طهران: يعبر خبراء عن شكوك كثيرة ازاء مستقبل الاقتصاد الايراني الذي لا يزال يعاني نتيجة العقوبات الاميركية التي لا تزال مفروضة عليه ولو ان البعض يرون بوادر أمل رغم تلويح الرئيس الاميركي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي.
وزاد من اجواء الغموض حول افاق الاقتصاد الايراني تصريحات ترمب الجمعة بانه سيمدد العمل للمرة الاخيرة بتعليق العقوبات الدولية مطالبا اوروبا بالعمل مع بلاده من اجل "التصدي للثغرات الكبيرة" في نص الاتفاق النووي.
يقول متداول اجنبي في بورصة طهران رفض الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس "لا أحد لديه اي فكرة عما يحصل. لقد اثار ترمب الغموض على عدة أصعدة".
ومضى المصدر يقول "ليس أمرا سلبيا بالضرورة فالامور يمكن ان تتحسن في الواقع اذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق. فالاتحاد الاوروبي يمكن ان يبقى ويؤمن حماية لصناعاته من العقوبات الاميركية... او يمكن ان تزداد الامور سوءا، لا نعلم".
في الظاهر، يبدو الهجوم الشرس لترمب كارثيا على الاتفاق التاريخي الموقع في 2015 والذي ينص على رفع تدريجي للعقوبات الدولية لقاء امتناع طهران عن تطوير برنامجها النووي.
فقد اعلن ترمب ايضا فرض عقوبات جديدة متعلقة بحقوق الانسان وبرنامج الصواريخ الايراني ستضاف الى مجموعة كبيرة من العقوبات التي تشكل عائقا يحول دون اقبل العديد من الشركات الغربية على الاستثمار في هذا البلد.
وأبدى العديد من المصارف الاجنبية حذرا شديدا قبل العودة الى ايران اذ هناك مخاوف من تكرار العقوبة القياسية التي فرضت على مصرف "بي ان بي باريبا" الفرنسي لخرقه العقوبات الاميركية على ايران والتي بلغت 8,9 مليارات دولار.
وتبدو الامال ضعيفة بتحقيق هدف الحكومة بجذب استثمارات اجنبية بقيمة 50 مليار دولار في العام بعد ان قالت طهران ان قيمة الاستثمارات الاجنبية في العام 2016 كانت اقل من 3,4 مليارات دولار.
- "اتفاقات في الكواليس" -
لكن دبلوماسيين اوروبيين يقولون ان امورا كثيرة تحصل في الكواليس. اذ هناك ازدياد في وتيرة الاتفاقات حول تجهيزات صناعية وحقول الطاقة الشمسية ومزارع منتجات الالبان في العامين الماضيين.
لكن دبلوماسيا اوروبيا يقول "لا ازال متفائلا بحذر"، مضيفا ان "العديد من الشركات استثمرت بمبالغ طائلة بحيث لم يعد بوسعها الانسحاب وستتوصل الى سبيل لانجاح الامور بغض النظر عما سيكون عليه قرار ترمب".
لكن الفارق الكبير خلال عهد ترمب هو السرية. ويقول رجل الاعمال الغربي ان "الاتفاقات تتم في الكواليس اذ ليس هناك فائدة من الاعلان عنها. هناك جهات كثيرة لديها مصالح في الولايات المتحدة او لدى مستثمر أميركي ولا تريد ان تصبح هدفا".
ولم تعتمد بعض الشركات الكبرى لا سيما الفرنسية منها هذا السلوك.
فقد وقع عملاق الطاقة الفرنسي "توتال" عقدا للتنقيب عن الغاز بقيمة 5 مليارات دولار في حزيران/يونيو الماضي بينما اعادت شركات "بيجو" و"رينو" لتصنيع السيارات فتح مصانع في البلاد.
كما أعلنت ايطاليا منح قرض ب6 مليارات دولار لمشاريع انمائية قبل ايام فقط على الموقف الاميركي الاخير ازاء الاتفاق النووي.
يقول مستشار الشؤون الدولية لدى منظمة الخصخصة الايرانية فريد دهديلاني ان "الهوة تتسع بين أوروبا والولايات المتحدة وقد مضى على ترمب اكثر من عام وهو يحاول تقويض الاتفاق لكنه يفشل".
- "شيئا لم يتحقق" -
لكن ذلك لم يحل دون تبدد الحماسة الاولى التي رافقت توقيع الاتفاق النووي. ويقول المحلل الاقتصادي المقيم في طهران نفيد كالهور "كنت اعمل في البورصة عند توقيع الاتفاق وكنا نشعر بالحماسة الكبيرة والامل لكن شيئا لم يتحقق عندما اتصل بزملائي من الوسائط".
ومضى كالهور يقول "القطاعات الوحيدة التي استفادت هي السلع كالنفط والمناجم والبتروكيميائيات لكن اموال النفط لا يمكنها حل كل مشاكلنا لوحدها".
وساعدت عودة ايران الى اسواق النفط العالمية في دفع نموها الاقتصادي قدما الى اكثر من 12% في العام الماضي لكن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة جدا وهناك حدود لعدد الوظائف التي يمكن أن يستحدثها قطاع النفط في أي وقت.
ويضيف كالهور "انظروا الى الاحتجاجات. الناس العاديون ليسوا متفائلين ازاء المستقبل"، في اشارة الى المواجهات الدامية التي شهدتها عشرات المدن الايرانية في مطلع العام على هامش الاحتجاجات على غلاء المعيشة واجراءات التقشف.
ويتابع "نحن بحاجة الى شركاء تجاريين أفضل ويتمتعون بمصداقية أكبر وأقدر على دخول الاسواق العالمية فنحن نقترض اكثر مما نجتذب استثمارات وذلك من شأنه اثارة مشاكل أكبر في المستقبل عندما سيتعين علينا تسديد ديوننا. انها حلقة مفرغة".
ويلفت عدد كبير من الايرانيين الى ان المشكلة لا تقتصر على ترمب فسوء الادارة والفساد المنتشران منذ سنوات لا يجعلان من ايران وجهة تجتذب الاستثمارات بشكل فعلي.
ويقول دهديلاني "علينا تسهيل قدوم الاستثمارات الاجنبية من خلال الغاء الاجراءات البيروقراطية غير الضرورية كمهلة ثلاثة او اربع اشهر الضرورية من اجل استصدار ترخيص"، مضيفا "في النهاية، نجاح الاتفاق النووي يتوقف على الايرانيين".
التعليقات