لن يكون رفع العقوبات عن إيران مؤثرًا في الاقتصاد الخليجي، فالانفتاح على طهران مستبعد اليوم، إذ على النظام الإيراني العمل ليعيد الثقة الخليجية المفقودة به، بسبب تدخله المستمر في شؤون جيرانه الداخلية.

بيروت: أما وقد رُفعت العقوبات عن إيران، فإن اقتصادها المنهك يبدو في حاجة ماسة إلى الاستثمارات في كل القطاعات. فالبنية التحتية متهالكة والعملة خسرت نحو 50 في المئة من قيمتها.

ويُعتقد أن&إقبال الشركات الأجنبية على الفرص المتاحة هناك سيشهد ارتفاعًا خلال الفترة المقبلة، وذلك نابع من حاجة هذه الشركات إلى سوق جديدة متعطشة لكل شيء، ما يشكّل فرصة لتصريف الانتاج وإنجاز المشاريع.

فهل ستتأثر الأسواق الخليجية برفع العقوبات عن إيران؟ وهل من دور تؤديه دول مجلس التعاون في هذه المرحلة؟ سؤالان يبرزان إلى واجهة النقاش عند الحديث عن إيران ما بعد العقوبات.

المؤشرات تبيّن أن اقتصادات الخليج لن تتأثر بالموضوع لأن التعامل التجاري بين الجانبين لم يكن كبيرًا في الأصل، والعنصر الأهم في ذلك هو فقدان الثقة في الجانب الإيراني بسبب سياساته التي تخيف دول الجوار الخليجي.

دور النفط

قالت شيرين محمدي، المحللة المشاركة لشؤون التصنيفات الائتمانية في وكالة موديز"، لـ "إيلاف" إن& الاقتصادات الخليجية ستتأثر بدرجات مختلفة من قرار رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، "فالاقتصادات التي تمتعت بعلاقات تجارية تاريخية مع إيران مثل دبي وسلطنة عُمان ستشهد على الأرجح زيادة في حجم الأعمال والتجارة، فالتجارة غير النفطية بين دبي وإيران تراجعت بمعدل 26 في المئة بين عامي 2011 و2014 في نتيجة مباشرة للعقوبات، والآن نتوقع أن& تستعيد هذه الحركة زخمها، خصوصًا أن& المؤسسات المالية غير الأميركية ستتحرر من العقوبات السابقة".

وتوقفت محمدي عند أثر رفع العقوبات في سوق النفط، وأشارت إلى أن& الدول الخليجية ستتأثر في هذا المجال بدرجة أكبر. وقالت: "رفع العقوبات عن إيران يؤدي حتمًا إلى مزيد من التراجع في أسعار النفط وفي هذا الموضع نعم ستتأثر الدول الخليجية المصدرة للنفط، ففي السابق استطاعت دول الخليج تكوين احتياطات نقدية كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط، لكن حتى هذه الدول مثل السعودية والإمارات بدأت الآن تتخذ خطوات أكثر صرامة لضبط الإنفاق".

وأشارت إلى أن دول الخليج تبحث في سبل التكيّف مع أسعار النفط المنخفضة لأطول فترة ممكنة، وأوضحت أن& إيران سبق لها أن& واجهت هذا الأمر منذ سنوات، فعائداتها النفطية تراجعت من 12.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 و2009 إلى نحو 6.25 في المئة من الناتج في عام 2014، "وكان على إيران أن تعيد هيكلة نظام دعم أسعار المحروقات منذ سنوات، أما دول الخليج فهي تقوم بهذه الخطوات اليوم، والحقيقة أن صندوق النقد الدولي سبق أن& اعتبر الإجراءات التي اتخذتها إيران بدءًا من عام 2010 مثالًا على الدول الأخرى أن& تأخذه في الاعتبار".

نقطة إيجابية

ولفتت إلى أن رفع العقوبات وتحرير الأرصدة المجمدة سيعزز الدافع الموجود لدى إيران للاستثمار في رفع طاقتها الإنتاجية من النفط، وهذا لا ينطبق على دول الخليج.واعتبرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أن رفع العقوبات نقطة إيجابية لأن ذلك سيتيح تعزيز السيولة من خلال فك تجميد الأرصدة الخارجية كما سينعش الاقتصاد.

وأفادت الوكالة في بيان بأن الأرصدة الإيرانية المجمّدة خارجيًا تقدر بنحو 150 مليار دولار، وأن تحريرها سيفسح المجال أمام شطب بعض الديون المعدومة لدى المصارف والتي ناهزت العام الماضي 12 في المئة من إجمالي الائتمان الممنوح.

ولفتت الوكالة إلى أن& الاحتياط النفطي الإيراني المؤكد يُقدّر بنحو 382 مليار برميل، مشيرة إلى أن& المسؤولين هناك يتوقعون ارتفاع الانتاج بنحو نصف مليون برميل بعد رفع العقوبات مباشرة، وأن كمية مساوية ستضاف إلى الانتاج بحلول نهاية العام أيضًا، مشددة على أن هذه الزيادة ستساهم في تعزيز النمو العام المقبل.

ووفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن النمو في إيران يتراوح ما بين 4 و5.5 في المئة في 2016 و2017، مدعومًا بارتفاع إنتاج النفط وزيادة الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي.

لا تأثير

وأشار خبير مصرفي في دبي إلى أن& اقتصادات دول الخليج عمومًا لن تتأثر لا سلبًا ولا إيجابًا برفع العقوبات عن إيران وانفتاح سوقها، لأن دول الخليج أصلًا لا تعتمد تجاريًا على إيران، وقال متحدثًا إلى "إيلاف": "التأثير الأساس سيكون في موضوع النفط وتحرك أسعاره ودور إيران في السوق العالمي". وتوقع أن& تلعب الامارات الدور الأكبر في هذه المرحلة وتابع: "باقي دول الخليج، وتحديدًا السعودية والكويت، لا انعكاس للأمر عليها حاليًا".

ووفقًا لبيانات الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء في الإمارات، بلغ إجمالي صادرات دبي إلى إيران في 2014 نحو 11.5 مليار دولار. وأظهرت أرقام البنك الدولي أن& حصة دول مجلس التعاون من صادرات إيران لم تتجاوز 5 في المئة، منها 2 في المئة للسعودية ومثلها للإمارات وواحد في المئة لسلطنة عمان.

وأشار البنك إلى أن& حصة دبي من واردات إيران ارتفعت من 14 في المئة من الإجمالي في عام 2000 إلى 36 في المئة في عام 2014.

الانفتاح مستبعد

وأضاف الخبير المالي، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخوّل بالتصريح: "أستبعد أي انفتاح خليجي على إيران في المستقبل القريب، لأن الثقة مفقودة في الطرف الإيراني، وعلى سبيل المثال لا الحصر، العلاقات التجارية السعودية التركية لم تتحسن إلا أخيرًا لأن الثقة كانت مفقودة، لكن مع تطور العلاقات السياسية في الفترة الأخيرة تطورت الروابط الاقتصادية والتجارية وشهدنا تدفقًا للاستثمارات الخليجية إلى تركيا، فالأمر مع إيران مرتبط في مدى قدرتها على بناء ثقة جيرانها وهذا يتطلب الكثير من العمل".

وردًا على سؤال عن الدور الذي قد تؤديه دبي في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، قال: "الإمارة أدت دورًا تاريخيًا في كونها محطة دخول إلى إيران ومستودعًا للتجارة معها، وستشهد تحسنًا أكيدًا إنطلاقًا من موقعها كمعبر للشركات العالمية الراغبة في الدخول إلى إيران".

وأفاد بأن شركات صناعية عالمية أنهت تحضيراتها في دبي وهي تتأهب للتوجه إلى إيران، وقال: "شركتا فيات الإيطالية ورينو الفرنسية حضرتا مصنعين جاهزين للانتقال إلى إيران فور تبلور الأمور هناك، ولمصنع رينو طاقة انتاج 40 ألف سيارة سنويًا، والشركة مستعدة لدخول السوق الإيرانية، هذا الأمر ينطبق على شركات عدة، خصوصًا في المجال الصناعي".

وأستبعد الخبير دخول المصارف والشركات الخليجية الكبرى إلى إيران وفتح فروع لها هناك حاليًا، واعتبر أن حضورًا قد يُسجّل لبعض الشركات، لكن ذلك ليس نابعًا من سياسة انفتاح خليجية، إنما من مبادرات خاصة.