بيروت: سجّلت الليرة اللبنانية الخميس انخفاضاً غير مسبوق أمام الدولار في السوق السوداء لامس عتبة الخمسة آلاف، في تدهور متسارع أدّى إلى خروج تظاهرات ضدّ السلطات التي يتّهمها المحتجّون بالفساد، في بلد يشهد انهياراً اقتصاديّاً متفاقماً.

يأتي تدهور سعر صرف الليرة في وقتٍ تعقد السلطات اجتماعات متلاحقة مع صندوق النقد الدولي أملاً بالحصول على دعم مالي يضع حدّاً للأزمة المتمادية، في حين تقترب الليرة من خسارة نحو سبعين في المئة من قيمتها منذ الخريف.

إزاء التدهور المتسارع، نُظّمت تظاهرات تخلّلها قطع للطرق في مناطق لبنانية عدّة. وتجمّع عشرات المتظاهرين عند تقاطع رئيس في وسط بيروت لقطعه، وفق ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.

هتف المتظاهرون "حرامي حرامي رياض سلامة حرامي"، في إشارة إلى حاكم المصرف المركزي اللبناني، و"الشعب يُريد إسقاط النظام". وردّدوا شعارات جامعة وموحّدة، بعد مواجهات طائفية سُجّلت في نهاية الأسبوع الماضي.

انضمّ عشرات الشبّان على درّاجات نارّية من منطقة خندق الغميق، إلى المتظاهرين على جسر الرينغ، وجرى "توحيد للشعارات والهتافات المطلبيّة والمعيشيّة"، وفق ما أوردت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسميّة.

قال هيثم المشارك في التظاهرة "مطلبنا عيّشونا بكرامة"، مؤكّداً أنّ الأشغال متوقّفة ولا قدرة على شراء الضروريّات، وأنّ الناس "ما بقى قادرة تتحمّل".

وفي وسط العاصمة، قرب ساحة رياض الصلح، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين كانوا يُلقون حجارة، حسب مشاهد بثّتها محطّات تلفزة محلّية. وقطع متظاهرون الطريق السريع شمال بيروت وأشعلوا إطارات، وفق ما أوردت محطّة تلفزيون محلّية.

في طرابلس، أطلق عناصر الجيش قنابل مسيلة للدموع لتفريق متظاهرين أمام فرع مصرف لبنان في المدينة، بعدما حاولوا اقتحامه، وفق الوكالة الوطنية التي أشارت إلى إصابة ثمانية أشخاص بجروح ورضوض.

وقطع محتجّون طرقاً رئيسة وفرعيّة في المدينة، وألقيت قنبلة مولوتوف على فرع المصرف المركزي، بعد فشل محاولة اقتحامه.
كذلك، سُجّلت تحرّكات مماثلة في صور وصيدا (جنوب) حيث أضرم محتجّون النار في مستوعبات النفايات.

وفيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات، حدّدت نقابة الصرافين الخميس سعر شراء الدولار بـ3890 حدّاً أدنى والبيع بـ3940 حدّاً أقصى، في خطوة بدأتها منذ أيام بالتنسيق مع الحكومة في محاولة لتثبيت سعر الصرف على 3200 ليرة.

وبينما أغلق العديد من محال الصيرفة أبوابه بحجّة عدم توفر الدولار، قال أحد الصرّافين في بيروت لفرانس برس رافضاً كشف اسمه، إنّ سعر مبيع الدولار في السوق السوداء بلغ خمسة آلاف ليرة الخميس بينما الشراء 4800.

في الضاحية الجنوبية لبيروت، بدأ شراء الدولار صباحاً بـ4850 ليرة، وفق ما أوضح أحد الصرّافين في السوق السوداء لفرانس برس. وفي جنوب لبنان، قال أحد المواطنين إنّه باع مبلغاً بالدولار لأحد الصرّافين بسعر 4750 ليرة للدولار. مساءً، أوردت وسائل إعلام محلّية أنّ سعر التداول بلغ ستّة آلاف ليرة للدولار.

جلسة حكومية الجمعة
يشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار. وتسبّبت الأزمة بارتفاع معدّل التضخّم وجعلت قرابة نصف السكّان تحت خط الفقر.

ومساء الخميس، جاء في بيان لحاكم مصرف لبنان أنّه "يتمّ التداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي معلومات عن سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانيّة بأسعار بعيدة عن الواقع، ممّا يضلّل المواطنين، وهي عارية من الصحة تماماً".

وفي محاولة لضبط سوق الصرافة غير الشرعيّة، يعتزم مصرف لبنان بدء العمل بمنصّة إلكترونيّة لعمليات الصرافة في 23 يونيو.

أصدرت رئاسة الحكومة اللبنانيّة بياناً جاء فيه أنّ رئيس مجلس الوزراء حسان دياب قرر عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء الجمعة مخصّصة لمناقشة الأوضاع النقديّة.

دفعت هذه الأزمة مئات آلاف اللبنانيين للخروج إلى الشارع منذ 17 أكتوبر احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتّهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة. ووجد عشرات الآلاف أنفسهم خلال الأشهر الأخيرة يخسرون وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، ما رفع معدل البطالة إلى أكثر من 35 في المئة، حسب إحصاءات رسمية.

ينعكس الانخفاض في قيمة العملة المحلية على أسعار السلع والمواد الغذائية وكلّ ما يُستَورد، كالمفروشات والأدوات الكهربائية وقطع السيارات.

أبدى نبيل (64 عاماً) وهو موظّف متقاعد، سخطه من التغيير اليومي في سعر الصرف. وقال لفرانس برس "أمس توجّهت إلى متجر للأدوات الكهربائية لشراء برّاد، طلب منّي البائع تسديد ثمنه إما 1200 دولار نقداً أو ما يعادله وفق سعر صرف خمسة آلاف، أي 6 ملايين ليرة، أي ضعفي راتبي الشهري".

لا تزال الحكومة عاجزة عن احتواء الأزمة وتعلّق آمالها على صندوق النقد في محاولة للحصول على أكثر من 20 مليار دولار بينها 11 مليار أقرّها مؤتمر سيدر في باريس عام 2018 مشترطاً إجراء إصلاحات لم تبصر النور.

ونبّهت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير الإثنين إلى أنّ "لبنان يحتاج مساعدات خارجية ملحّة لتفادي أسوأ العواقب الاجتماعية" شرط أن تكون مقرونة بتبنّي السلطات إصلاحات ضروريّة ما زالت تتجاهلها.