إيلاف من دبي: في عالم الذكاء الاصطناعي، ثمة نقاش حام يدور بين فريقين يتقاسمان المشهد التقني الحديث: فريق المتشائمين الذين يرون في تداعيات هذا الذكاء الاصطناعي خطرًا وجوديًا على الإنسانية، ويدعون إلى تشديد الأحكام والضوابط التي تقيد عمله؛ وفريق المتفائلين الذين يرون أن فوائد الذكاء الاصطناعي تفوق مخاطره، وبالتالي يجب العمل حثيثًا على تسريع وتيرة تطويره.
ربما تكون إطاحة سام ألتمان، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "أوبِّن آي"، حدثًا يجسد هذا الانقسام الأوسع في وادي السيليكون. تقول "إيكونوميست" في مقالة تتناول خذا الحدث إن الصراعات "الثقافية" حول ماهية الذكاء الاصطناعي "ستشكل مستقبل التكنولوجيا، وستفتح أبواب تنظيمها".
تبرز قصة ألتمان حدة التوتر بين المتشائمين والمتفائلين. على الرغم من اعترافه هو نفسه بضرورة توخي الحذر في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تتطور بسرعة فائقة، فقد كان يدعم تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة وتطبيقات تجارية جديدة، في نهج تعارض جذريًا مع تركيز المتشائمين على أهمية الحذر وسن الأحكام والقوانين.
اشتباك أخلاقي
بحسب "إيكونوميست"، هذا الانقسام يتجاوز الفلسفة التقنية ليصل إلى الساحة التجارية. فالمتشائمون، وغالبًا ما يكونون روادًا مبكرين في سباق الذكاء الاصطناعي، "يميلون إلى أن امتلاك موارد أشد ثراءً، ويفضلون استخدام نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بهم، فيما يميل المتفائلون، وهم يمثلون شركات صغيرة تلحق بركب التطور، إلى تفضيل برمجيات ذات المصدر المفتوح".
هذا الاشتباك واضح في النقاش الذي يدور محتدمًا حول الذكاء الاصطناعي ذات المصدر المفتوح. يحاجّ المتشائمون بأن هذه النماذج "أكثر أمانًا بسبب شفافيتها"، فيما يشعر المتفائلون بالقلق من نشاط ضار يمكن أن يستغل هذه النماذج لأغراض هدّامة. وما الأمر الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن أخيرًا بشأن الذكاء الاصطناعي إلا انعكاس لتأثير المتشائمين، وذلك بالطلب من الشركات التي تطور نماذج ذكاء اصطناعي كبيرة "إجراء اختبارات سلامة وتقديم تقارير عنها، ما قد يعرقل تطوير الذكاء الاصطناعي ذات المصدر المفتوح"، بحسب المجلة البريطانية نفسها.
في هذا الإطار، وبحسب "إيكونوميست"، أدى إطلاق llama، النموذج الذي أنشأته شركة ميتا، في فبراير الماضي، إلى تحفيز النشاط في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وقال مؤيده إن التدقيق متاح في النماذج المفتوحة المصدر، وهذا مهم. إلى ذلك، تعترف مذكرة داخلية كتبها مطلعون على بواطن الأمور في غوغل، وتم تسريبها في مايو الماضي، بأن النماذج المفتوحة المصدر "تحقق نتائج عالية في بعض المهام يمكن مقارنتها بالنماذج الأخرى، كما أن تكلفة بنائها أقل كثيرًا". وتخلص المذكرة إلى أن غوغل أو أوبن آي لا تملكان خط دفاع حصين ضد النماذج المفتوحة المصدر.
أقل تكلفة وأكثر أمانًا
وسط هذا الصراع، يبدو أن مستقبل تنظيم الذكاء الاصطناعي غير مؤكد، فقد تتم مواجهة الضغوط التي يمارسها المتشائمون بالكلام عن الفوائد الاقتصادية المحتملة للذكاء الاصطناعي. لا تقف كل شركات التكنولوجيا الكبرى على ضفتي هذا الانقسام، فإن قرار شركة ميتا إنتاج نماذج للذكاء الاصطناعي خاصة بها جعلها رائدةً غير متوقعة بنظر الشركات الناشئة، من خلال منحها إمكانية الوصول إلى نموذج قوي لبناء منتجات مبتكرة.
تراهن ميتا على أن الطفرة في الابتكار الناجمة عن الأدوات المفتوحة المصدر "ستساعدها في نهاية المطاف في إنشاء أنواع جديدة شبع إدمانية من المحتوى". هنا، تقف آبل متفردة في سياستها، إذ تحافظ على صمتها المطبق بشأن الذكاء الاصطناعي، وتركز على "تعلم الآلة" بدلًا من الذكاء الاصطناعي، ما يشير إلى نهج حذر، ترده "إيكونوميست" إلى حسن إدراك العارفين في آبل تقلبات مشهد الذكاء الاصطناعي. فعند إطلاق هاتف أيفون الجديد في سبتمبر، عرضت الشركة العديد من الميزات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي من دون ذكر المصطلح نفسه. فالمسؤولون التنفيذيون في آبل يتباهون بميزة التعلم الآلي، وهذا ليس إلا مصطلحًا آخر من مصطلحات الذكاء الاصطناعي.
تختم "إيكونوميست" المقالة بالتأكيد أن الحروب الثقافية داخل مجتمع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستشكل مستقبل هذه التكنولوجيا الثورية، وتحديد تنظيمها وتطويرها، وتوزيع فوائدها.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مجلة "إيكونوميست" البريطانية
التعليقات