إنتخابات مجالس البلدية السعودية على الأبواب :
الفتيات "غير المشاركات " متحمسات والشبان لا يعرفون عنها شيئا

للمجتمع السعودي "خصوصية" تميزه عن باقي المجتمعات العربية ، هذه الخصوصية التي بدأت تشهد تحولات في الآونة الأخيرة عبر توسيع هامش الحرية للمرأة والكسر من حدة الطوق الذي يحد عدد من الممارسات . وبعيدا عن الخوض في تفاصيل هذه التحولات ، وصحة مقارباتها أو عدمها .. يفرض الحدث الأبرز نفسه كموعد "فعال" للشباب السعودي .
ففي مطلع اكتوبر يخوض الشباب ، الذين يشكلون 60% من إجمالي الشعب السعودي ، تجربة سياسية جديدة عبر إنتخاب نصف أعضاء المجالس البلدية ، بعد أن كانت تقتصر على بعض مؤسسة المجتمع المدني كأعضاء "مجالس الغرف التجارية"، تمهيدا لإنتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى (البرلمان).
وإن كان للشباب كلمة الفصل في إفشال أو إنجاح حملات المرشحين ،إلا أن المفارقة هنا هي تفاوت حماستهم أو حتى معرفتهم لما يجري على أرض الواقع .

سنشارك .. وإن كانت المعايير غير واضحة:

يميل الشباب عادة إلى الإندفاع بإتجاه أي "مشروع تغيري" ،هذا الإندفاع الذي قد ينطلق من رغبة "دفينة" للتغيير من جهة أو قد يكون تماشيا مع حدث مسيطر من جهة أخرى . ففي الوقت الذي يعول فيه أهل السلطة أمالهم على المشاركة الشبابية ، الذي من المفترض أن تكون على إطلاع كاف و واف لما يدور، تبرز مشكلة أساسية متمثلة بعدم معرفة البعض لماهية الحدث الذي من المفترض أن يشاركوا فيه .
لا أعرف ما هو المجلس البلدي بالتفصيل ولكني أعرف أنهم أناس ينقلون إحتياجات أهل المدينة"، يبتسم رامي شكري (19 عاما) وهو يستعرض معلوماته" المتواضعة" عن المجالس ليؤكد بعدها أنه وعلى الرغم من ذلك سيشارك .." إذا علمت أنهم سيكونون بشكل صوري فلن أشغل وقتي بالإنتخاب، لكن إذا أحسست أن المرشح سيتبنى هموم الشباب و أهمها الفرص الوظيفية فسوف أنتخب ،لا بل سأتطوع في حملته الإنتخابية".
وبين هم إنتخاب "المجهول" ، ومدى إلتزامه بهمومهم يبدو محمد المري (25عاما) أكثر إطلاعا من رامي .." الشباب يملكون رغبة قوية في المشاركة الشعبية وهم من سيرجحون الكفة في هذه التجربة ". إلا أن المشكلة التي يتوقف عندها رامي كما غيره من أبناء جيله هي المعايير غير الواضحة لإختيار المرشحين ،"جميعنا نسعى إلى أن يكون لنا رأي في كل ما يتعلق بحياتنا و لكن المفترض أن توضع معايير لمن هو المقترع و ماهي الشروط الواجب توافرها فيه، و أن نتعلم أولا ماهي ثقافة الإنتخابات وأن يعرف الناس ماهي بالتفصيل قبل أن يوضع صندوق واحد للاقتراع".

الفتيات متحمسات والشبان غير مهتمين

مفارقة غريبة تفرض نفسها ، فالفتيات اللواتي "لن يشاركن "على دراية كافية ووافية بالأوضاع الإنتخابية ،فيناقشن بحماسة بالغة تاريخها ومراحلها مع المطالبة بإصرار بحقهن في التصويت .. في وقت يلتزم بعض الشبان بلازمة أشبه بـ" لا تعليق كوني لا أعرف .. لكنني سأشارك" .
فتندفع نسرين الدار (23 عاما) شرحا عن الأوضاع الإنتخابية " عرفنا الإنتخابات عبر بعض مؤسسات المجتمع المدني مثل "الغرف التجارية" و"مؤسسات الطوافة" ولكن الناخبين أما تجار أو مطوفين ولا يحق لأحد غيرهم الإقتراع، أما في المجالس البلدية فأتمنى أن يكون للمرأة حق التصويت".
لا تتوقف نسرين عند هذا الحد وإنما تطالب "بمنطق مبرر" حق المرأة في كل ما يجري "رأينا المرأة السعودية تشارك في "مركز الحوار الوطني" بكل إقتدار وخلال الدورة القادمة ستشارك 30 امرأة، وعلى هذا النهج نتمنى أن يكون لنا صوت ومقاعد في هذا المجلس ".

في المقابل يبرز عنصر ذكوري مشارك ، غير معني تماما وغير متطلع " لا عرف أبدا ماهي المجالس البلدية" يقول طلعت السبحي (21 عاما) طالب هندسة الطيرا ن بهدؤ بالغ "وأعتقد إذا وجدت أني سأستفيد منها فسوف أشارك و في حالة أخرى إذا كان أحد المرشحين من أقربائي".
وقد يكون من "الإجحاف " بمكان إعتبار كل الشبان "ساهون " عن الوضع العام ، فالبعض ناشطون يسعون لمرحلة أفضل . فداخل إحدى المكتبات المتخصصة في بيع الكتب الطبية في حي الجامعة تحدث عبد الرحمن الطويلي 19 عاما بحماس شديد عن المستقبل وما سيحمله "أذكر اننا تحدثنا عن المجالس البلدية ولا أنكر أن بينهم محبطين بأن لافائدة منها، وكان القليل متفائلا وأنا منهم حقيقة لدي آمال كبيرة وأهمها أن تشيع حرية الإختيار". ولن يكتف عبد الرحمن بالمشاركة في حال إقتناعه ببرنامج المرشح الإنتخابي إنما سيتطوع في حملته " البقاء للأفضل في هذه الإنتخابات حتى لو كان أبي مشاركا لن أصوت له في حال لم اقتنع".

وأمام واقع لا بد من تقبله تحتج تهاني الجهني 21عاما بمرح على تهميش المرأة وتتوعد ضاحكة باللجوء لجمعية حقوق الإنسان " إذا تم تهميشنا" .وتضيف " المجلس البلدي كما قال لي والدي أنه يهتم بأمور الناس، أنا وزميلاتي من هؤلاء الناس فأنا لا أتمنى بل أطلب أن يكون لنا دور في هذه الإنتخابات ".

المجالس البلدية .. تكوينها

بين معرفة أنثوية وعدم إطلاع ذكوري كاف ، تبرز المشكلة .فهذه المجالس التي تنتظر من ينتخبها لا تزال أشبه بالمجهول .فما هي المجالس البلدية .. وما هي مهامها.
إنطلقت فكرة المجالس البلدية في وقت مبكر في عهد الملك عبد العزيز وكان الأعضاء ينتخبون ولكن ليس بشكل شعبي موسع. ثم تدرج الأمر إلى أن أصبح جميع الأعضاء يعينون من قبل الحكومة.ويوضح المهندس مصبح الغنيم رئيس بلدية إحدى المدن السعودية أنه كان لأعضاء هذا المجلس تأثير قوي في وقت سابق "حيث كان بإمكانهم عزل من يرونه غير مؤهل لتولي قيادة أي منصب إداري".
ويكشف الغنيم "المجالس توقفت عام 1994 و كانت إجتماعاتنا لمجرد المناقشة حول مواضيع بسيطة كتثمين بعض الأرضي، حتى إن مهامه "سطحت" أما الآن فإن اللائحة الجديدة لهذا المجلس سوف تخوله لاتخاذ قرارات أكثر أهمية وسن تشريعات بلدية تتوافق والتطورات المتلاحقة"
من جهته يعتبر عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله بن يحيى بخاري في ورقة عمل قدمها خلال "المنتدى الثالث لتطوير الأحياء" انه في ظل الأوضاع الاقتصادية الجديدة والأوضاع المالية الشحيحة، أنه من الأفضل أن تعود المجالس البلدية إلى الصفوف الأولى.." لكي يمكنها أن تعاون وتقود جهاز إدارة المدينة في مهامه الصعبة، وفي تحديد أوجه صرف الميزانيات المعتمدة بكل تأني وحكمة" .
ويذهب الدكتور بخاري "يجب أن تضع قائمة الأولويات، و ملامح النظرة المستقبلية للمدينة وعناصرها ووظائفها، ويجب ألا ننسى أن عملية المحافظة على ما تم تنفيذه وتطويره إلى الأفضل هو أشق بكثير من عملية البدء من الصفر تقريباً".


الشبان متحمسون وإن كانوا لا يعلمون فعلا ، تفاصيل المعركة التي هم على وشك المشاركة بها .. وسواء تمكنوا من إنجاح حملات البعض أو إفشال غيرها نتيجة إقتناع أو عدمه .. يبقى دور الجزء الآخرعالق في مكان مقيد ..فالمرأة السعودية "همشت "هذه المرة أيضا .