ستؤدي السيارات الكهربائية إلى هبوط أسعار النفط، وفقدان ترليونات الدولارات من القيمة الاستثمارية، في مقابل توفير ترليونات الدولارات من الفرص الاستثمارية الجديدة والفائض الاستهلاكي ونمو إجمالي الناتج المحلي. إنها وصفة مثلى لتخلي الاقتصاد السعودي عن إدمانه على النفط. 

خاص إيلاف: يعرف العالم الآن أن السعودية تنفذ مشروعًا طموحًا لتحويل اقتصادها ومجتمعها. وفي الحقيقة، "رؤية السعودية 2030" التي أُطلقت في أبريل 2016 أصبحت من أشهر خطط التحول الوطني في العالم، وباتت رمزًا للتغيرات التي تشهدها المملكة، وعنوانًا للمبادرة التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. 

الصين في المقدمة
تهدف الخطة إلى تقليل اعتماد السعودية على النفط، ورفع كفاءة الإدارة الحكومية، وتطوير الاستثمارات السعودية في العالم، وجعل المملكة مركزًا تجاريًا لثلاث قارات. تتضمن الرؤية أيضًا إصلاحات كبيرة في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والبنى التحتية والاستجمام والترفيه.

كما تخطط المملكة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية في حقبة ما بعد النفط. وفي هذا الشأن، تقدر مؤسسة بلومبرغ نيو إنيرجي فاينانس لبحوث الطاقة أن الحافلات الكهربائية ستشكل ما يربو على نصف إجمالي أسطول الحافلات في العالم بحلول عام 2015، ونحو 85 في المئة من المبيعات الجديدة للحافلات بحلول عام 2030.

ستقود الصين، وكانت أكبر مصدر للطلب على النفط خلال العقد الماضي، هذا التوجه نحو الكهربة. وستصبح السيارات الكهربائية أرخص من نظيراتها التي تعمل بالبترول. وبحلول عام 2030، ستُباع 30 مليون سيارة كهربائية تشكل 28 في المئة من المبيعات الجديدة، و60 مليون سيارة بحلول عام 2040، وفق تقديرات بلومبرغ نيو إنيرجي فاينانس. كما تزداد كفاءة محرك الاحتراق الداخلي في استهلاك البترول. يضاف إلى ذلك أن مبيعات السيارات تتراجع بتأثير خدمات النقل الجديدة بسيارات الأجرة، مثل أوبر. 

إدمان على النفط
إذا عرفنا أن السيارات تستهلك زهاء ربع إنتاج النفط في العالم، فهذه الاتجاهات تدفع نحو تناقص الطلب على النفط. ولا شك في أن صانعي السياسة في الرياض يأخذون هذه التطورات في الحسبان لدى وضع خططهم. وأطلق هذا الضغط على الطلب نقاشًا حول بلوغ الطلب على النفط ذروته وحتمية هبوطه بعد ذلك. 

لا يعني هذا نهاية حقبة النفط، كما يتوقع البعض، وهذا سيناريو تتحسب له السعودية، التي يشكل النفط 90 في المئة من عائداتها التصديرية، ويساهم بنحو نصف إجمالي ناتجها المحلي. كان الأمير محمد بن سلمان مصيبًا عندما أشار في مقابلة تلفزيونة إلى "حالة إدمان على النفط" في السعودية. 

يتوقع توني سيبا، الخبير المتخصص في الطاقة النظيفة، أن تكون لانتشار السيارات الكهربائية تداعيات بالغة الأثر في قطاع النقل وصناعة النفط، متسببة في هبوط أسعار البترول بحدة وتدمير ترليونات الدولارات من القيمة الاستثمارية، في مقابل توفير ما قيمته ترليونات الدولارات من الفرص الاستثمارية الجديدة والفائض الاستهلاكي ونمو إجمالي الناتج المحلي. 

هذه رسالة لن تفوت على المخطط السعودي حين يضع مشروعاته لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. 

عصر ضبط النفس
تكمن المفارقة في أن آفاق الثورة التي ستحدث بالارتباط مع السيارة الكهربائية والطاقة المتجددة يمكن في الحقيقة أن ترفع أسعار النفط خلال العقدين المقبلين، بحسب دراسة جديدة أجراها بنك غولدمان ساكس الاستثماري، واصفًا هذه الفترة بأنها "عصر ضبط النفس". يعني ضبط النفس إزاء الاستثمار في تنقيبات تقليدية جديدة عن النفط أن الأسواق لن تشهد تخمة. ومن شأن هذا أن يزيد عائدات السعودية النفطية، ويرفد مشروعات الأمير محمد بن سلمان بالموارد المالية المطلوبة.

بذلك، يكون للسعودية عقد في الأقل لتعزيز وضعها الاقتصادي، في مواجهة أي اضطرابات تحدث نتيجة صعود السيارة الكهربائية وهبوط الطلب على النفط، الأمر الذي يؤكد أهمية رؤية السعودية 2030.

إحدى الطرائق التي يمكن أن تستخدمها المملكة لمواجهة مثل هذه الاحتمالات هي زيادة استثماراتها في استخراج النحاس في الداخل والخارج. فكي تصبح ثورة السيارة الكهربائية واقعًا، سيحتاج العالم الكثير من النحاس، أحد المكونات الأساسية في البطاريات الكهربائية.

تنفذ شركة التعدين الوطنية السعودية "معادن" مشروعًا مشتركًا مع شركة باريك غولد الكندية لاستخراج النحاس في المملكة. بلغ إنتاج المشروع في العام الماضي 43 مليون رطل من النحاس، ويُقدر أن الاحتياطات الثابتة والمحتملة للمنجم تبلغ 626 مليون رطل من النحاس. هذا الحجم لا يضع السعودية في مصاف منتجي النحاس كبار، مثل تشيلي وأستراليا، لكن الاستثمار الخارجي مستقبلًا في استخراج النحاس ومعادن أخرى ضرورية للبطاريات سيمنح المملكة فرصة للمساهمة بقسطها في ثورة السيارة الكهربائية.