احمد ديركي: "اذا اردنا ان نعرف ما في البرازيل علينا ان نعرف ما في ايطاليا، واذا اردنا ان نعرف ما في ايطاليا يجب ان نعرف ما في البرازيل، واذا اردنا ان نعرف ما في البرازيل...."، هذا هو المقال للفنان الكوميدي الشهير نهاد قلعي المعروف بـ "حسني البرزان" في مسلسل "صح النوم".

كنا نضحك حينها من ذاك "المقال" الذي لا ينتهي ونتساءل عن العلاقة بين الدولتين المتباعدتين وكيف لواحدة ان تؤثر في الاخرى ،لكن مع مرور الايام لم يثبت "مقال" الفنان الراحل صدقيته ومصداقيته فحسب بل الموضوع برمته اثبت صحته لانه حتى تاريخه يبدو وكأن احدا لم يخرج من غرفته في فندق "صح النوم" ليقال له "صباح الخير".
مادام "المقال" و"الموقع" صحيحان فما الذي تبدل في يومنا هذا حتى نسقطهما من مفهومنا؟
الذي تبدل هم الممثلين فقط الامر الذي دفعنا الى الاعتقاد بأن ما يجري الآن مختلف بشكل جذري عما حدث في الماضي القريب خصوصا انه مع التغيير السابق تغيرت "اللغة" ما أدى ايضا الى تغير المصطلحات المستخدمة للتعبير عن القديم- المتجدد بلغة الحاضر حيث استبدلت "البرازيل" "بالدول" التي في طور النمو" او "الدول المتخلفة" أو "دول العالم الثالث"... وبدل "ايطاليا" "الدول الصناعية" او "المتقدمة"...، وبدل صح النوم "القرية العالمية" او "الكونية".
من هنا يمكننا اعادة كتابة "المقال"، طبعا بعد الاستئذان من كاتبه، بالشكل التالي "اذا اردنا ان نعرف ما في العراق علينا ان نعرف ما في اميركا، واذا اردنا ان نعرف ما في اميركا علينا ان نعرف ما في العراق..." والموقع الذي نكتب منه هو فندق "القرية الكونية" من غرفة "الشرق الاوسط الكبير".
وما دمنا نتحدث عن "قرية كونية" فإن ما يحدث في احد بيوتها لا بد أن يكون له تأثيره في بقية "القرية"، أوليست هذه هي الطبيعة السوسيولوجية للقرية؟ كما ان ما من حدث يخلق من عدم، رغم انه في الفيزياء الكمية يمكن هذا، بل هو نيتجة لتراكم احداث ووقائع سابقة ادت الى هذا الحدث التغييري الذي ظهر. فكان الانفجار التغييري في البيت العراقي والذي اتى من "رياح التغيير" التي هبت بشكل عاصف من جهة البيت الاميركي.
اطلق زعماء "القرية" على هذه العاصفة اسم "رياح التغيير" كونها جلبت معها جديد لم يسبق لاهل هذا البيت ان اختبروه وهو "الديمقراطية".
شنت الحرب على العراق تحت راية التخلص او تخليص العراق من "اسلحة الدمار الشامل" وذلك حفاظا على استقرار المنطقة والقرية بأجمعها، رغم ان احد زعماء القرية المعروف بالامم المتحدة بعث أفراد هيئته للبحث، وكانت النتيجة عدم العثور على شيء.
الحجة سقطت. فما سبب استكمال الاجراء؟ قد يكون نشر "الديمقراطية" المتماشية مع "الحرب على الارهاب" او "القضاء على الارهاب" او ربما هناك سبب آخر لاستكماله وهو الحصول على "الذهب الاسود" المتواجد بوفرة في هذا البيت، البيت العراقي.
انتهت حرب العراق او الحرب على العراق التي شنت عليه رغم كل الشعارات الواهية والتي سقطت او أسقطت معها المبررات لهكذا عمل استنذف من الطاقة البشرية والمادية ما كان يمكنه ان يعيد الحياة والرخاء لمن يموتون من الفقر والجوع في جميع انحاء العالم وأكثر من ذلك فان للتكلفة ان تفيض قليلا. وسكن صاحب رياح التغيير في البيت _ويبدو حاليا بأنه ليس في نيته المغادرة حتى إشعار آخر، لما لديه خبرة في الاستيطان_ وقسم البيت العراقي الى بيت كردي وبيت شيعي. السني، والذي هو من ضمن الورثة، لم يأخذ حصته من المنزل لا لرفضه ما قد حصل ويحصل، بل لان الحصة، نصيبه من الميراث، التي اعطيت له وفقا لشريعة صاحب رياح التغيير لم ترقه. فها هو يناور على حصة أكبر قليلا. هكذا يكون البيت قد اقتسم وقسم فيما بين الطوائف تحت راية "رياح التغيير" والذي كانت حصته، نصيبه، الشرعي من هذا الاقتسام والتقسيم للبيت العراقي فقط "الذهب الاسود". وهكذا تكون عدالة الاقتسام الشرعية المتوافق عليها ضمن كل المذاهب الاسلامية.
لماذا اختار مطلق راية "رياح التغيير" أن تكون حصته فقط "الذهب الاسود"؟ اذا اردنا ان نعرف لماذا علينا ان نعرف ما وراء هذا، واذا اردنا ان نعرف ما وراء هذا، علينا ان نعرف لماذا هذا... الجواب على هذا وذاك او بالاحرى جزء من الاجابة هو ما يعرف بـ"قمة الانتاج" والتي يعرفها جيدا صاحب راية "رياح التغيير" وقام بالعديد من الدراسات حول هذا الموضوع.
هو ليس من نزلاء "صح النوم" (الذي ما زال لم يصل الى "قمة انتاجه" في حين هذا الزائر وصل اليها) بل زائر ثقيل الدم عليهم وطفيلي مثل البق. هل في مقدور البق ان يوقظ احد النزلاء من شدة لسعه وامتصاصه لدم النائم. وهكذا يكون النزيل الاساسي في فندق "صح النوم" قد استيقظ من سباته من كثرة اللسع ليكمل لنا الاجابة على جزء آخر من الاجزاء المتبقية على السؤال المطروح لكي نقول له او لها، ذكرت صيغة المذكر والمؤنث كي لا نغزى من البق، مرة أخرى، بتهمة التمييز العنصري ما بين المؤنث والمذكر وخاصة انه الآن هناك صرعة جديدة هي صرعة المساواة بين الجنسين لدرجة الحقوق الزوجية، ويقول لنا "صباح الخير" باللغة العربية وليس بأي لغة أخرى، هذا ليس من باب العنصرية اللغوية بل من باب القول فليأت التغيير من الداخل بما يتوافق مع تركيبته وليس مفروضا من الخارج البرازيلي او الايطالي كما يحدث حاليا ان كان في البيت العراقي ام اي بيت آخر من بيوت هذه القرية الكونية.