بفضل عربات التلفريك أو "القاطرات المعلقة" والطعام التقليدي والهواء الجبلي النظيف، يرغب صناع القرار وسكان مدينة عجلون شمال الأردن في الترويج لمنطقتهم باعتبارها مركزا للسياحة الخضراء في البلاد، لإنعاش الاقتصاد المحلي من خلال العائدات المالية القادمة من زيادة عدد الزوار لمحطة التلفريك الجديدة في جبال عجلون.
استقبلت سلسلة جبال عجلون والمحمية الطبيعية فيها بفضل محطة التلفريك منذ افتتاحها في شهر يونيو/حزيران الماضي قرابة 300 ألف زائر محلي وأجنبي لخوض تجربة مشاهدة المنحدرات الجبلية والمناظر الطبيعية الخلابة الممتدة لمسافة 20 كيلومتراً تقريباً، يقطع منها التلفريك 2.5 كيلومتر، حيث تبدأ المحطة الأولى من القطعة المخصصة للشركة ضمن أراضي منطقة عجلون التنمویة، فیما ستكون المحطة الثانیة للخروج بالقرب من قلعة عجلون الأثرية.
لكن جبال عجلون معرضة بشكل خاص للكوارث الناجمة عن تغير المناخ، مثل الانهيارات الأرضية والحرائق بفعل ارتفاعات درجات الحرارة. فهل سيكون مشروع التلفريك الجديد صديقاً للبيئة ومنعشاً للاقتصاد في آن واحد؟
التلفريك والسياحة البيئية
تعد الحكومة الأردنية مشروع محطة التلفريك في عجلون منتجاً سياحياً جديداً صديقاً للبيئة، إذ تأمل الحكومة الأردنية أن تقوم هذه المحطة على "خلق مقصد سياحي متنوع في البلاد خلال وقت قياسي".
أشارت بعض الدراسات الأولية المختصة بالسياحة في الأردن إلى أن أعداد رواد السياحة البيئية من الممكن أن ترتفع في منطقة جبال عجلون بفضل عدة مشاريع تنموية صديقة للبيئة مثل محطة التلفريك في غضون خمس سنوات.
بدا واضحاً الاهتمام بالسياحة البيئية في الأردن بشكل كبير بسبب الضغوط للمحافظة على البيئة الطبيعية وتنميتها، وتم إنشاء المحيط البيئي الأول في الأردن عام 1993 في محمية ضانا الطبيعية الواقعة جنوب الأردن.
- محمية ضانا: لماذا أغضب قرار تعديل حدود المحمية أردنيين؟
- قصة محمية طبيعية وسط المدينة تضم عشرات الطيور والحيوانات النادرة في نيوزيلندا
- بريطانيا تقيم محمية بحرية في مياه أسينشن لاند بالمحيط الأطلسي
وتشرف الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن حالياً على عشر محميات طبيعية منها محمية عجلون التي يمر بها خط مسار التلفريك بشكل غير مباشر.
ومن الجدير بالذكر، أن الأردن كان من الدول التي استجابت لإعلان السنة الدولية للسياحة البيئية في عام 2002، للنظر في ممارسات السياحة البيئية عند تخطيط الوجهات السياحية لتحسين مساهمتها في التنمية الاقتصادية المحلية والحفاظ على البيئة.
تقول المديرة العامة للمناطق التنموية في الأردن والمسؤولة عن مشروع محطة التلفريك في الأردن، المهندسة أروى الحياري: "إن مشروع التلفريك هو مشروع سياحي تنموي يهدف إلى تنمية وتشجيع المشاريع السياحية بشكل متكامل في محافظة عجلون".
وتضيف المهندسة أروى أن الهدف من مشروع محطة التلفريك هو السعي للوصول إلى مشاريع سياحية بيئية تحافظ على البيئات الطبيعية وموائلها في غابات عجلون "الفريدة" والبناء على المميزات البيئية لها وفقاً لأفضل الممارسات العالمية.
النقل الأخضر
تشجع السلطات المحلية في الأردن السكان وكذلك السياح، على ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة وركوب الدراجات خلال زيارتهم لجبال عجلون، وتأمل أن تكون الدراجات الكهربائية والتلفريك جزءاً من الحل البيئي والاقتصادي المستدام في المنطقة.
تحظى عربات التلفريك بشعبية كبيرة بين السياح والسكان في مدينة عجلون، وتعتبر صديقة للبيئة، لأن العربات نفسها لا تحتوي على محرك ويتم رفعها بواسطة رافعة كهربائية.
يقول رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن، عمر الشوشان: "يعد مشروع التلفريك من المشاريع الصديقة بيئياً منخفضة الانبعاثات كما أنه قائم على خدمات النظم البيئية، حيث توفر غابات عجلون الميزة الرئيسية للسياحة البيئية".
ويضيف الشوشان أن مسار التلفريك راعى الشروط البيئية التي يتطلبها قانون حماية البيئة رقم 6 لعام 2017، ولا يوجد تأثير على الحياة البرية في المحمية الطبيعية، وتمت دراسات لتجنب أي ضرر بيئي محتمل.
ويرى بعض خبراء البيئة في الأردن أن مسار التلفريك لا يعبر المحمية الطبيعية بشكل مباشر، ما يساهم في خفض النشاط البشري، بحيث يستمتع السياح بالمناظر الطبيعية دون أن يكون هناك ضرر مباشر على الغابات، وخصوصاً من النفايات البلاستيكية التي تلقى في الغابات بسبب "التنزه العشوائي".
كما يشير بعض الخبراء في مجال البيئة إلى أن مشروع تلفريك عجلون من الممكن أن يعزز أهمية الغابات لدى المجتمعات المحلية على أنها "جاذبة للاستثمارات الخضراء وتوفر فرص العمل"، وهذا يشكل عنصر حماية مجتمعية للغابات كونها اصبحت مصدراً للدخل الاقتصادي.
ويلعب مشروع التلفريك دوراً في حماية الغابات "بشكل غير مباشر من خلال الحفاظ على النسق الطبيعي" الذي يعتبر أساس المشروع، بالإضافة إلى زيادة عدد السياح لغايات التمتع بجمالية المنطقة.
إجراءات السلامة والحماية
على الرغم من قلة حوادث عربات التلفريك في العالم، لكن عند وقوعها، فإنها تحصد عشرات الأرواح وتتسبب بخسائر مادية طائلة، لذلك توضع خطوات وقائية واحترازية قبل وبعد الشروع بتشغيل أي محطة تلفريك لمراعاة شروط السلامة والحماية.
وتقول المهندسة أروى الحياري بهذا الصدد: "تتمثل إجراءات السلامة للتلفريك بالمواصفات الهندسية العالمية والجودة العالية لها بحسب الجهة المصنعة والرائدة عالميا بصناعة التلفريك وهي شركة دوبلمير النمساوية وكذلك بالصيانة المستمرة والمنتظمة ضمن برامج زمنية مجدولة مسبقاً".
وتضيف أن الطاقم مؤهل ومدرب لتشغيل محطة التلفريك ومجهز للتعامل مع أي طارىء وفقاً لخطط الطوارئ ومعايير السلامة لمنظومة التلفريك المعمول بها عالمياً.
أبرز حوادث التلفريك في العالم
تقع حوادث عربات التلفريك – رغم قلتها - بشكل سريع ودراماتيكي، ما يشكل معضلة في محاولة تفاديها من قبل الأطقم التي تعمل على تشغيل أي محطة تلفريك، وفي الغالب تكون أسباب هذه الحوادث خارجية، أي ليست لها علاقة بالأنظمة التشغيلية لمحطة التلفريك.
من أبرز حوادث التلفريك التي وقعت في العالم خلال القرن الماضي والحالي:
- سقوط تلفريك قرب مدينة ميرانو الإيطالية في جبال دولوميتي ومقتل خمسة أشخاص عام 1970.
- تحطم تلفريك بيتن بيتميرالب في سويسرا ومقتل 13 شخصاً عام 1972.
- اصطدام بين مقصورتين خلال تشغيل تلفريك دوزالب في فرنسا، ومقتل تسعة أشخاص من مشغلي التلفريك عام 1972.
- سقوط مقصورة تلفريك في مدينة كافاليزي الإيطالية بسبب انقطاع السلك الناقل، ومقتل 42 شخصاً عام 1979.
- اصطدام مقصورتين في تلفريك وادي أوستا في إيطاليا، ومقتل 11 شخصاً عام 1983.
- قطع السلك الناقل لمحطة تلفريك كافاليزي في جبال دولوميتي الإيطالية، ومقتل 20 شخصاً عام 1998.
- تحطم مقصورة تلفريك في مقاطعة أوت ألب الفرنسية، ومقتل 20 شخصاً في عام 1999.
- تحطم محطة تلفريك قرب سولدن في منطقة تيرول النمساوية، ومقتل تسعة أشخاص عام 2005.
- تحطم مقصورة تلفريك في منتجع ستريزا السياحي في مقاطعة بييمونتي الإيطالية، ومقتل 14 شخصاً عام 2021.
التعليقات