نسرين عزالدين: لعل أشهر مقولة لدى الشعب اللبناني أننا شعب "كييف"، أي أننا نميل الى تكييف انفسنا ونسيان كل ما يلم بنا من مصائب.. هذه الصفة باتت السمة الغالبة لنا، لاننا وبمجرد إنقضاء حرب نهرع للرقص، وبمجرد مرور فترة زمنية على تفجير او اغتيال او مجزرة نسارع للفقش والفرفشة.
ولاننا شعب ينسى فلزاما علينا أن نكون أيضا شعب إنفعالي ينساق للخطابات الرنانة.
هكذا وبعد ان تحولنا الى لا طائفيين نحب بعضنا البعض، بات كل من يشذ عن هذه القاعدة كاره للاستقلال لا وطني اضافة الى بضع صفات اخرى اقرب الى الشتيمة. ففاطمة التي هربت مؤقتا من عين الرمانة مخطئة.. "ما إلك بالحق يا فاطمة" عتاب جاهز من جيرانها بمجرد عودتها الى منزلها.
بالفعل ما الك بالحق، ما الذي اعادك الى منطقة هربت منها خوفا على حياتك خلال الحرب لتعودي اليها وانما هذه المرة بحجابك.
حاولت ان تصدق ان الحرب انتهت لكنها ما لبثت ان هربت مجددا _في خضم ثورة الاستقلال_ وهذه المرة ايضا خوفا على حياتها.
..تم اغتيال الحريري وانقلبت الدنيا رأسا على عقب .وهذا حقنا الطبيعي، فما حدث ابشع من ان تصفه اي كلمات. حقنا ان نحزن وحقنا ان نثور وحقنا ان نقوم باي ردة فعل تحلو لنا.. لكن لا يحق لنا ان نكون منافقين.
لا يحق لنا تأليهه وتأليه كل من يمت اليه بصلة من بعده. ولا يحق لنا كارهيه ومحبيه المتاجرة واستغلال موته لتحقيق غاياتنا.
بالامس عاد ميشال عون من منفاه وقبله الجميل وكل منهما عاد ملاكا لا يعكر صفو هالتهما شائبة.. هالة لم يصنعاها وانما منحت لهم من قبلنا.. لاننا منافقون.
ومؤخرا وتحديدا الاول من امس اطلق سراح قائد القوات اللبنانية المنحلة سمير جعجع. جعجع الذي كاد يرشح زيت القداسة لو تابعت محطات التلفزة بثها لدقيقة اضافية.
جعجع خرج من "سجنه الصغير" كما اسماه بقانون العفو الذي وقعه رئيس جمهوريتنا..
جعجع خرج من سجنه وهو بالتاكيد ليس اسيرا محررا وليس مانديلا لبنان كما يطلق عليه انصاره.
هو كغيره، هو سجن وهم بقوا احرارا بمراتب ومواقع سياسية واجتماعية تدر عليهم ثراء إضافي للثراء الذي "اكتسبوه" خلال الحرب.
وان كان لابد من ايجاد سبب لحريته، فهو بالتاكيد لن يكون البراءة، ولن يكون أيضا الاجماع الوطني على ضرورة اطلاق سراحه.
السبب ببساطة انه مثلهم.. يشبههم تماما والاختلاف الوحيد عنهم انه كان على جبهة اخرى.
ولاننا منافقون بطبيعة الحال كان لا بد من الاصابة بفقدان الذاكرة.
لقد تحولنا الى بلد القداسة، لا يقطن بيننا مجرم حرب واحد.
ولا يحكمنا سوى الطاهرون..
ولاننا نحب الكيف، تكيفنا مع كل ما يحدث، ورقصنا في الشوارع واطلقنا النار ابتهاجا وقتلنا بعضا منا لان فرحتنا كانت كبيرة جدا.
ولان السعادة كانت تكبر اكثر فأكثر هجمنا على بعضنا البعض يوم صدر قانون العفو وتقاتلنا وسقط بيننا جرحى وقتلى.
اين انت يا فاطمة من كل هذه السعادة.. "ما الك حق" بتاتا الهروب. عليك بالعودة سريعا كي تتمكني من اقتناص بعضا منها.
لقد طوى الكل صفحة الماضي وانت لا زلت تعيشين فيها.
لقد باتوا جميعهم احرار
.. ويحك يا فاطمة من الاتي.. فهو بالتاكيد اعظم.