استقبل محللون من مختلف ألوان الطيف السياسي في أوروبا العام الجديد من دون أن يروا فيه ما يبعث على التفاؤل بآفاق القارة. وفي حين أن أقصى ما تنبأ به المتفائلون هو معدل نمو قدره 1 في المئة فقط في 2015، فإن الغالبية أعربت عن خوفها من نكوص الاقتصاد الأوروبي إلى ركود أعمق وأطول أمدًا.


عبدالاله مجيد: يشير هؤلاء إلى أن ألمانيا، التي تعتبر أقوى الاقتصادات الأوروبية بلا منازع، لم تحقق نموًا صافيًا على الإطلاق في الربعين الأخيرين من 2014. وأصبح الرأي الشائع توقع انكماش يستمر عشر سنوات، وإنتاجية متدنية وبطالة مرتفعة.&

جدة مصابة بالخرف
ويرى محللون أن الإصلاحات الاقتصادية على أهميتها لن تعالج مشاكل أوروبا الأساسية ذات الطبيعة الديموغرافية أكثر منها اقتصادية. وهذا ما أشار إليه البابا فرنسيس في تشرين الثاني/نوفمبر عندما تحدث في البرلمان الأوروبي قائلًا "إن أوروبا الآن جدة، لم تعد شابة خصبة وحيوية". وذهب رئيس معهد أميركان إنتربرايز للأبحاث آرثر بروكس أبعد من البابا قائلًا "إن الجدة أوروبا لا يتقدم بها السن فحسب، بل إنها أخذت تصاب بالخرف أيضًا".&

وبحسب القاعدة البيانية الدولية لمكتب الإحصاء الأميركي فإن نحو 20 في المئة من سكان أوروبا الغربية كانوا في سن الخامسة والستين أو أكبر عام 2014. وبحلول عام 2030 سترتفع النسبة إلى 25 في المئة.&

قلة الإنجاب
المشكلة الأخرى التي لا تقل خطورة على آفاق النمو الاقتصادي في أوروبا هي الخصوبة أو ضعفها في حالة القارة العجوز. وبحسب أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن آخر مرة كانت دول الاتحاد الأوروبي تنجب بقدر ما تفقد، أي ما يزيد قليلًا على طفلين لكل امرأة كانت في منتصف السبعينات. وكان متوسط عدد الأطفال لكل امرأة نحو 1.6 طفل في عام 2014. وحذر رئيس معهد أميركان إنتربرايز للأبحاث في صحيفة نيويورك تايمز من أن الطفل الأوروبي سيكون طفلًا "بلا شقيقات أو أشقاء وبلا أبناء عمومة أو خؤولة وبلا أعمام أو عمات وبلا أخوال أو خالات".&

العمالة الضئيلة
هناك أيضًا التشغيل. ففي أيلول/سبتمبر الماضي بلغت نسبة الأيدي العاملة المشاركة في اقتصاد الولايات المتحدة 62.7، وهي نسبة لا يُعتد بها، لكنها تبقى أفضل من أوروبا، حيث بلغت 57.5 في المئة في دول الاتحاد الأوروبي عام 2013.

البقعة المضيئة الوحيدة في هذه الصورة القاتمة هم المهاجرون. ففي عام 2012 كان متوسط العمر لعموم السكان في الاتحاد الأوروبي 41.9 سنة، في حين أن متوسط عمر المهاجرين في دول الاتحاد كان 34.7 سنة. وهؤلاء المهاجرون هم الذين يعملون ويدفعون ضرائب عندما يتقاعد الأوروبيون، ويصبحون عبئًا ماليًا كبيرًا على الاقتصاد.&

ورغم ذلك يتصاعد العداء ضد المهاجرين في عموم القارة الأوروبية. وحققت الأحزاب اليمينية المعادية للمسلمين والمهاجرين بصفة عامة نجاحات تثير القلق في انتخابات البرلمان الأوروبي في العام الماضي. فأوروبا العجوز ليست جدة تجلس بهدوء عند النافذة، حيث تصارع الوقت بالحياكة، بل هي أقرب إلى الجد النزق، الذي يشهر عصاه متوعدًا الغرباء، الذين يقتربون من حديقة بيته، على حد تعبير بروكس رئيس معهد أميركان أنتربرايز للأبحاث.&
&