2013 كانت السوق السعودية مع مرحلة تاريخية جديدة من خلال محافظها الجديد الذي يملك خبرة واسعة في الرقابة القانونية على الأسواق المالية في الولايات المتحدة وغيرها ، حيث أقر آلية جديدة في صنع القرار من خلال الاستفتاء المفتوح مع المستثمرين وأخذ آرائهم حول القرارات التي من الممكن اتخاذها وإجراؤها في السوق خلال الفترة المقبلة التي وصفها المحللون والمراقبون بالخطوة الجيدة والواعية الهادفة للرقي بأداء السوق.
وفي نيسان/ أبريل من العام 2012 حقق المؤشر ارتفاعاً ملحوظاً وصل الى 7900 نقطة تقريباً، انخفض بعدها حتى استقر على حدود 6500 نقطة ، استقطب خلال تلك الفترة 7 مليارات ريال كحجم سيولة متداولة أعادت النظر الى السوق كأداة استثمارية جيدة، وأعادت الحياة بشكل نسبي إلى صالات التداول في البنوك، وازدادت معها طلبات العملاء بتنشيط محافظهم الاستثمارية التي توقف العمل بها منذ عام 2008.
لكن ما حدث بعد النتائج الفصلية لهذا العام، وتحديداً قبل توقف التداول مع إجازة عيد الفطر وبداية التداولات الثلاثاء الماضي كان الأبرز منذ سنوات، حيث وصل المؤشر إلى 8100 نقطة متجاوزاً التوقعات، وعاد لمستويات تم تسجيلها لآخر مرة قبل 5 سنوات تقريباً، وهو مستوىً قياسي يعيد النظر وبعمق نحو الاستثمار في السوق.
العوامل الإيجابية المحيطة بالسوق
بالنظر إلى أسعار النفط وهي المحرك الرئيسي لسوق الاسهم السعودية منذ سنوات، نجد أن هناك حالة استقرار فوق ال100 دولار للبرميل الواحد منذ العام الماضي ، الامر الذي يجعل المستثمر يثق بأن الوضع الاقتصادي للمملكة مستقر، خاصة إذا نظرنا الى التقارير التي تشير أن 85% من الناتج المحلي للمملكة يأتي من إيرادات النفط ، والعديد من الدراسات الاقتصادية المعتمدة أكدت وجود علاقة بين تحركات اسعار النفط ومؤشر السوق السعودية خلال فترات سابقة.
وأيضا معدل النمو الاقتصادي للمملكة تجاوز 6.5 % وهو معدل يشير إلى أن اقتصاد المملكة مزدهر وينمو بشكل كبير ، ومن المفترض أن ينعكس هذا الأداء على تحركات المؤشر، ولكن المشكلة تكمن في توجه المستثمرين نحو الاستثمار في السوق، خاصة اذا أخذنا في الاعتبار عدم وجود قنوات استثمارية أخرى داخل المملكة ، حيث أن اسعار الفائدة على الودائع التي تقدمها البنوك متدنية الى حد كبير نظراً لارتفاع حجم السيولة ، وارتفاع حجم الموجودات التي تملكها المصارف وبالتالي لم يعد الاستثمار مجدياً في هذا المجال .
وأيضا بما يتعلق بقطاع العقار الذي يعتبر من أكثر الادوات الاستثمارية أمانًا داخل المملكة التي بدأت بالارتفاع التدريجي منذ 2007، وأحدثت تضخماً في أسعار العقارات، نتجت عنها أزمة سكن يعاني منها المواطن حاليًا، وتهتم الدولة بمعالجتها جديًا، لذلك أصبح من الصعب الاستثمار في مجال محاط بظروف شعبية وضغط حكومي قد يؤدي إلى انخفاضها خلال الفترة القادمة، لذلك يقرر المستثمر عادة تسييل تلك الأصول والتوجه إلى قناة استثمارية أخرى، وهذا ما حدث في 2003 في الدورة الاقتصادية العالمية التي ارتفعت من خلالها أسواق المال في العالم.
صناديق الاستثمار في البنوك وشركات الوساطة
وذكر مسؤول رفيع في أحد البنوك الاجنبية العاملة في المملكة في حديث لـquot;إيلافquot; أن السوق السعودية باتت من quot;أكثر الأسواق الجاذبة للاستثمار الأجنبي في الشرق الأوسط خاصة حين ننظر إلى القيمة السوقية التي بلغت أكثر 1.4 تريليون ريال في نهاية يوليو الماضيquot; على الرغم من الأسعار المتدنية لمعظم الشركات والتي يفترض أن تكون اعلى من ذلك مقارنة بأداء الشركات على ارض الواقع من خلال قراءة قوائمها المالية.
مضيفا أن ذلك يتضح في دور الهيئة بالسماح للاستثمار الاجنبي داخل السوق السعودية، إذا نظرنا الى نفسية المتعاملين السعوديين الذين مازالوا ينظرون بشكل متشائم للاستثمار في السوق بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم، بالإضافة الى غياب التنظيم في السوق، وبالتالي في حال استقطاب سيولة خارجية لا شك أنها ستدعم السوق وسترفع المؤشر الى مستويات اكثر مما هي عليه الآن.
ويأتي دور مهم لصناديق الاستثمار التي تدار من قبل شركات الوساطة والبنوك، والتي يتضح من خلال نتائجها أنها تؤدي دوراً جيداً، وبالتالي في حال زيادة الاستثمار فيها خاصة من قبل المتعاملين الذين لا يملكون خبرة جيدة في الأسواق المالية، ستحدث فرقاً في السيولة المتداولة في السوق، مدعومة بإجراءات الهيئة التنظيمية المتعلقة بصناديق الاستثمار التي عالجت العديد من المشكلات السابقة.
توقعات الأداء للفترة القادمة
وتشير عدة تقارير منشورة ، وكذلك توقعات المحللين الاقتصاديين أن أداء المؤشر للفترة الحالية الذي تخطى ثمانية آلاف نقطة سيستمر خلال الفترة القادمة في موجة الصعود مع وجود فترات جني أرباح وانخفاضات منطقية، في ظل توفر البيئة المناسبة والعوامل الاقتصادية والسياسية المستقرة داخل المملكة، وتعافي معظم الاقتصاديات العالمية وخاصة الأوروبية، لذلك لا يوجد ما يجعل المؤشر يتعرض لضغوط خلال الفترة القادمة، وربما تعود مستويات قياسية أخرى لم نرَها منذ أكثر من خمس سنوات.