الرياض: تركي الصهيل
في ظهيرة يوم الثالث عشر من مايو (آيار) 2008، دلف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي إلى قاعة في الدور الثالث بمبنى الوزارة، لإلقاء الإيجاز الصحافي الدوري، وكانت وقتها ميليشيات حزب الله تسيطر على شوارع العاصمة اللبنانية، بيروت، بقوة السلاح، بما بات يوصف لاحقا بـlaquo;انقلاب حزب اللهraquo;.

مشاعر الغضب والحنق في ذلك الوقت، كانت بادية على وجه الفيصل، بحسب ما كان ملاحظا حتى أن أحدَ المقربين منه قال لـlaquo;الشرق الأوسطraquo; بعد دقائق من انتهاء المؤتمر laquo;لا تذكرني تعابير الأمير في هذا اليوم، إلا بمشاعر الغضب التي كانت ملمة بكافة التفاصيل إثر مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريريraquo;.

وكانت الأزمة اللبنانية، والتي أسدل الستار عنها بعد اتفاق الفرقاء اللبنانيين بالدوحة، حاضرة وبقوة في اهتمامات المسؤولين السعوديين، والذين كانوا يبذلون جهدا مضاعفا من أجل التقريب بين الفرقاء، وخصوصا بعد أن أطل شبح الحرب الأهلية برأسه على الشوارع اللبنانية، حتى أن بعض قيادات قوى 14 آذار، أكدت أن الرياض كانت مساهما رئيسيا في إنجاح الاتفاق الذي جرى في قطر. ودائما ما تؤكد الرياض، أنها تقف على مسافة واحدة من كافة الفرقاء اللبنانيين، موالاة كانوا أم معارضة. وبعد استمرار مسلسل تأجيل جلسة مجلس النواب اللبناني، وظهور شبح الحرب الأهلية في لبنان، سارعت الدبلوماسية السعودية باتخاذ موقف حازم إزاء هذا الأمر، معتبرة أن laquo;توجيه السلاح للداخل، أمر مرفوض، ويتناقض مع روح الطائفraquo;، وهو الأمر الذي دعاها لاستدعاء سفيرها الدكتور عبد العزيز خوجة للتشاور. وتصدرت الكثير من الملفات اهتمامات الدبلوماسية السعودية عام 2008، أبرزها حوار الأديان، بمحطاته الثلاث التي عقدت في كل من: مكة المكرمة، مدريد، ونيويورك.

قبلها، وتحديداً مطلع هذا العام، كانت السعودية، منهمكة في تتبع سير مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والتي انطلقت في مؤتمر أنابوليس الذي عقد برعاية أميركية في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007، واضعة نصب عينيها الضغط على الجانب الأميركي الذي وعد بأن المسار التفاوضي الأول لن يتعدى عاماً واحداً، وهو ما لم يتم.

وفي الخامس من يناير (كانون الثاني) لهذا العام، جاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض، في زيارة استمرت ساعاتٍ وضع خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في صورة تطور المفاوضات التي أطلقتها laquo;أنابوليسraquo; مع الإسرائيليين، وهو اللقاء الذي تم فيه تنسيق المواقف بين الجانبين استباقا لزيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأولى للمنطقة. وخلال زيارة الرئيس الأميركي الأولى للسعودية، في 14 يناير، وتحديدا بعد 48 يوما من انطلاق المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، كان أول سؤال يواجهه به الملك عبد الله بن عبد العزيز هو laquo;ما ذا فعلتم بعد مؤتمر أنابوليس؟raquo;، حيث حث العاهل السعودي الرئيس بوش على أن تكون واشنطن شريكاً في عملية السلام وألا تكتفي بدور المراقب.وقبل ذلك، كان الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد أعرب لتوني بلير مبعوث الرباعية الدولية الخاص بالشرق الأوسط، خلال زيارة قام بها بلير إلى السعودية، عن استياء المملكة واستنكارها الشديد لاستمرار اسرائيل في سياسة العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وحصارها المستمر لقطاع غزة الذي ادى الى تردي الاوضاع المعيشية لسكان القطاع وتعميق معاناتهم الانسانية، وعن اهمية تدخل اللجنة الرباعية الدولية لوضع حد لهذا الحصار الجائر ورفع معاناة الشعب الفلسطيني.

وأمام استمرار الفرقة بين حركتي فتح وحماس، وهو أحد الأسباب التي يعلق على كونها أضعفت موقف المفاوض الفلسطيني في ناحية المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، برز ملف الاستيطان كأحد الأمور التي ساهمت في تعقيد الحل. ولم يفلح مؤتمر أنابوليس في كبح جماح بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، حيث تشير أرقام إلى أن المستوطنات تضاعفت بشكل كبير في مرحلة ما بعد أنابوليس، وهو الأمر الذي من شأنه تعقيد تحقيق عملية السلام على أساس المبادرة العربية والتي تنص على انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967.

ومن أجل ذلك، تبنت السعودية في جانب من مهمة دعم مسيرة السلام وإزالة كل ما يحاول عرقلتها، ومجموعة العمل العربية في الأمم المتحدة، صياغة مشروع قرار سعودي يدعو لوقف فوري للنشاطات الاستيطانية، فيما كانت مصر تعمل في الجانب الآخر على تقريب وجهات نظر الفرقاء الفلسطينيين لتوحيد موقفهم وتثبيت جدية الطرف الفلسطيني في المفاوضات. وفي 12 يونيو (حزيران) الفائت، درست المجموعة العربية في الأمم المتحدة، مشروع قرار سعودي قُدِّم إلى مجلس الأمن، يطالب بوقف فوري للاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتطبيق القرارات الدولية الصادرة منذ 1979 بشأن الأرض والاستيطان ووضع السكان، والدعوة إلى منع هدم المساكن، ومساعدة الشعب الفلسطيني وحمايته، حيث طرحته في يوليو (تموز) باللون الأزرق للتصويت عليه بأسرع وقت. وينصّ مشروع القرار على ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، ورفض الخطط والإجراءات التي تهدف إلى تغيير الشكل الديموغرافي للأراضي الفلسطينية في ما يتعلق بمصادرة الأراضي والممتلكات، ونقل السكان العرب وطردهم، والتوسّع في إقامة المستوطنات.

وطرحت الدبلوماسية السعودية، موضوع وقف الاستيطان، وبدأت الترويج له لحشد الدعم الدولي اللازم، في الفترة التي توسطت المرحلتين الأولى والثانية من حوار الأديان الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين، حيث عقدت أولى جولات هذا الحوار بين علماء المسلمين في مكة المكرمة في الفترة من 4 إلى 6 يونيو الماضي، وعقدت الجولة الثانية بالعاصمة الإسبانية مدريد، وشارك فيها 200 شخصية مسلمة ويهودية ومسيحية وعدد من أتباع الفلسفات الوضعية الأخرى في الفترة من 16 إلى 18 يوليو، بعد أن طرح مشروع وقف الاستيطان على مجلس الأمن.

بعد هذه المرحلة، بدأت مصر من جانبها بتفاهم وتنسيق مع السلطة الفلسطينية والسعودية والأردن، لترتيب مصالحة وطنية فلسطينية تعقد تحت غطاء الجامعة العربية. وفي 19 أغسطس (آب)، توقف الرئيس عباس في مدينة جدة (غرب السعودية)، لإطلاع خادم الحرمين الشريفين، على محصلة الجهود المبذولة لعقد مصالحة وطنية فلسطينية.

وفي الربع الأخير من عام 2008، شكلت الأزمة الأفغانية، محورا آخر من اهتمامات الدبلوماسية السعودية، بعد أن أعلنت السعودية بشكل رسمي أن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي طلب منها القيام بمحاولة وساطة لإنهاء حالة الاقتتال هناك. وفي أواخر سبتمبر (أيلول)، وتحديدا في العشر الأواخر من رمضان الماضي، راجت معلومات مؤكدة، حول قيام مجموعة من القيادات الأفغانية بالالتقاء بمكة المكرمة تحت رعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، في أول اللقاءات التي تسعى لحل الأزمة الأفغانية. وأعلنت الرياض في 21 أكتوبر (تشرين الأول)، على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، تلقيها طلباً من الرئيس كرزاي يفيد رغبة كابل في أن تقوم السعودية بدور الوسيط لإنهاء الاقتتال في أفغانستان. لكن الفيصل، حمَّل الأفغان مسؤولية إنجاح هذه الوساطة. وقال في حينه laquo;نحن لا نملك سوى المحاولةraquo;، مشترطاً في الوقت نفسه إنهاء كافة المظاهر المسلحة في صفوف المعارضة الأفغانية، وإدانة كافة العمليات الإرهابية ومن يقف وراءها.

وكانت كل من فرنسا وألمانيا قد أيدتا أن تقوم السعودية بدور الوسيط لإنهاء الأزمة الأفغانية، والتي تصدرت اهتمامات زيارة خافيير سولانا المنسق الأعلى لسياسات الاتحاد الأوروبي خلال زيارته السعودية في أكتوبر الماضي. وفي 12 نوفمبر الماضي، عاد حوار الأديان للواجهة من جديد، وذلك عبر لقاء تاريخي حضره خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومجموعة من قادة الدول العربية وبريطانيا والولايات المتحدة وبلدان أخرى في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.

ولم تغب عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، عن الدبلوماسية السعودية، حتى مع إيمانها بأن نهاية هذا العام لن تحمل في طياتها أي أمل في إنجاز اتفاق سلام، كما تحدثت الوعود الأميركية بذلك.

وقام خلال هذا الشهر سفير السعودية في واشنطن ورئيس مكتب الجامعة العربية، بتسليم الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، خطابا موقعا من الرئيس الحالي لمجلس الجامعة العربية الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، والأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، يعرض الموقف من تطورات الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ويؤكد الاستعداد لسلام عادل ودائم مع اسرائيل وفقاً لمبدأ الارض مقابل السلام وقرارات الامم المتحدة وطبقاً لمبادرة السلام العربية ومتطلباتها.