لندن: تتعرض عملة البتكوين المشفرّة بانتظام لانتقادات الجهات الناظمة بسبب استخداماتها غير القانونية، لكن شفافية شبكتها قد تنقلب سوءًا على المجرمين، كما حصل أخيرًا لمجموعة القرصنة الإلكترونية "داركسايد".

وبعدما حصلوا على فدية ضخمة من شركة "كولونيال بايبلاين" النفطية بقيمة 4.4 ملايين دولار دُفعت بالبتكوين، فقد قراصنة المعلوماتية هؤلاء ما يوازي 2,3 مليون دولار من هذا المبلغ بعدما صادرتها السلطات التي تتبعت عملياتهم المالية، على ما أعلنت مساعدة وزير العدل الأميركي ليزا موناكو الاثنين.

وأكدت موناكو خلال مؤتمر صحافي أن "تعقب الأموال هو أحد الأساليب الأساسية لدينا لكنه من الأكثر فعالية".

شبكة لامركزية

كيف استطاعت السلطات الأميركية تعقب هذه العمليات، فيما يوصف البتكوين أحيانًا بأنه شبكة لامركزية ولا إسمية؟

في عمليات الدفع المصرفية العادية، يمكن للشرطة التوجه إلى المصرف الذي أرسل المال أو تلقاه، لكن مع البتكوين، لا يتطلب السجل الذي يتتبع هذه العمليات، وهي سلسلة كتل (بلوكتشين)، من المستخدمين كشف هوياتهم.

في المقابل، هذه الـ"بلوكتشين" لها طابع عام أيضًا، إذ يمكن للجميع تحميلها وتدوين العمليات المالية من خلالها من ثم محاولة التكهن بالجهة التي تنتمي إليها العناوين المجهولة التي تصل إليها البتكوين.

وفيما يضع بعض المستخدمين عملات البتكوين الخاصة بهم في مأمن على وسائط خارج الإنترنت، كنواقل "يو اس بي" أو أقراص صلبة على سبيل المثال، فإن العملات المشفرة لمجموعة "داركسايد" كانت متصلة على الدوام بحساب إلكتروني تؤكد السلطات الأميركية أنها استحوذت على مفتاحه، من دون أن توضح هل عمدت إلى قرصنة حساب المقرصنين أم أنها تلقت معلومة من مخبر.

في 2019، سمح تحليل سلسلة "بلوكتشين" للسلطات البريطانية والأميركية بتفكيك شبكة تستغل الأطفال بمواد إباحية واوقفت أكثر من 300 شخص في 38 بلدًا.

وأصبحت عملية التعقب المعقدة للعمليات المالية صناعة قائمة بذاتها. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة شركات متخصصة في تحليل سلاسل الكتل (بلوكتشين) للعملات المشفرة، مثل "تشاين أناليسس" في الولايات المتحدة أو "إيليبتيك" في بريطانيا.

وأظهر تقرير نشرته "تشاين أناليسس" في فبراير أن قيمة العمليات بالعملات المشفرة لغايات غير قانونية بلغت 10 مليارات دولار سنة 2020، أي 1% من إجمالي أنشطة العملات المشفرة العام الماضي وأقل من نصف المستوى المسجل قبل عام، حين بلغت هذه الأنشطة مستوى قياسيا عند 21,4 مليار دولار.

وأوضحت الشركة الأميركية أن "العملات المشفرة لا يزال لديها عنصر جذب للمجرمين، خصوصًا بسبب طابعها اللإسمي والسهولة التي توفرها في تحويل الأموال حول العالم، رغم طبيعتها الشفافة والقدرة على تعقبها".

وقد سجلت قيمة المبالغ المدفوعة كفدية بالعملات المشفرة ارتفاعًا كبيرًا في 2020 لتقرب من 350 مليون دولار.

ويقول المحللون في "إيليبتيك" من ناحيتهم إنهم حددوا محفظة البتكوين التي تلقت الفدية التي دفعتها "كولونيال بايبلاين" لقراصنة "داركسايد" ويؤكدون حصول دفعة واحدة أخرى على الأقل بقيمة 4,4 ملايين دولار.

ويتيح تحليل العمليات خصوصًا التعرف إلى منصات بيع البتكوين التي أعادت إليها المحفظة العملات المشفرة التي جرى الاستحواذ عليها بصورة غير قانونية.

وترسم هذه المعلومة مسارات هامة لقوى الأمن من أجل تحديد الجهة المنفذة، وفق الباحث في "إيليبتيك" توم روبنسون.

وزادت الجهات الناظمة للسوق ضغوطها على منصات تبادل العملات المشفرة. وبات عدد منها، مثل "كوين بايس"، يطلب من المستخدمين كشف هوياتهم قبل إجراء أي عمليات.

لا تتبع جميع المنصات القواعد عينها

وتلقي "تشاين أناليسس" و"إيليبتيك" باللائمة على الدور المتنامي لموقع "هيدرا" الروسي للبيع، المتاح عبر شبكة الإنترنت المظلم (دارك نت)، وهي نسخة لا يمكن ولوجها من خلال محركات البحث ويمكن للمستخدمين إخفاء هوياتهم عليها.

ويقول روبنسون إن "هيدرا تتيح سحب المال وأيضا المخدرات وأدوات القرصنة أو هويات مزورة".

ومن خلال استخدام "هيدرا" وعملات مشفرة، استطاع قراصنة "داركسياد" إعادة بيع جزء من البتكوين الذي تقاضوه كفدية إلكترونية.

وبعدما حلق سعر البتكوين في الأشهر الأخيرة (+240 % إلى ما يقرب من 33 ألف دولار بعد ظهر الثلاثاء)، تكيف الهيئات الناظمة استراتيجياتها.

وأكد البنك المركزي الإنكليزي الاثنين أن المدفوعات بالـ"ستايبلكوين"، وهي عملات مشفرة بسعر ثابت، يجب أن تخضع لقواعد مشددة شبيهة بتلك المعتمدة مع المدفوعات المصرفية.