إيلاف من أربيل: قال بدرخان محمد امين، المدير الفني لشركة إيكو كونسولت الهولندية الحكومية، المنفذ والمشرف على برنامج تطوير الزراعة بالعراق، أن العراق بأمكانه أن يصبح "سلة غذاء واعدة " إذا أمتلك الإرادة السياسية والاقتصادية، وأدوات الإدارة الحديثة والتخطيط، والاستفادة من التجارب العالمية التي قطعت شوطا كبيرا في مجال الزراعة، وخاصة في مجال البيوت البلاستيكية، واستثمار الأرض بالطرق العلمية الحديثة التي تقلص كمية الماء في الزراعة بسبب الجفاف.
مستشهداً بتجربة أقليم كردستان في هذا المجال، حيث تبذل قصارى جهودها للارتقاء بقطاع الزراعة، والتخطيط لأن تكون سلة غذاء للعراق والشرق الأوسط، حيث هناك إقبالا من المستثمرين على المستوى المحلي أم الخارجي، ودليلنا هو ارتفاع نسبة الاستثمار الزراعي الداخلي والخارجي من 1.8 بالمئة إلى قرابة 10 بالمئة، وهذا ما شجع الإقليم إلى التوجه إلى الزراعة، بحيث أصبح هناك اكتفاء ذاتي ببعض السلع الزراعية.
وأضاف أن هناك سوء فهم للبيوت البلاستكية، وعدم وعي من قبل الجمهور بشأن إنتاج المحاصيل الزراعية، وعدم تقبل البعض لها من الناحية الصحية والنفسية، وهو رأي غير علمي، ذلك لأن هذه المحاصيل تعتبر أكثر صحية من المكشوفة لأنها أولاً غير معرضة للجو والبيئة الملوثة بالجراثيم والفطريات، وثانيا أنها أقل بكثير من الاحتياجات للأسمدة الكيماوية مقارنة بالشمسية. لذلك نرى الاتجاه العالمي يميل إلى هذا النوع من الزراعة. ومع ذلك فأن السنوات الأخيرة شهدت انتشارا لهذه التجربة في عموم العراق، لكنها دون مستوى الطموح.
يقول السيد بدرخان الذي عمل خبيرا في وزارة الزراعة بإقليم كردستان، ومشرفا حاليا لأحدى الشركات الهولندية المهتمة بتطوير الزراعة في العراق، والذي يلقب بين رجال الزراعة بعراب البيوت البلاستكية، لأنه كان الأول من أدخلها إلى أقليم كردستان ، وأصبحت الآن بالآف منتشرة في بقاع الإقليم: إن التجربة العراقية للزراعة المحميّة جديدة، وهناك جهود مشجعة لوزارة الزراعة في المركز والإقليم لدعم هذه الزراعة ، وخاصة في إقليم كردستان عام 2005 من قبل وزير الزراعة الأسبق السيد عبد العزيز الطيب الذي قاد هذه التجربة بنجاح ، باعتبار البيوت البلاستكية المفتاح الرئيسي لزيادة الإنتاج في مجال محاصيل الخضر .وقد استفاد الإقليم من التجارب العالمية من خلال الزيارات والدورات والدعم اللوجستي .فبدأنا ب8 بيوت بلاستيكية بنجاح ثم 2000 بيت ليصبح الآن أكثر من 30 الف بيت ،ونصفها في منطقة بارزان بالسليمانية حيث تم توزيعها على الفلاحين بشروط من جل ضمان الإنتاج والجودة .وهناك خطة لتطويرها إلى بيوت متعددة الأقواس أو الفضاءات . أما تجربة مناطق الوسط والجنوب فمازالت متواضعة تعتمد على الأنفاق البلاستكية التي هي صغيرة وإنتاجها متواضع قياساً بالبيوت البلاستيكية.
حول أهمية وفوائد زراعة البيوت البلاستيكية مقارنة بالزراعة المكشوفة والتقليدية يقول بدرخان: تتميز البيوت البلاستكية بالزراعة المكثفة بهدف إنتاج الخضروات في بيئة مناسبة بعيدة عن التيارات الهوائية والآفات الزراعية للحصول على إنتاج وفير ضعف ماينتج في الزراعة التقليدية، كما تكون المحاصيل صحية وذات نوعية جيدة، كما تتميز بأنها زراعة عمودية لا تتطلب مساحات كبيرة ،وإنتاج الخضروات في غير مواسمها ،واقل تلوثاً بالتراب والبيئة الملوثة والأمراض المختلفة ،وكذلك بالبيئة والأحوال الجوية المتقلبة .كما تتميز بأنها قليلة هدر المياه ،وتتناسب مع مواسم الجفاف وقلة المياه والأمطار. ولعل أبرز ميزة هو قلة استخدام المبيدات الكيماوية مما يكون المحصول أكثر صحية مقارنة بالمحاصيل التقليدية، ويقلل من الكلفة الاقتصادية بسبب قلة مصاريف المبيدات، ويكون أكثر جدوى وربحاً للفلاحين.
عن المبيدات وتأثيرها الصحي في تجربة زراعة المحميات يقول: بان المحاصيل في البيوت البلاستيكية أكثر صحية كما قلنا سابقا، وهو خلاف الاعتقاد السائد بين الناس، فهذه البيوت لا تدخلها الحشرات إلا قليلا، لذلك فأن استخدام المبيدات هو الآخر قليلا جدا. أما أمراض الفطريات والفيروسات الأخرى فهي قليلة جدا لأننا نحن نتحكم في درجات الحرارة والرطوبة، وهذا ما يسهل نمو المحاصيل بطريقة صحيحة وصحية من ناحية الشكل والجودة. ومع الأسف فأن الفلاح العراقي في الزرعة المكشوفة يستخدم المبيدات بكثرة وبفوضوية غير واعية، ويهتم بشراء المبيدات الرخيصة وغير مسجلة قانونياً دون الاهتمام بنتائجها الصحية الخطيرة على المواطن بقدر اهتمامه بالريح المادي والكسب السريع. وهذا العنف في استخدام المبيدات تؤدي إلى دخول المبيدات إلى جسم الإنسان بالتراكم الزمني مسببة السرطانات والجلطات، وهذا يتطلب من الدولة مراقبة أنواع المبيدات غير المرخصة، وإيجاد آلية عمل مع الفلاحين في كيفية استخدامها بطريقة علمية، وسن القوانين التي تحمي الجمهور من هذا العبث السمادي الذي يفتك بالبيئة والإنسان على حد سواء
وحول أهمية زيادة الوعي بزراعة المحميات في العراق، يؤكد بدرخان بأن العراق يحتاج إلى خطة استراتيجية مدعومة بالعلم وبتجارب الدول المتقدمة من أجل توسيع هذه التجربة التي ستجعل من العراق سلة غذائية واعدة، وتجعل الدولة مكتفية بمحاصيل الخضروات التي تهدر الدولة مليارات الدولارات من اجل توفيرها للشعب. مثلما يحتاج الفلاح وعياً كبيراً بضرورة استخدام هذه البيوت الزجاجية المتطورة التي أثبتت تجربتنا بأنها الأكثر فعالية في زيادة المنتوج، والأكثر ربحاً إذا ما أستوعب الفلاح وظائفها وأهدافها وفوائدها. ما زلت أشعر كخبير ومشرف على الزراعة في العراق من خلال الشركة الهولندية بأن هناك قصورا كبيرا في جميع محافظات العراق في هذا المجال رغم وجود الخبرات والكفاءات والقدرات المالية. فقط نحتاج إلى إرادة التغيير الزراعي، والأحساس بأهمية ولوج هذه التجارب العالمية التي أصبحت عنوانا كبيرا للتطور الزراعي، وتوفير السلات الغذائية للبشر. خاصة إن العالم مقبل على الجفاف وقلة الأراضي الزراعية وزيادة عدد السكان مما يهدد إلى مجاعة عالمية خطيرة
ماهو دور هولندا في تطوير القطاع الزراعي في العراق؟
يقول الخبير الدولي بأن حكومة هولندا من خلال شركة "إيكو كونسلت" تقوم ببرنامج كبير لتطوير الزراعة في العراق، خاصة في مجال زراعة البيوت البلاستيكية من خلال تشجيع ودعم الفلاحين خاصة في أربيل والسليمانية وبغداد وبابل والبصرة. والانتقال إلى زراعة متعددة الأقواس التي هي أكثر تطورا في زراعة المحميات، ولكن هدفنا النهائي هو الانتقال إلى الزراعة الذكية أو ما تسمى الزراعة المائية، الأكثر تطوراً، والأقل هدراً للمياه في ظل الجفاف وقلة الأمطار وذلك من خلال دعم هذه الزراعة لأنها الأكثر أنتاجاً من أنواع الزراعة الأخرى. وكذلك زراعة الحنطة والشعير بدون حراثة. كما تقوم الشركة بمشاريع تعليم “كفاءة الري" لخلق الوعي لدى الفلاح بعدم هدر المياه، ويكون استخدامه حسب النبات وطبيعته. كذلك لدينا برنامج "ما بعد الحصاد" الذي يتضمن كيفية استخدام البرادات للحفاظ على الإنتاج، وكذلك مهارة التنظيف والفرز والتسويق وإعادة التعبئة مما يقلل من الإنتاج التالف الذي يصل إلى المستهلك.
وبعد، هل يمكن ترتيب البيت الزراعي العراقي بطريقة علمية، تؤهله إلى دخول عالم الإنتاج الوفير، والاكتفاء الذاتي، والجودة الزراعية العالية، ومحاصيل زراعية صحية تنقذ العراقي من هذه الفوضى الكبيرة في استخدام مبيدات الموت. والأهم أن يكون العراق مؤهلاً لتوفير سلة غذائية للشعب، وحامياً لأمنه الغذائي، وأن يكون المواطن العراقي أكثر وعياً باستخدام المحاصيل الزراعية المحميّة لأنها الوحيدة القادرة على على توفير الغذاء الصحي في عالم الجفاف والتلوث والبكتريا وأسمدة الموت.
التعليقات