هذه مقاطع من نص شهادة شعرية اطول القيت نيابة عن الكاتب في مؤتمر قصيدة النثر الذي عقد في بيروت بين 19و21 ايار (مايو) الجاري.

تحت وزن خفيف

لطالما سمعت عن التجريب في العمل الابداعيّ، ولكنني لم أعرف، تماما، ماذا يعني ذلك. أكثر من ناقد أشار إلي التجريب عندي.. أو ميلي، الغالب، إليه، غير أني، بكل صراحة، لا أعرف ما الذي فعلته بالضبط لأكون تجريبيا. ذلك لا يعني استنكاري للتجريب ولا التقليل من وجاهة النقد الذي يري في بعض أعمالي طابعا تجريبيا. الأمر، بكل بساطة، أنني لا أجرّب من أجل أن أجرّب. أي أن الوجهة العامة لأعمالي لا تصدر من هذه المنطقة عن سبق اصرار وترصد. فإذا كان التجريب يصدر من ضجر كاسح وأصيل في النفس، حيال عمل المرء ذاته، قبل أعمال الآخرين، فهذا يعني أنني تجريبيّ.
وإذا كان التجريب بهذا المعني، يؤدي إلي التجديد ، أو بكلمة أقل تنفجا، إلي التغيير في أساليب الكتابة ورؤيتها إلي ذاتها والعالم، فلا اعتراض لي عليه. ولكنّ هذا، في ما يخصني، لا يصدر، دائما، من وعي نظري مسبق، بل أحيانا، من انحراف عن المسار أو من خطأ في الكتابة، أو من تحد أرعن.
أكثر من مرة قادني الانحراف، أو الخطأ، إلي طريق لم تكن واضحة لي، قبلا، فسلكتها.
فضيلتي التي اعتزّ بها أنني لا أخشي الانحراف عن المسار أو الخطأ في الكتابة فليس لدي، أصلا، ما أخسره.
عندما تشعر أنك لا تخسر شيئا بـ انحرافك وبخطئك يسهل عليك ارتكابهما أو المشي في طريقهما. المنجز عبء. الارث قيد.
وليس لي منجز أو إرث يقيدانني.
لست مطالبا بشيء، ولا أحد يقف ببابي طالبا قوته الشعري مني.
وبما أن مؤتمرنا مخصص لـ قصيدة النثر ، فإن من السهل أن نري في هذه القصيدة الانحراف أو الخطأ.
من انحرافة عن طريق الشعر العربي، المألوف وقتها، بدأت هذه القصيدة.. وقد يكون جائزا القول، أيضا، أنها نشأت من خطأ شعري. ومن خطأ في الاسم، كذلك، سنأتي إليه لاحقا. (سأستخدم، الآن، مصطلح قصيدة النثر ، كما هو شائع في العربية، الي أن أبلغ النقطة التي سأقف عندها علي التباس التسمية والصنيع نفسه) كان الشعر الصحيح ، وقتذاك، واضحا، ولا مجال لاخطائه. وسواء كان هذا الخطأ مقصودا عند أنسي الحاج أو محمد الماغوط، أم لا، فقد كتب له أن يلد كائنا لم يكن متصورا، لحظتها، أنه قابل للحياة.
الانحراف، الخطأ، الضعف كانت في مواجهة المستقيم والصحيح والقوي. وقد لا يكون أصل هذه القصيدة، في منشئها الأوروبي الأول، بعيدا، عن الضجر الذي يسهّل الانحراف.
بالنسبة لي كان لا بدّ من بيروت كي يصبح الانحراف حادا، و الخطأ طبعا متأصلا.
لكن هذين الانحراف والخطأ تراءيا لي في الأردن، عندما اطلعت، أول مرة، علي أعداد من مجلة شعر وأصابني بعض قصائدها بألم في فكي. كنت كمن يلوك حصي، أو كمن يجبر نفسه علي النطق بطريقة معوجّة.
بدا ذلك، أيضا، أقرب إلي الشعر المترجم.
شعر بلغة عربية لكنها شبيهة بالرطانة!
بقيت ذكري ذلك الألم الذي اصاب الفكّ معلقا بخيط واه في ذاكرتي إلي أن جئت إلي بيروت قابلة انحرافات كثيرة غير قابلة للتصحيح.
حتي مجيئي الي بيروت كنت اكتب شعرا موزونا، ولكن تحت إغواء اكثر المدارس الشعرية العربية تخففا في الوزن والغنائية وأكثرها انفتاحا علي النثر والحياة اليومية: مدرسة سعدي يوسف.
قلت شعرا موزونا وهأنذا أنتبه علي الفور، أن كلمة موزون تعني في عاميتنا الشامية، الاستقامة، أو الاعتدال، وكنت، قبلا، تحدثت عن الانحراف (أو الانزياح كما يحلو للأكاديميين أن يعبروا).
والواقع، أنني لم أقصد هذا التناظر الأخلاقي بين الاستقامة و الانحراف ، ولكن لا وعيي الشقي هو الذي قذف كلمة موزون بدل أن أقول مفعل (من التفعيلة) لكي تصنع هذا التقابل غير المقصود.
أدعوكم، إذن، لاضافة معني الاستقامة إلي كلمة موزون بجانب معناها الاصطلاحي الذي يحيل الي العروض.
أعود إلي سعدي يوسف لأقول إن تلك التلمذة المتطلعة، بانجذاب كليّ ، إلي مدرسة هامشية لم تصل أصداؤها الي الساحة الأردنية، قد تكون هي التي رمت البذرة الأولي لخيارات لاحقة.
هناك قلق وانعدام ثقة متأصلان فيّ حيال كلّ ما هو مؤكد، ما هو معترف به، ما يشكل قاعدة يمكن القياس عليها، لذلك كانت معظم خياراتي الحياتية والكتابية مطبوعة بالقلق وانعدام الثقة اللذين أفضيا الي اجتراح طرق فرعية، أو ملتوية، للوصول إلي الهدف الذي لم أكن اجد في نفسي الجدارة للوصول إليه بخط مستقيم .
الطرق الفرعية أو المنحرفة، سميتها اختلافا.
وتلك حيلة امكن لها أن تصبح منهجا.
لعل هذا يبرر انجذابي إلي تجربة سعدي يوسف المجهولة يومذاك، الي حد كبير، في ساحتي المحلية والتي لا يمكن القياس عليها. كان في شعره شيء من التردد وقع بقوة علي ترددي فلم أكن قادرا علي مجاراة تلك الغنائية الوطنية الجارفة التي كانت تحتكم إليها الساحة وتزن القصيدة بمكيالها المجنح (...)

في التباس المصطلح

قرأت قصيدة النثر الريادية ولم أقرأ بياناتها. لم يقيض لمقدمة لن عمل أنسي الحاج الشعري الاول، أن تعيش طويلا في السجالات التي دارت بين قصيدة النثر و قصيدة الوزن ، فأنصار الاخيرة وهم التيار الغالب في الكتابة والتلقي، رفضوا فكرة انتساب هذه القصيدة الملتبسة الي الشعر. اما الذين كتبوا هذه القصيدة في ذلك الطور او الذي تلاه، فلم تتحول تلك المقدمة ـ المانفستو عندهم الي دليل عمل. وعندما امكن لي أن اقرأ أنسي الحاج، قرأته مقلوبا: من الرسولة بشعرها الطويل حتي الينابيع الي الرأس المقطوع ولم اقرأ لن الا متأخرا لذلك لم اعرف ترسيمته القاطعة لهذه القصيدة، الا بعد عملين او ثلاثة لي، ولم اجد، حينها، ظلالا لتلك الترسيمة علي اعماله التي راحت تطول وتنحو صوب صوفية مسيحية هرطوقية.
كانت الوصفة السحرية قد تجاوزها صاحبها. كتبها ونسيها، اذ لم تعد ملزمة له ولا لغيره. وهذا يؤكد، للمرة الألف، أن الصنيع الابداعي لا يمشي في ركاب النظرية. الابداع اولا، ثم للتنظير أن يفعل ما يشاء. له أن يحدد ويستنبط ويؤطر، ولكنه، علي ما علمتنا التجربة، لا يتمكن من رد قصيدتين اثنتين لنفس الشاعر الي قالبه. لان لكلّ قصيدة ولادة لا تشبه غيرها. نحن لا نشبه انفسنا في الحالتين. حتي في الحالات الاكثر تشابها وتوحدا، مثل الحب لا نكتب قصيدة الحب مرتين.
هكذا كان أنسي الحاج خارج مقدمته وهو يكتب لن واخواتها. صنيعه ليس المقدمة، بل شعره، وهو وحده الذي صنع منعطفا مشي فيه، حسب تعبير عباس بيضون، كثيرون.
المشترك الوحيد، برأيي بين مقدمة لن وشعره في لن (وغيرها) هو ذلك التوتر الذي تحسه يسري في بدنك، تلك القشعريرة التي تنتقل من النص الي الجلد، وذلك الغضب المنذر بالتهلكة حينا والرضا الواعد بجنة للهراطقة حينا آخر.
لم يشبه أنسي الحاج، علي ما أعلم، شاعرا قبله، فهو حالة فريدة في عالمها ومعجمها بالعربية، والذين مشوا في طريقه لم يواصلوا طريق قاذف اللهب في لن و الرأس المقطوع، وانما العائد الي نفس لم تبرأ من شقائها الاصلي برغم ضراعتها الي الخلاص. هكذا قد لا يتطابق الصنيع مع التنظير له. فماذا بقي من تلك الاركان الثلاثة التي استلهمها أنسي الحاج من سوزان برنار، وجعلها أركانا لا تكون قصيدة النثر قصيدة من دونها: الايجاز، التوهج، المجانية (او اللاغرضية، بتعبير عبد القادر الجنابي)؟
لم تعد تنطبق هذه الاركان الثلاثة علي شعر أنسي الحاج نفسه بعد نحو عملين له، ولعلها لم تنطبق، بتلك الصرامة المنهجية، علي كل قصائد عمليه الاولين. ولماذا عليها ان تنطبق اصلا؟
القصيدة كتبت، ثم صار البحث جاريا عن اسم لها. اطلق الشاعر عليها اسما راحت تضيق به وتخرج منه. او، وهذا ما ارجحه، كان الخطأ اكبر من ان يصحح، وكان الذوق ارسخ من ان يغيره كتاب.. او مقدمة من بضع صفحات. كانت الفترة صاخبة وحبلي بالدعاوي والالتباسات. كانت منعطفا، وعند المنعطف لا يمكن تبين الطرق بسهولة.
اصل هنا، الي ما اوردته سابقا، عن الفارق بين قصيدة النثر بالمعني الغربي للكلمة ومعظم ما كتب تحت يافطتها في تلك اللحظة (مطلع الستينات). من المؤكد أن أدونيس صاحب مقالة في قصيدة النثر وأنسي الحاج صاحب لن ببيانها، وجبرا ابراهيم جبرا العائد من انكلترا، كانوا يعرفون، الفارق بين قصيدة النثر العربية كما هي عند الماغوط والصايغ وجبرا، و قصيدة النثر الغربية. لأدونيس وأنسي كان دليلهما كتاب سوزان برنار الذي عرفا وترجما فصلا منه في مجلة شعر فضلا عن معرفتهما، الي هذا او ذاك، لهذا الصنيع نفسه في الشعرية الفرنسية، لكن خميس شعر قدم مع ذلك قصائد الماغوط بوصفها قصائد نثر.
وأمامنا، نحن الذين لم نعاصر تلك الفترة، الكثير من الادبيات التي تعكس ذلك الالتباس. حاول جبرا، انطلاقا مما هو متوفر لنا من وثائق، أن يعيد اسما ألصق خطأ بقصيدة التفعيلة هو الشعر الحر الي نصابه، موضحا بالحرف أن الشعر الحر، ترجمة حرفية لمصطلح غربي هو Free verse، وقد اطلقوه علي شعر خال من الوزن والقافية كليهما. انه الشعر الذي كتبه والت ويتمان وتلاه فيه شعراء كثيرون في ادب الامم، فكتّاب الشعر الحر بين شعراء العرب اليوم هم امثال محمد الماغوط، وتوفيق صايغ وكاتب هذه الكلمات في حين أن قصيدة النثر هي القصيدة التي يكون قوامها نثرا متواصلا في فقرات كفقرات اي نثر عادي .
لكنّ هذا التوضيح وغيره (عبد الواحد لؤلؤة لاحقا) لم يغير شيئا. فلم يفض الالتباس، ولم تتخلّ التفعيلة عن اسم ليس لها تماما ولم يصر الي التفريق بين الشعر الحر (Free Verse) و قصيدة النثر (Prose Poem). ويخطر لي أن الذائقة العربية، رغم كلّ صيحات التهديم والتحطيم التي رافقت فترة مجلة شعر ظلت عصية علي تقبل انتقال حاد في مفهوم الشعرية. أن تفقد القصيدة العربية الجانب الصوتي والتقطيعي علي الصفحة وتأخذ شكل كتلة نثرية وتظل شعرا؟! هذا كثير.
لا ادري أن كان ما سأقوله صحيحا ام لا: لقد أثّر الذوق والفهم السائدان اللذان تقبلا، علي مضض، قصيدة التفعيلة، علي أنسي الحاج نفسه، فلم يواصل كتابة قصيدة النثر التي بدأها بـ لن بعد ديوانه الرأس المقطوع ، فمال في كتابته الي الشعر الحر (الذي يشبه تقطيع قصيدة التفعيلة علي الصفحة) الامر الذي يظل أقرب الي عين العربي وأذنه. وأقرب، بالتأكيد، الي النمط السائد مما يسمي قصيدة النثر .

بين الشعر الحر وقصيدة النثر

من عدم الإنصاف إذن القول أننا، اليوم، أمام وعي جديد بالكامل للفارق بين القصيدة الحرة و قصيدة النثر، فالفارق، في الوعي، والكتابة (إلي حد ما) كان موجودا منذ اللحظة التي اطلق فيها هذا المصطلح في مجلة شعر . كان أدونيس وأنسي الحاج وجبرا ابراهيم جبرا (وربما آخرون) يعرفون، كما أسلفت، الفارق بين القصيدة التي تغادر الاوزان الخليلية، وتلك التي تترسم خطي قصيدة النثر بمعناها الفرنسي والأمريكي.لكن مصطلح القصيدة الحرةّ (أو الشعر الحر ) كان قد تم وضع اليد عليه من قبل قصيدة أخري حديثة العهد، هي قصيدة التفعيلة التي أخذت تتحرر، نسبيا، من قيود ايقاعية وتعبيرية قديمة. لكن من دون أن تصل إلي ما يسمي بـ Free Verse في الشعريات الأوروبية ـ الأمريكية.
فما العمل اذن؟
سنسمي، كل ما لا يتقيد بالبحور العربية، قصيدة نثر وتنتهي المشكلة، خصوصا أن اللاوعي العربيّ يربط، علي نحو متلازم، بين الشعر والوزن. فقصيدة بلا وزن، هي، إذن، قصيدة نثر! والسؤال الآن، هو كيف أمكنني أن أصل الي هذا الاستنتاج؟
جوابي بسيط، أنه في العودة الي أدبيات تلك الفترة التي سترينا أنّ الذين يعرفون الفوارق بين القصيدتين لم يقاتلوا، ما يكفي، لوضع الفوارق، والتسميات، موضع التنفيذ، فاستسلموا لخطأ، ولده التباس لم يكونوا بعيدين عنه. أدونيس نفسه يشير إلي الخلط الحاصل (في لحظته) بين القصيدة التي تتخلي عن الوزن والقافية، ولكنها تعتمد نظام التشطير (التفعيلي) وبين قصيدة النثر ذات الهيئة الطباعية المختلفة. إنه يفعل ذلك عرضا في مقالته في قصيدة النثر التي ستكون أول بيان من نوعه عن هذه القصيدة في العربية. لكن أدونيس لم يكن، علي الأغلب، عندما قدّم قصائد محمد الماغوط في خميس شعر، يعلم هذا الفارق الحاسم.
إذن، إن الغالبية العظمي من القصائد التي كتبت تحت تلك اليافطة، اتخذت شكل ومقاصد القصيدة الحرة الغربية Free Verse)) وسمّت نفسها قصيدة نثر بينما كانت نسبة قصيدة النثر فيها، ضئيلة، أو معدومة، خصوصا إذا عرفنا أن أنسي الحاج الذي كتب قصائد نثر فعلية (بالمعني الفرنسي) في عمليه لن و الرأس المقطوع لم يواصل، تماما، هذه الطريقة، ومال إلي الشكل السائد لقصيدة النثر العربية (أي في تقطيعها الذي يشبه التفعيلة)، كما أن موضوعاته راحت تنحو منحي استبطانيا وغنائيا صوفيا يصل في الرسولة بشعرها الطويل حتي الينابيع إلي ما يشبه النشيد الديني، وهذا ما يتناقض مع ترسيمة لن.
ولكن ما هي قـصيدة النثر؟
ليس لدينا في العربية معجم معتبر للمصطلحات الأدبية، فلا فائدة إذن من مساءلة المعاجم ولا المراجع الأكاديمية. اما في الغرب (مهد هذه القصيدة) فيمكنك أن تفتح أي معجم للمصطلحات الأدبية، وتجد تعريفا، وإن مختزلا لها. أما الشعراء والنقاد العرب، السابقون واللاحقون، فيكادون يجمعون علي ما جاءت به مجلة شعر من تعريفات مستمدة من كتاب سوزان برنار خالد الذكر. فماذا تقول هذه التعريفات المجمع، تقريبا، عليها بين بيانات الشعراء المؤسسين، واللاحقين:
أدونيس، أول من أشار الي هذه القصيدة في مجلة شعر (العدد 14، ربيع 1960) في مقالة تحمل عنوان في قصيدة النثر يقول، بعد أن يستعرض علاقة الشعر بالوزن، والقيد الذي تمارسه القافية علي حركة المعني، أن البيت في الشعر العربي يشكل وحدة، وحدة للأذن، ووحدة للعين، وربما وحدة في المعني. والخروج عي هذه الوحدة هو، شكليا، خروج علي الشعر. فالبيت دفعة كاملة لا تتجزأ، ووحدة بنائية منطقية، وهذا ما يؤكده التراث العربي. وهو تقليد راسخ كان من التأثير بحيث تجلي حتي في الطريقة التي تكتب بها بعض قصائد النثر حاليا، إذ تكتب في أسطر يفصل بينها بياض، تماما، كما تكتب القصيدة الموزونة (..).
أما محددات قصيدة النثر الفارقة فهي عنده، شكلا، في الجملة في مواجهة البيت ، فهي التي تخلق وحدة القصيدة وتشكل ما يشبه العالم الصغير و هي خلية منظمة تشكل جزءا من كل أوسع ذي بناء مماثل ، ولذلك فهي ذات وحدة مغلقة . هي دائرة، أو ما يشبه دائرة خطا مستقيما وهي أخيرا نوع متميز قائم بذاته. ليست خليطا. هي شعر خاص يستخدم النثر لغايات شعرية خالصة ثم يجمل أدونيس تحديده لمواصفات قصيدة النثر بثلاث نقاط هي: 1
ـ الوحدة العضوية التي تتيح لها أن تشكل عالما مغلقا.
2 ـ المجانية، أو ما يسميه بـ اللازمنية ، بمعني أن قصيدة النثر لا تتقدم نحو غاية أو هدف كالقصة والرواية والمسرح او المقالة بل تعرض نفسها ككتلة لازمنية.
3 ـ الكثافة، فعلي قصيدة النثر أن تتجنب الاستطرادات والايضاح والشروح وكل ما يقودها إلي الأنواع النثرية الأخري.
يتضح لنا أن مقالة أدونيس في قصيدة النثر هي بيان لهذه القصيدة، أكثر مما هي دراسة ، يستند، كما يقول الشاعر نفسه، في ملاحظة علي هامش الصفحة الأولي إلي كتاب سوزان برنار الصادر قبل عام واحد من كتابة هذا البيان. ولا أدري لماذا يتجنب أدونيس كلمة بيان لمقالته هذه ويصفها في الهامش المذكور بأنها دراسة، إذ يقول، بالحرف، في الهامش: اعتمدت في كتابة هذه الدراسة، بشكل خاص، علي هذا الكتاب ويورد اسم كتاب سوزان برنار ودار النشر وسنة الطبع باللغة الفرنسية.
وأيا يكن السبب، فإننا نلاحظ أمرين في تعريف أدونيس لـ قصيدة النثر : أولا اعتماده الكامل علي دراسة سوزان برنار، وتعليقه العرضي، السريع علي أن ما يكتب بالعربية آنذاك من قصائد نثر تعتمد السطر بدل الجملة يرجع إلي تجذر شكل البيت في التراث العربي إلي درجة أن الذين تحرروا من الوزن والقافية ويكتبون قصيدة نثر لم يستطيعوا التخلص منه!

ما هي قصيدة النثر؟

بامكاني القول، هديا، بكامبيل ماك غراث Campbel Mac Grath عن قصيدة النثر أنها: (..) بلا سياج (لها) رغم وجود عمود مهتريء هنا وهناك، يؤكد زعما (بملكية) سابقة، وأسلاك مجدولة ساقطة غطاها الغبار. إلي اليسار حقل ذرة يمتد بعيدا، يهبط ويعلو الي السماء الزرقاء، سهل من الخضرة والنباتات القوية مرتبة بنظام، سطرا وراء سطر وراء سطر. ولكن هذه قصيدة نثر عن قصيدة النثر ولا تقدم توضيحا يشفي غليل التعريف الذي طالما استبدّ بعلاقة البشر بالأشياء. لنتعامل مع الشيء، ينبغي أن نعرّفه، أن نسميه، فمن دون ذلك يفقد هويته المميزة التي يستمدها، غالبا من الاسم الذي نطلقه عليه.
كنا في الشعر القائم علي الوزن نعرف كيف نسمّي، فالتسمية وصلتنا جاهزة وتلبّست نهائيا ذلك الشكل من التعبير الأدبي. صحيح أن العرب لم يجعلوا الشعر في الوزن والقافية، فبعض نخبتنا القديمة اعتبر الوزن والقافية، أقل العناصر أهمية في العملية الشعرية، لكن ذلك لا يمنع أنه لم تصلنا قصيدة من تلك العهود القديمة بلا وزن أو قافية.
ولكن كيف، بغياب ذلك الدليل الهادئ الي القصيدة يمكن أن نعرّفها اليوم؟ أقصد كيف لنا أن نعرف أن القصيدة قصيدة رغم انها منزوعة الوزن، والأدهي أنها تستخدم وسيطا اعتبر فترة طويلة، في مواجهة الشعر: النثر؟
سأحاول أن لا أتورط في أحكام صارمة حول هذا النوع الشعري فقد رأينا، كيف لم تصمد تلك الأحكام امام زحف هذه القصيدة المتواصل الي مناطق لم تكن تبدو من لزوم الشعر وعدته. أغلب الذين يكتبون قصيدة النثر (الفعلية) يعرفون نهمها لتوسيع حدودها، وعدم التوقف عند الاشارات التي تحدد الطرق والوجهات. ولكن مع ذلك ينبغي أن نتلمس بعض المواصفات التي تدل علي هذه القصيدة.
فلكي تكون القصيدة قصيدة (مستخدما كلمات أنسي الحاج في تعريف قصيدة النثر) عليها أن تكون مقصودة. ولحسن الحظ، فإن في أصل تسمية العرب القدامي لهذا النوع الأدبي، المعني نفسه، فالشعر لا يكون نوعا، حتي بالمفهوم العربي القديم، إلاّ من خلال هذا القصد: القصيدة. البيت بيت، لكن القصيدة هي العمل الكلي الذي ينظم تلك الابيات في إطار واحد. هي إذن جسد الشعر الذي يعمل الشاعر علي لم عناصره المتفرقة في إهابه. والقصد بهذا المعني، يعني الوعي بما تقصد. القرآن اعطي، من خلال بعده البلاغي والايقاعي، إحساسا بالشعر عند سامعيه العرب الاوائل لكنه ليس شعرا. فيه شعرية غير أن تلك الشعرية لم تتحول شعرا لأنها لا تلبي شروط النظام الشعري. التحدي المطروح امام قصيدة النثر، لم يكن مطروحا علي قصيدة الوزن، فهي تريد ان تتحقق شعريا من خلال وسيط كان يعتبر (ولعله لا يزال) في الجهة المقابلة لها. فإذا كان التحدي المطروح أمام قصيدة الوزن (التفعيلة اليوم) هو أن تكون قصيدة جيدة، فان تحدي قصيدة النثر هو ان تكون قصيدة اولا. واضح أن التحدي اكبر وأشقّ.
فقصيدة الوزن مسلم بها، عبر شوطها التاريخي الطويل، كقصيدة، والأمر ليس كذلك بالنسبة الي قصيدة حديثة العهد، محاطة فوق ذلك، بالالتباسات. فهذه قصيدة عليها أن تبدأ، عربيا، من نقطة الصفر. ولا يجدي هنا، الكلام عن النثر القرآني او المقامات أو نقد المتصوفة، سلفا لها.
تلك اصول واسانيد ضعيفة، والأمر لا يتعدي حدود رد شبهة العجمة عنها. قصيدة النثر عند منظريها العرب الاوائل هي نتاج أدبي غربي. كان هذا واضحا منذ البداية. أدونيس نفسه، وهو أكثر من اشترط لاحقا، علي كاتبها معرفة التراث العربي معرفة جيدة، يقول في أكثر من مقالة وتصريح إن قصيدة النثر نتاج تطور في الشعرية الأوروبية والأمريكية. طبعا نحن نعرف أن العرب المعاصرين قبلوا أشكالا أدبية لم تكن موجودة في التراث العربي من قبل كالرواية والقصة القصيرة والمسرح.
صحيح أنهم حاولوا، أيضا، تأصيل هذه الانواع عربيا، غير أن ذلك اقتصر علي نفر قليل ممن يتصور أن العرب عرفوا وكتبوا كل أجناس الكتابة الأدبية، أما الغالبية العظمي من كتاب ونقاد هذه الأجناس الأدبية، فيقرون أن وجودها في العربية، علي هذا النحو الذي هي عليه اليوم، هو ثمرة المثاقفة مع الغرب. في الشعر يختلف الأمر.
للشعر عند العربي حساسية خاصة. فهو يعتبر هذا الجنس الأدبي ساحته ولعبته وديوانه. فكيف يتقبل صاحب الساحة واللعبة والديوان التأثر بأمم اقل شأنا منه علي هذا الصعيد؟!
وهذا يحيلنا إلي السؤال التالي الذي أرّق بعض أعلام النخبة النهضوية العربية: كيف ستكون صورة الشعر العربي لو أن الذين نقلوا فلسفة اليونان وعلومها إلي العربية قد ترجموا الملاحم الشعرية الإغريقية؟ من الصعب أن نعرف الجواب، لأن الذين نقلوا فلسفة وعلوم اليونان لم يشعروا (أو لم تشعر لحظتهم التاريخية) أنهم بحاجة الي ذلك. فماذا عند اليونان من شعر قياسا إلي لسان الشعر: العربية؟!
استطرادي، هنا، له معني واحد: تلك الحساسية الجلدية التي تصيب العربي عندما يتعلق الامر بتعرض ديوانه إلي تأثر خارجي، فكأن في ذلك تلوثا للنقاء، واستهانة بالأصل. ولكن، مع ذلك، فقد حصل، شئنا أم ابينا، أن تعرض ديواننا ، في القرن العشرين، الي تأثيرات قادمة من الخارج. فلا يمكن فهم الموجات الشعرية العربية المعاصرة منذ المهجريين وجماعة أبولو وصولا الي جماعة شعر مرورا بجماعة الآداب من دون فهم التأثير الخارجي. هذا أمر مفروغ منه الآن، ولا جدوي من البحث فيه، وما استعادته، هنا، إلاّ من قبيل التذكير، فقط، بأن أمر التحديث في الشعر العربي لاقي، ولعله لا يزال يلاقي، صعوبة قادمة من تلك المنطقة من اللاوعي الجمعي، ولا يعني اختفاء السجال الذي عرفته الستينات، ثم استأنفته السبعينات والثمانينات حول الاشكال الشعرية، بل حول ما هو الشعر وما هي القصيدة، لا يعني استقرارا وتقبلا للكتابة الشعرية الجديدة بقدر ما هو احباط عام وكسل فكري وغلبة الاحداث الكبري التي شهدتها المنطقة علي أي شأن ثقافي آخر.

حدود متحركة

حتي عند الذين عرفوا قصيدة النثر قبلنا، مثل الأوروبيين والامريكيين، هناك محاذرة من وضع أسس صارمة لـ قصيدة النثر تشبه تلك التي حددها كتاب سوزان برنار وكف عن قدرته علي وصف قصيدة النثر التي جاءت بعده، وخصوصا، في موطنها الخصيب، اليوم: امريكا. ويبدو أن قصيدة النثر تشهد، الآن، انتشارا لم يعرفه الشعر الامريكي من قبل، بل إن هذا الشعر يعرف سجالات لم يعرفها، علي الاغلب منذ والت ويتمان. ولعل أول امتحان لشرعية هذه القصيدة في الشعرية الامريكية حدث عام 1978 عندما صوت رئيس اللجنة المشرفة علي جائزة بوليتزر الامريكية المرموقة ضد منحها لمجموعة الشاعر مارك ستراند Mark Strand النصب The Monument التي ضمت عددا من قصائد النثر التي تتمحور حول موضوعة الموت.
كان واضحا، كما يقول ديفيد ليمان David Lehman محرر واحدة من اشهر انطولوجيات قصيدة النثر الامريكية الحديثة Great American Prose Poems، إن النثر لم يقبل بعد كوسيط شعري، اما الشعراء الذين يكتبون قصيدة النثر فقد كانوا سباقين علي هذا الاعتراف الذي لم يتحقق، علي صعيد المؤسسات الرسمية المعنية بالشعر الا مع نيل الشاعر الامريكي اليوغوسلافي الاصل تشارلز شميك هذه الجائزة بالذات علي كتاب في هذا النوع الشعري بعنوان العام لا ينتهي The World Dosen't End عام 1991.
وبالقياس الي شعرية تفتحت باكرا علي أشكال ومدارس شعرية أوروبية مختلفة مثل الشعرية الامريكية، لا تبدو الشعرية العربية متخلفة كثيرا عن اثارة سجال كتابة قصيدة من خلال الوسيط النثري. فكيف يحدد ديفيد ليمان قصيدة النثر انطلاقا من السجال الاوروبي ـ الامريكي ـ حولها؟
يصف ليمان قصيدة النثر كما يلي: انها قصيدة مكتوبة بالنثر بدلا من النظم، وهي تبدو علي الصفحة كمقطع نثري او كقصة قصيرة مشظاة لكنها، مع ذلك تعمل كقصيدة.
وتعتمد هذه القصيدة علي الجملة بدل البيت الشعري (التشطير)، وباستثناء ابتعادها عن التشطير، فانها تستخدم كل تكتيكات واستراتيجيات الشعر (الحر)، واذا كانت القصيدة الحرة Free Veres قد انهت الوزن والقافية كمعيار شعري فان قصيدة النثر انهت العمل في البيت الشعري كوحدة تأليفية وبنائية للقصيدة. ويصل ليمان الي القول ان قصيدة النثر هي نوع شعري يخفي طبيعته الشعرية.
أما مادة هذه القصيدة المكتوبة كجملة نثرية علي عرض الصفحة فقد تفيد من نماذج كتابية غير مألوفة شعريا مثل المقالات والمذكرات المكتبية، اللوائح، الكلام، الحوار. أما راسل ايدسون أحد رواد هذه القصيدة في الشعر الامريكي الحديث فيصف قصيدة النثر بالقول: أنها شعر متحرر من محددات الشعر، ونثر متحرر من احتياجات القص. بينما يقرنها روبرت بلاي العلم الآخر في هذه القصيدة بـ الكلام الطبيعي للغة الديمقراطية .
إن دلت هذه التعريفات الفضفاضة علي شيء، فإنما تدل علي صعوبة، إن لم تكن استحالة، الوصول إلي تعريف جامع مانع. وهذا أمر لاحظه جان كوهين، وإن بشيء من الامتعاض، عندما تحدث عن التباس كلمة قصيدة بوجود قصيدة النثر في الساحة الشعرية ، إذ يقول إن كلمة قصيدة نفسها لا تسلم من اللبس، ذلك ان وجود عبارة قصيدة نثر التي أصبحت شائعة الاستعمال، يسلب كلمة قصيدة في الواقع ذلك التحديد التام الذي كان لها يوم كانت تتميز بمظهرها النظمي. وفعلا، ففي الوقت الذي كان فيه النظم شكلا لغويا تعاقديا صارم التقنين كان للقصيدة وجود شرعي غير قابل للنزاع، وهكذا كان يعتبر قصيدة كل ما كان مطابقا لقواعد النظم، ونثرا ما ليس كذلك. غير ان عبارة قصيدة نثر الظاهرة التناقض تفرض علينا إعادة تعريفها .

تجربة حياة كسرد متقطع

لم أكن أعرف أي وجهة تتخذها هذه الكتابة الاّ بعد أن كتبت بضع قصائد كانت، هي، نواة كتابي حياة كسرد متقطع . وكالعادة، كان الاستئناس برأي أصدقاء، للتأكد من صواب الوجهة. كان نوري الجراح يمّر في لندن التي غادرها للعمل في ابوظبي، عندما قرأت له نصا، استمرارا لتقليد قديم بيننا، عن السهروردي وسألته ماذا يظن هذا النص، فقال: انه، بالطبع، قصيدة. ورغم أن معظم أعمال نوري الجراح الشعرية ظلت وفية للقصيدة الحرة (مثل معظم اعمالي السابقة) الاّ انه لم يتردد في اعتبار منديل السهروردي ، قصيدة.
جاء التطمين الثاني ذو البعد النقدي من صبحي حديدي الذي اطلعته علي عدد أكبر من هذه النصوص التي طبعت، لاحقا، في كتاب وضع مقدمته النقدية الدقيقة صبحي حديدي نفسه.
ويمكن العودة الي مقدمة الكتاب لمعرفة رأي صبحي حديدي كاملا في خصوص شعرية هذا العمل، ولكن من بين ما شدد عليه حديدي بخصوص الشكل، في المقدمة، هو ان هذا العمل لا يسعي الي منافسة اجناس سردية مثل القامة القصيرة جدا ولا الي كتابة نص مفتوح ، بل الي كتابة قصيدة من خلال النثر. وصبحي حديدي هو، أيضا، من طلب مني تغيير العنوان المبدئي الذي وضعته للكتاب (قصص قصيرة، فعلا!) كي لا يضع العنوان أفقا لتوقع القراءة مغايرا لجنسه الأدبي، فيظن القارئ انه مقبل علي قراءة قصص قصيرة بينما هو شعر، فعمدت لاحقا الي اختيار العنوان الذي صدر به الكتاب حياة كسرد متقطع . اختياري للعنوان الأول هو بمثابة، رد فعل، حرون، علي الذين قالوا عن القصائد التي قرأتها منه في مهرجان جرش الاردني قبل عام من صدور الكتاب، بانها قصص قصيرة وليست شعرا. اردت ان اقول لهم إنها، فعلا قصص قصيرة، ولكن ليس في باب القصة القصيرة كجنس
أدبي، بل في الحياة اليومية والذاكرة وفنتازيا الموروث وعادية الموت او هوله، وسر القبلة التي لها ما يليها من خطوات تؤدي الي تحقق المرغوب او تلك التي تظلّ معلقة في فضاء حائر لا يؤدي الي وجهة معينة. أردت أن أقول إنها فعلا قصص قصيرة في حياة متقطعة، أو نتف من حياة في سرد يكتفي بما يعرضه، أو يتساءل عن معني لهذا اللامعني الذي تبدو عليه الحياة أحيانا.
لكن من يفعل ذلك ليست القصة القصيرة كجنس، بل القصيدة.. وتحديدا قصيدة النثر التي لها خاصية القص تارة، السرد تارة اخري، الأمثولة حينا، الاستطراد حينا اخر ، ولها ما للنثر، أيضا، من إخبار، وبرهنة وتحليل، لكن ليس للوصول الي إخبار وبرهنة يتوقف المعني عندهما، بل يتجاوزهما في ذهن القارئ الذي تظل تدوّم فيه تلك الاسئلة والتيارات والتوترات التي يخلقها هذا النثر المنتظم في إطار يسمي القصيدة.
اول ردّ فعل علي علاقة هذا الكتاب بالشعر والشعرية جاء من شاعر متجذر في بيئة الوزن وله منزلته الخاصة علي هذا الصعيد: إنه محمد علي شمس الدين. كان ذلك أول مقال يكتب عن الكتاب وأول ردّ فعل يتساءل، بصدق، عن حدود النثر وحدود الشعر، وهو الذي اعتبر أن الكتاب بمثابة بيان شعري.
ولكنه بيان شعري من غير بيان، اللهم، إلاّ إذا استثنينا مقدمة صبحي حديدي التي تسعي لتبيان نسبة هذه الكتابة الي الشعر ولا شيء غيره، والي القصيدة ولا شيء سواها.
البيان الشعري، إن جاز التعبير، هو القصائد نفسها والتي تتقدم بكتلتها النثرية الكاملة، وبالتوترات التي تصدر عن زجّ النثر في القصد الشعري، او كما يقول الناقد الامريكي باري سيليسكي من التأرجح علي الحافة .
ومع ذلك فان التأرجح علي الحافة ليس عملا بلا قاعدة حتي وان كانت برفع الحبل الذي يتأرجح عليه البهلوان. هذا الخيط، أو الحبل، هو الذي يبقي قصيدة النثر في حيّز الشعر ويحول، بكل ما يحمله من توتر وقدرات توازن داخلية ومهارات، دون سقوطها في حيز النثر العادي، او لنقل النثر الوظيفي الذي يعمل من أجل تحقيق الإفهام.. وبالتالي الاتصال.
انني اتحدث، هنا، عن المنحي الرئيسي لـ حياة كسرد متقطع وليس عن الكتاب ككل، لأن الكتاب يضم أكثر من خط شعري (...) (عن quot;القدسquot;)