د. عدنان السيد حسين
جاء في برقية الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لمناسبة انعقاد المؤتمر السادس لحركة laquo;فتحraquo; في مدينة بيت لحم، ما يأتي:
laquo;من طبيعة الأشياء، أن يلقى الإنسان العداوة والبغضاء من أعدائه، وأن يخوض معهم المعارك والحروب، إلا أنه ليس من طبيعة الأشياء أن يحارب الشقيق الشقيق، وأن يتآمر الصديق على الصديق في مخالفة صارخة للتوجه الرباني الكريم.. وفي خروج صارخ على كافة القيم النبيلة والمبادئ السامية. إننا نفهم عدوان العدو الغادر الغاشم، وحقد الحاقدين ومؤامرات الحاسدين، لكننا لا نفهم أن يطعن الشقيق شقيقه، ولا أن يدب القتال بين أبناء الوطن الواحد، رفاق السلاح والمصير المشتركraquo;.
قد يُقال هذا كلام بديهي ومعروف. بيد أن مصدره مرجعية عربية وإسلامية لها ما لها في العمل العربي والإسلامي، وفيه نوع من اللوم مقروناً بالحزن على ما آلت إليه أحوال الفلسطينيين. إنه توجيه عام لحركة فتح ورئيسها، الذي هو اليوم رئيس السلطة الفلسطينية، بأن ينتهجا خط المصالحة والوفاق الوطني الداخلي. ذلك لأن الملك السعودي تابع قوله مؤكداً على أنه laquo;لو أجمع العالم كله على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولو حُشد لها كل وسائل الدعم والمساندة لما قامت هذه الدولة والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه شيعاً وطوائفraquo;.
هنا القاعدة الأساس في الفكر السياسي والاجتماعي، قاعدة ضرورة توافر الوحدة الوطنية لشعب ما حتى يؤسس لدولة مستقلة ذات سيادة. هذا شرط ضروري لا بدّ منه، وإذا لم يتوفر، فإن مقومات الدولة تتداعى، حتى ولو جرى الإعلان عن قيامها رسمياً. وكيف إذا كانت الدولة الفلسطينية مجرد مشروع، أو فكرة، لم تكتمل عناصرها الثلاثة بعد: تحديد الشعب، وتحديد الأرض، وقيام سلطة تمارس السيادة الوطنية في الداخل والخارج!؟
قد يُقال، شعب فلسطين المقيم في الضفة الغربية وقطاع غزة يشكّل نواة الدولة. ولكن ما مصير الفلسطينيين الآخرين، وخصوصاً اللاجئين منهم، ويزيد عددهم على أربعة ملايين لاجئ، وهم منتشرون في ديار الله الواسعة؟
إسرائيل ترفض حق العودة، وتعتبر القرار الأممي الرقم 194 ساقطاً أو هو معطّل، ولا يعنيها، ولا يلزمها... وتتحدث على توطين اللاجئين الفلسطينيين، حيث هم في بلاد الشتات: لبنان وسورية والأردن ومصر واوروبا وكندا واستراليا... وتمارس ضغطاً دولياً، مدعومة من قوى دولية نافذة، من أجل إسقاط حق عودة اللاجئين.
إلى ذلك، ترفض إسرائيل -حتى إشعار آخر- تحديد حدودها السياسية كدولة. وهي تعتبر القدس بكاملها عاصمتها الموحدة والأبدية، وتعتبر تجمعات الاستيطان في الضفة جزءاً من وجودها. وتريد مبادلة أجزاء من الضفة الغربية بأراضٍ صحراوية داخل حدود 1948، بما يمزّق الكيان الفلسطيني الجيوسياسي إلى معازل سكنية، أو كانتونات فلسطينية محاصرة بالجيش الإسرائيلي... وعليه فإن أرض دولة فلسطين غير محدّدة، وتخضع للمساومة التفاوضية بعيداً عن منطق القانون الدولي.
يبقى عنصر السيادة الغائب كلياً عن السلطة الفلسطينية، فلا سيادة فلسطينية على الأرض المحتلة والمهدّدة بتكرار الاحتلال. ولا سيادة على الشعب من حيث ثرواته وقدراته وحركته وأعماله اليومية. ولا سيادة فلسطينية في الخارج حيث الوصاية الإسرائيلية تطارد السلطة الفلسطينية أياً يكن رئيسها، و تمنعها من تقرير مصيرها الوطني انطلاقاً من إرادة شعب فلسطين.
هكذا تتداعى عناصر دولة فلسطين، ويبقى عامل الهدم الأول هو الانقسام الداخلي. فالحصار الخارجي، وضغوط الاحتلال، من شأنهما توحيد الشعب المُحتّل وتعزيز مقاومته. ولا يمكن استيعاب منطق كل من حركتي فتح وحماس حيال ما يحصل بينهما من اعتقالات متبادلة، ومبارزة بالسلاح، وتخوين وتجريح، فيما يجثم الاحتلال الإسرائيلي على صدور الفلسطينيين، الأحياء منهم والأموات!
يمكن للملك عبدالله بن عبدالعزيز متابعة مبادرته بالتوصل إلى اتفاق عربي آمر وحاسم تجاه الفلسطينيين. اتفاق بين السعودية ومصر والأردن وسورية ولبنان، قائم على وقف الانقسام الداخلي، وإقامة سلطة ائتلافية وطنية، وإعادة تكوين منظمة التحرير الفلسطينية، بعيداً عن الفئوية وشعارات laquo;الحقوق التاريخيةraquo; وغيرها. اتفاق عربي تاريخي يعيد للعمل العربي بعض قوته المفقودة، وكرامته المنتهكة، ودوره الضائع في لعبة الأمم.
إن عدم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق يعني في السياسة الواقعية تخلّي الدول العربية عن قضية فلسطين كقضية مركزية، والإمعان في سياسات المحاور. ويعني تمكين إسرائيل من إطالة أمد الاحتلال، وهذا من شأنه توسيع دائرة الاستيطان في أراضي الفلسطينيين، وتأخير قيام دولة فلسطين، على الرغم من كل الاتفاقات ومشاريع التسوية المتواترة منذ مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991. هل تقوى الدول العربية المعنيّة على معالجة هذا الموقف بالحكمة والحزم معاً؟

كاتب من لبنان